لابد لنا من نهضة فكرية صادقة وصريحة تستوعب معاناتنا وتتبنى تفاصيل ومعطيات وارهاصات واقعنا الراهن . لكي تمكننا هذه النهضة الفكرية من بناء وايجاد (( الذات )) ، وننطلق بواسطتها في ركب المسيرة الأنسانية كما ينبغي وكما يجب ، نواكب تطورات الأحداث ونكون فاعلين بوجود مبني على أسس متينة وثابتة ، وليس كما حصل ويحصل معنا عبر تاريخنا من زعزعة وتغيرات وتقلبات كردات فعل أو كنتائج – متأثرة ومتداعية – نتنيجة لما يحدث حولنا من – فعل ومخططات وتيارات – قادتنا وتقودنا للتشرذم .
ان ماحصل ويحصل من تغييب وتضييع لدورنا الحقيقي الفعال تجاه قضايانا المصيرية انما هو أحداث (( عرضية )) ل (( ضرورات )) تاريخية نشأت وتصارعت عبر مئات السنين لعب فيها فكر (( السلطة والسلطان )) دورا كبيرا في التحريف والتشويه والطمس لأجل أهداف سلطوية ونفعية لأفراد وجماعات قلائل كان لهم الدور في التأثير على مجريات الأحداث وتحريفها حسب مايشاؤون .
ان فلسفياتنا وتفاسيرنا ومناهجنا – المتعددة – المتصارعة – المتناقضة – ، كلها أثبتت فشلها ولم تتمكن من معالجة وتغيير شيء ولو بسيط من واقعنا . وهذا يقتضي منا اجراء اعادة نظر وتقييم وتفحص في منظومات فكرنا .
فعلينا أن نفهم أن لاشيء عرضي ، ولاشيء يأتي من جراء لحظة آنية عرضية عابرة ، وكل مايبدو لنا انها أحداث عرضية انما هي تعبير وانعكاس عن خلفيات و (( ضرورات )) أخذت حيزها في وعينا وفي تاريخنا وترسخت فينا ، وهي عوارض وظواهر لصراعات تاريخية ولتاريخ من التناقضات والتضاربات تم انشاؤه واعتماده بناء على مقتضيات وحاجات مصلحة (( السلطة والسلطان )) ، لأن التاريخ قد أثبت بما لاشك فيه ان الأفكار التي تسود في كل مرحلة عبر العصور هي أفكار (( السلطة والسلطان )) ومانشأ عنها من صراعات . وقد تم تبرير الصراعات التاريخية وتحريفها وايجاد فلسفة وفكر لها لأجل هذا الغرض .
علينا ، أن نستوعب الماضي ونفهمه جيدا ونحتويه برؤية عقلانية – مجددة ومتجددة – والأفادة منه بالقدر الذي يمكننا من اجراء عملية اعادة بناء فكرية سليمة لنا ، غير منفعلة ، نتمكن بواسطتها من مواكبة العالم والمحافظة على مكتسبات الماضي والحاضر والسير نحو التقدم والنهوض السليم المرتكز على المقومات الصحيحة المطلوبة له . وهذا يقتضي توفير الظروف الملائمة لنشوء هكذا تجديد في فكرنا وفي وعينا وفي بناءنا .
وعلينا ، أن نتعلم أيضا ان ربط أنفسنا بشكل أعمى بعملية (( العولمة )) والأنقياد خلفها كالمغفلين والطرشان لن يتيح لنا أن نستفيد من (( فوائد )) وتطورات هذه العولمة كما ينبغي ، فهذه العولمة ستكون سبب كبير من أسباب الهيمنه والأحتكار الذي ينتهجه العالم – عالم الشركات والمصالح ورؤوس الأموال والتكنلوجيا – .
وعلينا ، أن يكون حاضرنا متحررا من أسباب التدجين والأستغفال ، وأن لاتحتكرنا الهيمنة الفكرية للتيارات والأفكار الظلامية التي تستند في نشوءها الى فكر سلطوي منحرف تعمد افقارنا ذهنيا وماديا عبر العصور .
علينا ، أن نسعى (( للتجديد )) في فكرنا ووعينا وتكون فائدتنا من ماضينا وتاريخنا بأن نحتويه ونستفيد منه في اعادة بناء منظومتنا الفكرية المتجددة التي تخلق (( ذاتنا )) وتمكننا من مواكبة العالم الخارجي وبما يجعلنا مؤثرين وفاعلين في محيطنا ، نأخذ من ماضينا تياراته وأفكاره ومواقفه (( النيرة )) التي تبنت مفهوم (( انسانيتنا )) ، والتي دافعت عن وجودنا وعن حياتنا وكانت تسعى لأجل خلق نظام اجتماعي وحياتي لنا من هذا المنظور ، وتاريخنا القديم والحديث حافل بالكثير من هذه الرموز العملاقة الخالدة التي تم توظيف كل الأفكار والتيارات المضادة لها لقمعها واسكاتها واسدال الستار على حركاتها وطروحاتها الفكرية القيمة .
علينا ، أن نلفظ من ماضينا كل مبررات ومسببات وادعاءات التمزق والتفريق والضياع وخلق الفوضى التي سعت الكثير من أبواق السلطان لأيجادها والأستفادة منها وبما يخدم مصالحها ومنافعها هي وعروشها فقط .
المطلوب أن نسعى لتجديد أنفسنا – منظوماتنا ومغذياتنا الفكرية – وسائل تربيتنا وتعليمنا وتنشئة أجيالنا – لخلق مجتمع متحضر رصين يمتلك مقومات ديمومته واستمراريته ، ويمتلك وسائل ومقومات الحصانة للدفاع عن نفسه ، واثبات وجوده بعيدا عن كل التأثيرات السلبية التي لاتنسجم مع هذا الطرح .