23 ديسمبر، 2024 9:47 ص

المعادلة الحرجة…وطن مقابل شخص

المعادلة الحرجة…وطن مقابل شخص

التطورات الدراماتيكية التي أعقبت تكليف رئيس الجمهورية للدكتور حيدر ألعبادي بتشكيل الوزارة, ورفض السيد نوري المالكي لهذا التكليف يسانده في هذا الموقف جزء كبير من كتلة الدعوة التي يتزعمها جعلت العراق يدخل في مأزق تداخلت فيه عوامل سياسية وقانونية  وشخصية وحتى دينية   على خلفية ألثمان سنوات الماضية, وهنا نحاول أن نجزئ قيم هذه المعادلة التي أجبرتنا على  إقرار نتيجة صفرية بمعنى إن تفضيل احدهما يعني إنهاء الآخر فأما المالكي أو العراق.
أولا- العامل السياسي
انطلق الرفض التام او المشروط لتكليفه بولاية ثالثة من قبل الكتل السياسية واحيانا ما ضهر على انه عداء بين المالكي وزعماء سياسيين بارزين , من اعتقادهم بفشله في تطبيق مبدأ التوافق (وهو التعبير المهذب للمححاصة) الذي اصبح عرفا تتسم الخريطة السياسية العراقية فالاكراد والسنة وجزء مهم من الشيعة يشعرون بعدم الرضا عن ادائه الداخلي , وخاصة فيما يتعلق بالملف الامني الذي امسك بجميع مفاصله. هذا الاخفاق الداخلي اعطا انطباعا قويا لدى عواصم كبرى في العالم بان السيد المالكي لم يبدي الجدية الكاملة في الاصغاء الى شركاءه.
حاول السيد المالكي ان يختط لنفسه قرارا مستقلا رغم مايقال عن علاقاته المميزة بطهران وواشنطن فقاد حملة عسكرية على الميليشيات الشيعية في البصرة فيما عرف ب(صولة الفرسان) في عام 2008مبتعدا عن المسار الايراني وكذالك فعل عندما اصر على عدم عدم اعطاء ضمانات بعدم محاكمة الجنود الامريكان وهو الشرط الذي ارادته واشنطن للابقاء على قواعد عسكرية تضم عدة ألاف من جنودها بعد الانسحاب من العراق مما شكل صفعة مهينة لها بعد اكثر من4500 قتيل و36000جريح مئات المليارات من الدولارات أنفقتها لاحتلال هذا البلد وكان موقفه المستقل من الازمة السورية هو القشة التي قطعت حبال الود مع المجتمع الإقليمي والدولي الذي كان بمعظمه ضد نظام بشار الأسد.
خاض السيد المالكي خلال السنوات الماضية عدة معارك  داخلية وخارجية كان يمكن له تجنبها او على الاقل ادرتها بصورة افضل وعدم خوضها دفعة واحدة ,علما ان بعضها كانت مفروضه عليه.
هذا المرور السريع على العوامل السياسية التي أطاحت بالسيد المالكي يمثل جزءا يسيرا من المشهد العراقي المعقد والذي لا يشبه أي ازمة يمكن ان تجدها في أي دولة اخرى  وهي قادرة على احباط أي شخصية اخرى تتولى هذا المنصب الذي تتوجه اليه انضار العديد من الحكومات في الدول الكبرى والاقليمية وشركات الطاقة والمنضمات الارهابية بانتظار مايمكن ان تحققه من ارباح على حساب معاناة شعبه وعلى رئيس الوزراء مهما كان اسمه الوقوف بوجه كل هذه التحديات الخارجية مضافا اليها التحديات الداخلية مع الشركاء الذين ينتظرون حصتهم من الغنائم.
ثانيا- العامل القانوني
شهد تكليف الدكتور العبادي جدلا قانونيا بين مؤيدي هذا الترشيح وبين موئيدي السيد المالكي الذي اعتبروه غير قانوني ولاقيمة له , ولم يتفق فقهاء القانون على احقية أي منهما بالتكليف فطروحات مؤيدي السيد المالكي تتركز حول نقطتين اساسيتين يعتبرون انها تشكل خرقا دستوريا من قبل السيد فؤاد معصوم رئيس الجمهورية:
