مباحث في شعرية عبد الرزاق الربيعي
( مدخل )
أن أهمية المعاينة الإجرائية النقدية في دراسة النص الشعري تكمن في كونها تحاول تجديد قيمة الإضاءة المنظورية في مجريات و بنى و أشكال سبل التعاطي مع أدوات ذلك النص أو النصوص المدروسة ، حيث بات التعاطي القرائي مع دساتير تلك النصوص يشكل حالة متجلية ، من الأختيار و الامتثال لتفاصيل و ملفوظات و أنساق ذلك النص و ما يحتويه من آليات تحليلية و تأويلية مسعفة لخصوصية مقاربة ذلك الخطاب النقدي في جل تضاعيفه و استحضاراته السيميولوجية المتفاعلة و حدود خطية زمن و دلالة و خطاب و شفرة اسلوبية ذلك النص الشعري .
( لغة البنية في صوت الشفرة المضمرة )
1ــ المبحث الأول :
من المفيد لنا أن نؤكد أن رصد حالة المعالجة الشفروية المضمونية في منظومة دال المضمر في لغة و دلالة النص تتبع عادة من الشاعر فهم أبعاد الإجرائية و الرؤيوية المنصوصة في مكامن مشخصات تفعيل أدوار التنصيصات
المزروعة في نمو مقولات و منشورات بلاغية من شأنها أولا تعيين الصورة البنائية و الاسلوبية في تراتيبية صورة التخاطب الأجمالي في دليل مجموع مستويات التحقق الأنتاجي في نواة المعيارية و القواعدية و الصورية ، و على خلاف هذا الأمر من التوظيف تظل أختيارية النموذج الشعري قيد مخطط دال النص المشفر ، لذا يبدو للقراءة كما لو أنها أشكال محددة في زاوية انفتاحية مؤشرة لأنصهار أفقي معاكس . و بأختصار شديد يمكننا رصد طابع استراتيجية هذا التوظيف من خلال ما يكتبه الشاعر عبد الرزاق الربيعي من تعيين ظواهر الأشياء عبر مؤشرات المضمر الكامن في دوال فروقات الأسئلة الأختلافية الكامنة في حاضنة العلاقة الشعرية التي تكون منطوقة بموجب محسوسات شفرة مجردة مقابل شفرة إبلاغية لا تفارقهما طموحات تحقيق الشرط الدلالي القار عبر معطيات السياق المشكل لمعاملات مجموعة النص العضوية و المرجعية و التي تتضمن في الوقت نفسه ثمة ممكنات من جدلية التصور المقابل كشفرة أحتوائية ذات توجهات تتعدى علائقية الشفرة المنطوقة بذاتها كمزاولة خارجية في معطى رابط لأفكار تفاصيل المدلول الكيفي المضمر المتواجد في أوجه الوعي المنطوق في جسد المعنى التفاصيلي . و لكن القارىء لقصيدة عوالم عبد الرزاق الربيعي يمكنه معرفة إذا كانت القسمات الشفروية مضمرة أو منطوقة ، و ذلك بموجب خطية توالدات و أبدالات المسببات الكيفية كوحدة قياسية متعددة الذاتية و المدلولية و النموذجية المجالية .
بجع تناثر في مهب قميصها الثلجي ( قصيدة : ضحك سهوا )
ضوء أبيض
فرح الطفولة
و أكتشاف أنوثة الأشجار
و الأشجار : كون مقفل
ورم على جسد الطبيعة
في أقانيم الكلام الحار
و العرق الجليل .
