23 ديسمبر، 2024 12:32 ص

العفو أستاذ غسان.. أنا جئتك وأريد أن أبدأ بداية اخرى تليق بك، لابد أن تكون بداية مفعمة بالمحبة والصفاء والامتنان لكل معروف قدمتموه.. يبدو لي ان مثل هذه المقدمة غير قادرة على احتواء القضية، ولذلك سأقول له بكل هدوء:- دعني أشرح لك الأمر.. أنا ابراهيم سعد اعمل مدرسا، وابن هذه القرية التي حملت صراخ وجودي وعويل غربتي، انا ابن المقدادية يا أستاذ غسان الربيعي.. ابن ديرتك وابن عراقك.. انا ابن المدينة التي صحت ذات يوم لترى شراسة وجوه لا تعرف السلام.. وقد ازاحنا الدواعش عن قرانا فنزحنا الى بغداد الحبيبة.. أتعرف يا أستاذ ما معنى أن تترك كل شيء للأغراب وترحل..؟ تترك بيتك، ذكرياتك، اغراضك، وما تحمل من مال وزاد..! انظر لها ارجوك.. فهذه البيوت طالما عانت من الملل والإرهاق والاحتلال الداعشي، فهي متعبة كأهلها وناسها، تبحث عن وميض معروف، عن انسانية تشل بها جراحها.. ولا أخفيك انكم كحشد شعبي أيضاً كانت لكم مساحة مرعبة داخل نفوسنا، لقد شوه الاعلام سمعتكم، فضخم وضلل وقدم اهلنا في الحشد وكأنهم هم من جاءوا ليحتلوا البلاد.. لقد أشاعوا أن ابتسامتكم مع الناس مراوغة، ومساعدتكم لهم مجرد اعلام.. ولهذا كنا نخافكم، مع اننا نعرف انكم من طرد الدواعش، وحرر كل بيت من بيوتنا. قالوا: انكم تحملون قوائم فيها اسماء من باعوا الارض والعرض، وخانوا اهلهم وناسهم، وانتموا إلى داعش، فقتلوا بني قومهم وهجروا ناسهم، ولهذا كانت مخاوفنا تزداد حين نسمع ان اسما من اسماء اهلنا مطلوب من قبل الحشد، نخاف تشابه الاسماء او المعلومات المزيفة التي قد يرفعها من يريد أن يكيد بنا..! أشياء مجهولة لا نعرف كنهها، وإذا بأحدهم يبلغني ان الحشد يبحث عنك، كن مكاني ارجوك، وأنت مازلت تلبس تراب الهجرة والنزوح، وإذا بأحدهم يخبرك بأنك مطلوب للحشد الشعبي..! كيف تكون الدنيا حينها بعينيك؟ ما ان وقفت سيارتكم باب الدار حتى ظننت اني سأقاد كما يقود الدواعش المتهم جراً وجلدا الى ان يموت امام داره..! صح انك كنت تبتسم لتريحني وتخلق لي الاطمئنان وأي اطمئنان تخلقه لي ابتسامة كنت اظن انها ماكرة؟ أطرقت الرأس خجلاً حين عرفت ان معظم بيوتنا قد فخخت، فخخها الداعشيون قبل هروبهم؛ ليضعوا امام خبراء تفكيك المتفجرات مهمة تفجيرها عن بعد، وهذا خيار لابد منه، والذي عرفته ان خبراء الحشد دفعتهم غيرتهم على ابناء عراقهم، فخاضوا غمار عمل خطير من اجل الناس؛ ليعودوا الى بيتوهم، فيجدوا فيها سقفاً يقيهم الحر والبرد، فرفعوا العبوات عن البيوت بيتاً بيتاً، واستشهد منهم ثلاثة خبراء. يا إلهي.. اظنك استاذ تذكر وأنا على يقين انك تذكر غضبي وعصبيتي، وأنا اواجه سيادتكم، وأصيح بوجهك بعالي الصوت: ما الذي تريدونه منا، ألا يكفي أذى الدواعش ما الذي ابقوه لنا؟ سرقوا كل شيء؟ ما الذي بقي كي تأخذوه؟ وما الذي جئتم تبحثون عنه؟ وإذا بي اكتشف اني اصيح بوجه من قدموا آلاف الشهداء من اجل ان نرجع الى ديارنا ونعيش الأمان. ابتسمت انت بوجهي لتقول: آسف نحن نبحث عنك؛ لأن مقاتلينا وجدوا في داركم كنزاً، يعود الى الحاجة ناظمية، وهو عبارة عن صندوق صغير فيه مخشلات ذهب ومال.. قلت:ـ احمد الله ان في بلدي رجال مازالوا يمتلكون الامانة والصدق.. لقد قررت والدتي ان تمنح كنزها الذي اعدته لوقت الشدة لجميع فقراء هذه القرى التي تعاني الفقر والعوز.. وأرسلتني لأقول لكم: شكراً.. يا أبناء الحشد.