1-  تجاوز المهلة الدستورية للتكليف والبالغة خمس عشر يوما , وهذا الرأي  قانوني ويضع رئيس الجمهورية تحت طائلة المسائلة , لكنه من الناحية السياسية مردود عليه بسبب سابقة تجاوز هذه المهلة في عام 2010 لعدة اشهر ببدعة الجلسة المفتوحة التي ابتدعها البرلمان وانتهت بتكليف السيد المالكي لتشكيل الحكومة ,وعلى كل حال فأنها ليست المرة الاولى التي يتم فيها خرق الدستور من كل القادة السياسين.
2- يتمسك نواب كتلة الدعوة بأنهم الكتلة الاكبر في جلسة البرلمان الاولى تحت اسم أأتلاف دولة القانون وهو موضوع فيه جدل ذالك ان رموز التحالف الوطني بما فيهم السيد المالكي خرجوا بمؤتمر صحفي ليعلنوا أن الاتلاف الوطني هو الكتلة الاكبر قبل يومين من انعقاد الجلسة الاولى للبرلمان.
ثالثا- العامل الشخصي
يمتلك السيد المالكي شخصية قوية ولغة خطاب خلابة مع انها حادة ومباشرة  كانت احد اهم اسباب اتهامهة بالتفرد واقصاء الاخرين , للأسف ان هذا الحزم الذي نجده في شخصيته كان موجها للخصوم فقط بينما كان اكثر لينا مع تجاوزات حدثت من المحسوبين عليه , لكن المتفق عليه من خصومه قبل اصدقائه هو نزاهته الشخصية حيث كان اول من قدم كشفا بذمته المالية عندما طالبت هيئة النزاهة كبلر موضفي الدولة بذالك ولم تتجاوز ثروته 500الف دولار..بينما يملك الكثير من صغار موضفيه اضعاف هذا المبلغ!!
4- العامل الديني
لعبت المرحعية الدينية العليا دورا اساسيا في عدم تكليف السيد المالكي بولاية ثالثة بالتلميح المتكرر الذي وصل الى حد التصريح في الاسابيع الماضية بنسق تصاعدي في لهجة الخطاب الموجه له مباشرة بعدم التشبث بالسلطة واصفة ذالك بالخطأ الفضيع وعدم التحلي بالمسؤلية, وهي من المرات النادرة جدا التي تتدخل فيها بهذه القوة في مسألة تشكيل الحكومة, وهو مايعكس حجم الخطر الذي تشكله الولاية الثالثة على الجميع, وليس بالضرورة انتقادا شخصيا له او حتى اداءه الحكومي في جملة من الملفات التي كانت موضوع تاكيد من قبل المرجعية وخاصة ملفي الامن والخدمات , ولعل رسالة التغيير التي ارسلتها المرجعية للناخب العراقي والشيعي على وجه الخصوص قبل الانتخابات كانت عامة وشاملة لكل الطبقة السياسية التي فشلت في ادارة البلد واحتواء خلافاتها, بالشكل الذي اضر بالمواطن العادي وهو مادى الى امتعاض واضح لدى المرجعية ادى في نهاية الامر الى رفع الغطاء الشرعي (الديني) له.
كان توجد فرصة قد تكون كبيرة لحصول السيد المالكي على ولاية ثالثة قبل دخول داعش الى الموصل وصلاح الدين واجزاء واسعة من الانبار وديالى , لكن بعد يوم 9/6 , ونكبة القوات المسلحة في ضروف لا زالت غامضة . استجدت حقائق جديدة على ارض الواقع وانتجت معادلة حرجة وغير اخلاقية(بالنضر الى نتائج الانتخابات  التي حصل فيها شخصيا على اكثر من 720الف صوت) لكننا مجبرون على النضر اليها فاما تمسك السيد المالكي بالسلطة والتضحية بالعراق او العكس. مع اني مؤمن تماما ان تغيير السيد المالكي هو مجرد تاخير لكارثة تقسيم العراق لا اكثر .