في مفتتح تقرير لها من العاصمة التركية، أنقرة، نُشِر أمس، قارنت الصحافيّة كارلوتا غال بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لجهة الهواية التي يدمن كلّ منهما عليها أكثر من غيرها.
وهي ترصد في تقريرها ظاهرة ثرثرة أردوغان، قالت الصحافيّة والكاتبة البريطانية التي تعمل مراسلة لـ “نيويورك تايمز” منذ اثنتي عشرة سنة، إنه كما ينكبّ ترمب يومياً على التغريد عبر مواقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، فإن أردوغان يواصل تدويخ تركيا بشتائمه وخطبه الصاخبة التي يُلقيها في اجتماعات عامة بمعدل ثلاث مرّات في أيام الأسبوع العاديّة ومرّتين في عطلة نهاية الاسبوع. وللمعلومات فإن الرئيس ترمب يستخدم “تويتر” حتى للإعلان عن مواقفه الرسمية والإجراءات التي يزمع اتخاذها أو قرّرها بالفعل.
لو كانت السيدة غال تعمل هنا في بغداد، فالأرجح أنها كانت ستعقد مقارنة بين ترمب ورئيس وزرائنا حيدر العبادي الذي بزّ حتى الراحل عبد الكريم قاسم في عدد المرات التي يتحدّث فيها الى الجمهور.
السيد العبادي مُغرم للغاية بالكلام عن الفساد ومكافحته والفاسدين الموعودين والمُهدَّدين بالملاحقة والاجتثاث. وفي السنوات الثلاث الأولى من ولايته أعطانا الانطباع بأنه قد اشترى لنفسه سيفاً بتّاراً، وقد أعدّ معه العدّة ليشهِره في الوقت المناسب، قبل أن يتراجع في السنة الأخيرة ليستعطف الفاسدين بأن يكونوا أريحيّين فيعيدوا ما سرقوه! ثم ليركّز الكلام في الآونة الاخيرة على صعوبة مكافحة الفساد والحاجة إلى وقت طويل لإنجاز المهمة! (هل اكتشف أنّ للفساد جداراً من الحجر الصَّوّان عصيّاً على المناطحة؟!).
ما كان السيد العبادي في حاجة الى أن ينطق كلمة بخصوص الفساد ومكافحته والفاسدين وملاحقتهم. كلّ ما نحتاج إليه عملية صحيحة وصادقة لمكافحة الفساد هو تمكين هيئة النزاهة من القيام بواجباتها المحدّدة في قانونها من دون تدخلات وضغوط من السياسيين والمتنفذين في الدولة، وتمكين القضاء من أداء دوره بنزاهة وعدل، وتمكين الرأي العام، وبخاصة وسائل الإعلام من الوصول الحرّ إلى المعلومات الخاصة بهذا الشأن ومعاونة هيئة النزاهة والسلطة القضائية في عملهما، وهذا بالذات يلزمه قانون تقترحه الحكومة على مجلس النواب، يمنح عموم العراقيين ووسائل الإعلام الحقّ في الوصول بحريّة إلى المعلومات المتعلقة بهذا الشأن وبسواه.
قيل في ما مضى “إذا غضب الله على قوم رزقهم حبّ الجدل وقلّة العمل”. وبوصفه رئيس وزراء مؤمناً لا يحبّ الموسيقى ولا يقرب الأغاني (!)، فالنصيحة إلى السيد العبادي أن يفكّر جدّياً في “غضب الله” فيوفّر على نفسه وعلينا كثرة الجدل (الكلام) وينصرف الى عمل مثمر لمكافحة الفساد بأفعال واضحة ومحدّدة .. إذا ما أقدم على هذا سيكتشف بالتأكيد أنه أقوى ممّا يتصور نفسه، فالملايين العراقية كلها ستقف إلى جانبه وتحميه من غدر الإخوان والخلّان، وسيكتشف أيضاً أنّ الأمر لا يحتاج الى وقت طويل كما يتوهّم أو يُوهم.