18 ديسمبر، 2024 7:23 م

المطالبة بالأقاليم.. ما المشكلة؟

المطالبة بالأقاليم.. ما المشكلة؟

من يقول ان المطالبة التي يطلقها بعض ساسة ونشطاء المحافظات لجهة تحويل محافظاتهم (أو اكثر من محافظة) الى اقليم أمر طبيعي وأن يترك الى السياقات الدستورية له الحق بحدود صدقية نيات المطالبين، فالدستور اشار في مادته الـ116 الى «النظام الاتحادي» الذي يتكون «من عاصمةٍ واقاليم ومحافظاتٍ لا مركزيةٍ واداراتٍ محلية» وانه اعطي الحق لسكان أية محافظة تحويل ادارتها الى اقليم، لكن ثمة مؤشرات غير مريحة وراء دعوات يطلقها البعض من ممثلي سكان محافظات الانبار وصلاح الدين والبصرة والنجف وغيرها ما يدفع الى الخشية من ان تكون بمنزلة محاولة «تقسيم للدولة العراقية» كما يذهب المعارضون، فيما يقول الدستور في مادته الـ119 ان تلك الأقاليم تقام على وفق استفتاء مباشر من السكان.

التناقض هنا يحتاج الى تأمل في خلفيات الاعتراض على اقامة اقاليم دستورية، لكن قبل ذلك ينبغي التذكير بأن بعض المعترضين على اقامة الاقاليم كانوا مشاركين اساسيين في وضع الدستور العراقي، في اطار العملية السياسية، وانهم يؤكدون على ضرورة الإلتزام به نصاً وروحًا، و(الى ذلك) اقسموا على تطبيق الدستور وحمايته من التشويه والتعدي، الامر الذي يحمل على القول ان المعترضين هؤلاء يتعاملون مع الدستور بوصفه قطعة من المطاط، يمددونها من الجانب المناسب لمصالحهم ومعاركهم السياسية، ويضيقونها من الجوانب التي تناسب مصالح غيرهم، وان الحديث عن «مؤامرة» او «تقسيم العراق» لا يعدو عن كونه شعارًا في المماحكات السياسية والصراع الفئوي، وإثارة الشارع، بل واستغفاله.

اننا نتحدث عن معارضين لدعوات الاقاليم من اصحاب العملية السياسية حصراً، اما معارضو هذه الدعوات من خصوم التغيير وقوى التجييش والقبلية العمياء والاسلام المتطرف، فانه لا نحتاج لمناقشتهم وتفسير معارضتهم، آخذاً بالاعتبار انهم لا يعترفون بالدستور ولا بالدولة الاتحادية ولا بالتغيير ولا بأية مؤسسة من مؤسسات الدولة الجديدة، وليس لديهم أي بديل معلن عن المشهد القائم بل موزعون على خيارات كوميدية، بين اقامة الخلافة، أو العودة الى نظام الحزب الواحد، أو تشييد دولة القبائل والطوائف والحروب.

طبعاً، لا يصح التقليل من شأن تدخلات دول الجوار، ولا من الخطر الناجم عن وجود قوى وزعامات تنسق مع حكومات هذه الدول في غير صالح البلاد، لكن لا يصح أيضاً تحويل ورقة الأقاليم والمطالبة بها الى مكب للشتائم والصراعات الفئوية.. او الى تمرين على تأليب فئات شعبية ضد خيار يحتاج الى مناقشات دستورية بناءة.. وفضاءات لا تسممها المخاوف المغشوشة على وحدة البلاد.

«أيتها النفس إجملي جزعا …

إن الذي تخشين قد وقع»

آوس بن حجر

نقلا عن الصباح الجديد