أن محاولة أكتشاف أبواب مداليل و شفرات هذا النص ، أشبه بعملية البحث في حفريات متشظيات الشفرة المضمرة و المنطوقة . فالحضور المضمر في دليل جملة ( بجع + تناثر + مهب + قميصها + الثلجي ) لربما يعد حالة نصية مضمرة المضمون و الإجابة الحاسمة إزاء المقصود الدلالي من جسد عنونة ( ضحك سهوا ) أي أن وعي أتصالية الواقع هنا في مضمون هذا الشكل المقطعي ، تبدو في الظاهر صورة غير مباشرة في علاقة تسجيلية الأشياء وصولا الى بلوغ مرحلة الشعورية المبطنة عند القارىء من قبل أفعال منطقة المشفر الأختزالي و الأستعاري المجرد في مقاطع النص .
2ــ المبحث الثاني :
ولو تخطينا منطقة فضاء المضمر من دلالة القصيدة دخولا منا الى منظور القصد الانطباعي في مساحة المساعد و المعاكس في مفاصل وجه الجملة الشعرية اللاحقة من زمن النص : ( ضوء أبيض / فرح الطفولة ) لوجدنا ثمة مفاصل كشوفية هامة من زمن دليل لغة المنطوق الدلالي الشاغل لذاته حيز حالات المتقدم من أيقونة القصد القولي : ( بجع تناثر =
ملء مؤديات دال / في مهب قميصها الثلجي = سرد متعلق بالراوي الغائب أو المغيب / ضوء أبيض / فرح الطفولة =
فواعل شفرة منطوقة / إكتشاف أنوثة = مستوى موصولية تبئير وجهات خاصة من الأستقراء الأولي من زمن دال ـــ
في مهب ـــ أو دال ــ ضوء ــ أو دال ــ قميصها ) و هذه الأصوات المضمرة و المنطوقة في نتيجة حالات السارد الواصف تقودنا نحو وظيفة الوصف و التصنيف وصولا الى استخلاصة افتراضية في مؤشرات الكيفية الأختلافية في وجهة ثنائية ( تبئير / انطباع ) .
و الأشجار : كون مقفل
ورحم على جسد الطبيعة .
من خلال مستويات هذه المقصدية المؤشرة نكتشف حجم دائرية الشفرة المضمرة في جملة ( الأشجار كون مقفل = نسق داخلي =استنباط متوفر على إفاضة دوالية مفترضة = أصوات داخلية في دال = مصدرية استشهادية = حيز قراءة متعدية ) .
في أقانيم الكلام الحار
و العرق الجليل
وجملة هذه الأبعاد المضمرة في هذه المقطعية تذهب نحو شكل إيحاءات غير منطوقة القصد و الإفصاح و الدلالة . إلا من حدود مداها المتواجد في باقي أجزاء النص .
بجع تطاير عن يمين الجسر
فأنكسرت حبيبات المطر
قطعا
و نطت سلحفاة
كومت سرا
على ضلع سحيق
فأستجاب الداخلون
وهم أنا
سكر الحضور
وهم أنا
ضحك الجميع
وهم هم
و يقودنا هذا الجزء من النص المضمر الى حالة استيلاد وإرجاع أختلافية في القول المركزي ، بيد أن القارىء يعاين سخونة جوهر المشفر القولي وهو يمضي في إدغامات المنتج الضمائري الواصف ، و يتجلى ذلك واضحا في جملة القفل المراوغة في المؤسطر الدلالي ( بجع تناثر ) في مقابل علامة الجملة الأولى من النص ( بجع تناثر ) وهو نداء مضمر لصورة أنجازية الجملة التابعة في أولية التضاد الدلالي الواصف ( في مهب قميصها ) في مقابل جملة اللاحق و التقابل ( عن يمين الجسر ) بالإضافة الى حساسية الانموذج القابع أو الساكن في مستوى الصيغة المنطوقة ( ضوء أبيض) في مقابل ( حبيبات المطر ) أن اللغة الأضمارية و المنطوقية في جمل عضوية القصيدة ، تفسح لذاتها ثمة مرجعيات سريالية خاطفة من التحليق الأزدواجي عبر فضاءات من التشكيلية المشتبكة في القصد و المعاينة ، بوصفها موضعيات
مضمرة و منطوقة تعيد مجال أنجازها في هيئة الإحالة و الإبدال و الأنتقال من طرف مضمر الى طرف منطوق .
