اندلعت الثورة السورية كجزء من الاحتجاجات العربية التي بدأتها الثورة التونسية, وأطلق عليها ثورات الربيع العربي, وجاءت هذه الاحتجاجات في سوريا استجابة لمطلب ضرورة التغييروالتحررمن العبودية, بعد ما يقارب من نصف قرن من الحرمان من المشاركة في الحياة السياسية, ومصادرة الرأي, وسلب الحقوق, وانتهاك الحريات, في ظل نظام قمعي شمولي, اغتصب الحياة بكل مجالاتها.
فخلال الأشهر الستة الأولى من عمرها, شكلت الثورة السورية واحدة من أروع الاحتجاجات المدنية والحضارية السلمية في العالم, رغم مواجهتها بالرصاص والدم من قبل النظام القاتل منذ اللحظة الأولى,حيث استخدم في مواجهة الثورة كل آلته العسكرية, فقتل العشرات, وجرح واعتقل الآلاف, كل ذلك واجهتها المعارضة بمهرجانات من الرقص والغناء والاناشيد الوطنية, شعرمعها السوريون وقتها بروح الاخوة والمواطنة المفقودة في المجتمع السوري منذ وصول البعث الاسدي الى سدة الحكم.
بعد ذلك قام بعض الجنود والضباط إلى التمرد على القيادات التي تأمرها بقتل المدنيين العزل, والانشقاق عنها, وتشكيل الجيش من أجل حماية المدنيين, وبهذا تشكل جناح عسكري للثورة, كان القصد منه الدفاع عن المدنيين ورعايتهم من بطش النظام الوحشي وتنكيله, فازداد بطش النظام, وبدأ بحرق الاخضر واليابس.
وبعد كل الاحداث المأساوية التي المت بالسوريين, والباهظة الثمن على مدى السنوات الماضية من عمر الثورة, بات علينا لزاما مراجعة الاشكاليات, او لربما الاخطاء, التي اقترفتها المعارضة السياسية السورية, وخصوصا بعد تعالي العديد من الاصوات التي تتهم المعارضة السياسية بالتقصير والتبعية وعدم الكفائة.
لقد اخفقت المعارضة بالتمسك بالهوية السياسية للثورة, والحفاظ على خطابها الحضاري السلمي, وتوضيح ماهيتها للعالم باعتبارها ليست ارهابا, وأنما هي ثورة الحرية, والكرامة, والحقوق, واقامة دولة المؤسسات والقانون ضد نظام الاستبداد, والظلم, والعبودية, والحكم الشمولي الدكتاتوري, حيث لم تصمد في وجه الخطابات المتطرفة ذات الطابع العرقي, والطائفي التي هيمنت على مركز قرارها, واقصت الخطابات الوطنية, ووأدت سلمية الثورة, ووطنيتها.
تلك الخطابات المختلفة الولاءات والادوات, تحكمت في مسارات الثورة, مستغلة ضعف البنية السياسية للمعارضة التي احتكرت تمثيل السوريين واخذت على عاتقها قيادة الثورة بدون اي تفويض او انتخاب جماهيري, وحولت الثورة السلمية الى صراع مسلح, بانتاج العديد من الفصائل المسلحة الدخيلة على الثورة, وبولاءات اقليمية ودولية مختلفة, وبالتالي فقدت المعارضة مصداقيتها واستقلالية قرارها, ومنح للنظام الذريعة باستخدام كامل غطرسته, وادواته القمعية, بحجة محاربة الارهاب, والحفاظ على سيادة الدولة, مما ادى الى تغييب الملايين من السوريين المعارضيين من معادلة الثورة, بلجوئهم الى اوربا, والدول المجاورة, وتحويل القضية السورية الى قضية انسانية بامتياز.
لم تكن المعارضة الجماهيرية باحسن حال من شقها السياسي, فقد كانت الاغلبية المسحوقة راضية عن ما يفعله ممثلها السياسي, ومقتنعة بتمثيلهم آملين بالخلاص, غيرمدركين بما كان يجري خلف الكواليس, وما يعد في مطابخ السياسة الدولية.
كذلك فشلت المعارضة في تجذير ثقافة تقبل الآخر المختلف, واعادة الثقة بين مكونات الشعب السوري المختلفة, تلك الثقة التي نسفها النظام الاستبدادي بسياساتها الجائرة خلال فترة حكمه, على مدى ما يقارب نصف قرن, حيث وقعت تلك المعارضة في المحضور, بانتهاج الخطاب الطائفي الذي جره اليه النظام, وتعالت اصوات النشاذ التي تبنت مواقف الدول الراعية, وسيادة تقافة الاسلام العروبي المتشدد, ورفض الاعتراف بحقوق المكونات السورية الأخرى, كتنكرهم للحقوق القومية للشعب الكوردي, والاكتفاء بالاعتراف بهم كاقلية عرقية, فزرعوا الفتنة بين المكونين العربي والكوردي, ضاربين عرض الحائط كل تضحيات الشعب الكوردي في فترة الثورة, وما سبقها من اعوام, وخاصة الانتفاضة الكوردية العظيمة في وجه النظام عام 2004م.
تلك الاخطاء وغيرها, صبت في مصلحة النظام, والدول الداعمة لوجوده, وزاد من ادواته ومريديه على حساب انكماش الدعم الدولي للمعارضة, وربما ارتكبتها المعارضة نتيجة للمعطيات والامكانيات المتوفرة اوبسبب التدخلات الاقليمية والدولية, لكن ذلك لا يعفيها من المسؤولية الاخلاقية والسياسية والقانونية, وخصوصا انها استمرت في ارتكاب تلك الاخطاء, رغم ظهور العديد من الاصوات المطالبة بتعديل خطابها واعادة هيكلتها الوطنية.
وهنا لا بد لنا من طرح الاسئلة التالية:
ماذا تبقى من المعارضة السورية من قوى ذات فعل حقيقي؟
هل ستتمكن المعارضة من تشكيل جسم سياسي شامل ودون اقصاء احد للدخول في مفاوضات التسوية؟
اسئلة برسم المعارضة.
هولندا/آيندهوفن 25-05-2020م.