23 ديسمبر، 2024 12:20 ص

في آخر مقال أكّدنا على وجوب بناء الإنسان على القيم الكونيّة .. بموازاة العمران و الخطط والتقنيات الأستراتيجيّة, وإنّ التربيّة والتعليم هما الأساس و السّبيل الحقيقيّ لترصين وإنقاذ المجتمع لبناء الأوطان و المواطن معاً, من حيث لا سعادة إلا بهما, خصوصاً و إن هذه الوزارة الأهم للآن لم يُعيين لها وزيراً كفوءاً!

أحزابنا السّياسية بكل مُسمّياتها للأسف إهتمّت ببناء جيوبها و نفسها وقواعدها من حيث الكمّيّة ونست بناء كوادرها وافرادها من حيث النوعية لتأهيلها لخدمة الوطن والمواطن, لذا نجدهم ومناهجهم اليوم في وادٍ وأعضائهم في واد آخر, و الشعب في مقابلهم معزول عنهما تماماً وسط هذه الفوضى الفكرية و العقائدية لعدم إنتسابهم لتلك الأحزاب التي إعتبرتْ نفسها وصايا على الوطن مُستبعدين غيرهم من المحاصصة و المشاركة في عملية التنمية والبناء على الصّعدين الحضاريّ و المدنيّ!

وهذا كلّه بوضوح؛ يعني ألتأسيس للخراب و الفوضى و الخسران و الهزيمة بكل المعايير, حتى لو ملك كل عراقي قصر كقصر بلقيس على سبيل الفرض, ما لم نُحدّد الحلول المناسبة لدرأ هذا الخطر الأعظم على مستقبل العراق.

لقد أخطأ الصّينيون القدامى عندما أرادوا أنْ يعيشوا في أمان؛ حيث ركّزوا على بناء سور الصّين العظيم و هو من عجائب الدّنيا السّبع لحماية الأمبراطور وقصوره و خدمه لا الأمة الصينية المغلوبة حتى يومنا هذا .. واعتقدوا بأنهُ لا يوجد من يستطيع تسلّقه لشدّة علوه و وجود الحراس على بوابته، ولكن ..!
خلال المئة سنة الأولى بعد بناء السور تعرّضت الصين للغزو ثلاث مرات!
وفى كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية فى حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه..!
بل كانوا في كل مرة يدفعون للحارس (الرشوة) ثم يدخلون عبر الباب.
لقد انشغل الصّينيون ببناء السور ونسوا بناء الحارس ..!
وهكذا كان حال جميع الأمبراطوريات وآلدول العظيمة سابقا و لاحقا و في وقتنا الحاضرّ ..
حيث كان من المفترض بل الواجب عليهم بناء الأنسان جنباً إلى جنب مع السّور و القصور, و هذا الخطأ العظيم ما زال يتكرّر حتى في عصرنا هذا, فآلغرب و الشرق بإختلاف مناهج حكوماتهم؛ يُؤكّدون على بناء المؤسسات و الأنظمة التكنولوجية و الأمن من دون الألتفات لبناء الأنسان الذي إنْ لم يعلو دوره .. بناء الأنظمة و الشوارع؛ فأنها ليست بأقل من ذلك في الأهمية.

فبناء الإنسان الحضاري يجب أن يتوائم مع بناء المدنية كتوأمان إن إفترقا إحترقا .. وحتى لا نبقى ندور في حلقات مفرغة و بآلتالي نسبّب تراكم المحن و المآسي التي قد تنفجر بكل بساطة و في أيّة لحظة هنا وهناك وكما هو حالنا آلآن, فما زلنا كل يوم في شأن و إنقلاب وثورة وعصيان وإحتجاج وخصام وإمتحان و بلاء والحال من سيئ لأسوء والمستفيد الأكبر الأجانب لا الشعب و الأمة!

و اليوم .. و في وضع كوضعنا, و كما أشرنا في الموضوع السابق؛ أرى أنهُ من الأنسب؛ ألبدء بتشكيل المنتديات و الدورات الفكرية والثقافية المركزة لتحقيق ألأهداف الستراتيجية, بشرط حذف ألدِّين ألمؤدلج الذي ساد ببلادنا وكذا مناهج التربية والتعليم التي خرّبت وجود المواطن و جعلته لا يدري حتى معنى الحياة والآخرة, وهكذا الأدب والأعلام والافلام والمطبوعات التي تمّ تأليفها و ترويجها والتي خرّبت أخلاق المواطن و فكره ناهيك عن قلبه الذي لم يعد يعرف سوى الجنس كحلّ وحيد لسعادته.

نحتاج لمراكز ثابتة و لدورات مكثفة و مركزة في كلّ هيئة رئاسية و وزارة و مؤسسة و جامعة و مدرسة و لكل وزير و رئيس و مسؤول طبقاً لمناهج الفلسفة الكونيّة التي تؤصّل لبناء فكر و قلب الأنسان الذي وحده يُمثل كيانه وبيان رسالته في الوجود و هي الأهم, و لعل ساعة أو نصف ساعة من كلّ يوم على الأقل تكفي لتحقيق هذا الهدف الأهم و العظيم الذي بدونه لا قيمة و لا هدفية لأيّة حكومة أو مشروع مهما كان عظيماً و متقناً .. هذا إذا لم يكن بآلامكان تعيين دورات رسمية أساسية خاصة منفصلة.

و دعوتي هذه بآلدرجة الأساس للأستاذ الكبير ألسّيد ألفاضل رياض فاضل مدير الأمانة العامة لمجلس الوزراء .. لما لمستُ فيه من إخلاص و تفان و دقة في متابعة الأمور وإمتلاكه لتجارب و تأريخ و خزين من آلمؤهلات الغنيّة و فوقها الأخلاص والتواضع الذي يحتاجه أهل العراق اليوم, بآلأخص العاملين والموظفين و المسؤوليين والرؤوساء و النواب في الدّولة, والقضية لا تحتاج سوى للتنسيق و التنظيم و بعض المقدمات ألفنّيّة, وهو – أيّ السيد الأستاذ الحاج أبو فاطمة – أهلٌ لمثل هذه المشاريع العملاقة لإنقاذ العراق والأمّة, خصوصا وأنهُ صاحب باع طويل في مثل هذه المبادرات والبحوث وتأسيس المراكز والدراسات الفكريّة, وأنا خادم لهُ و لكل محبّ للفكر.
و من الله العون و السداد

أللهم إنّي قد بلّغت ..
أللهم فإشهد