و نطت سلحفاة
كومت سرا
على ضلع سحيق
يتجلى الصوت المضمر في مجال هذه الجمل الشعرية على نحو من رؤية مجال الوصفي المؤسطر في كل الأرجاء و المساحات : ( و نطت سلحفاة = أيقونة بؤرة / كومت سرا = علامة سرانية في أعماق حبكة المضمر / على ضلع سحيق = استئناف حكائي منطوق / فأستجاب الداخلون = مؤشر مقصدي يشغل مساحة الرؤية الى مساحة الأجراء التوصيفي / وهم أنا = الذات المخالفة عبر صوت تبدلات لغة و موقع الأنا الحاكية / سكر الحضور وهم أنا = قناع الطاقة التداخلية ما بين مزاحمة الموقع و بين الأختراق و الأستباحة إزاء حساسية دليل المضمر موضوعا ) .
( السردي المنطوق في كاميرا الراوي المضمر )
1ــ المبحث الأول :
ليس في مقدرة القراءة النقدية أن تقرر حكما قطعيا قبل الشروع في تحليل تمفصلات و خلفيات القصيدة . و السؤال المهم هو : هل أن الشاشة السردية المنطوقة في مقولات
المشفر الضمني تعكس مشاهدات الراوي الشعري المضمر في مرآيا و سيناريو فرضية الخطاب الشعري :
و حينما أضرت الأشواق في هيكله ( قصيدة مقتطف من
طوق الهدهد )
و أوجس الهدهد
في جولته
أنباء صديقة عرش الشمس
نبى طائر من حبذه :
أمهل جناحي نهارا مفردا
وقال عفريت :
سآتيك بها وعرشها
من قبل أن يرتد طرفك الجليل .
لأول وهلة يبدو أن ( السرد المنطوقي ) يظهر على موقع الشاعر لا بغرض حضوره من مركزية المهيمن الذي يؤدي الى تشكيل شيء آخر في داخلنا . لكنه أضحى دالا يشغل دور الانتقال الحر بين صوت المتكلم و بين صوت الشاعر نفسه وصوت النقلية المرجعية .. أنه داخل الأشياء و خارجها .. يتراوح بين المضمر و المنطوق و بين القول و التلقي و بين ما هو لفظي مجهور و ما هو نصي مضمر .. إيقاعه خفي كضلع سلحفاة سحيق . أن الوعي بجدلية ثنائية ( المضمر / المنطوق ) يجعلنا في أقرب و أقصى نقطة من مساحة بوح النص في أنتاج الدلالة الشعرية . أن فعل ثنائية فكرة المضمر و المنطوق تبدو في مساحة خطاب النص ، عبارة عن التفكير في شيء واضح و غير واضح .. ولا يعني فهم هذا الشيء و
إدراك أبعاده الى الحد الذي يؤدي الى مجال مؤشرات فهم القصيدة بشكل كامل .
( تعليق القراءة )
كما قلنا مرارا في مباحث مقالنا هذا أن وجه قيم المضمر و المنطوق في زمنيه و بعديه يشكل جذرا عميقا يتغلغل في سماء الشفيرات التنصيصية ، فيما يشدها نحو اللامركز لتتجمع في شبكة هامشية من العلاقات الاحتوائية التي تخاطب بدورها قرار القصيدة في كافة أسرارها . أن عالم نصوص عبد الرزاق الربيعي عبارة عن منظومة مضمرات و منطوقات كيفية تسعى لذاتها و في ذاتها الى القول مجازا أو حقيقة أو رمزا أو إيحاء ، ولكن يبقى جذر المعنى يغني الأثر الشعري لدى الشاعر لأبعاد جمالية فائقة من المشاعر و الخيالات و المرجعيات الباعثة على حيوية صورة الأنطلاق في مدى بنية أساليب المضمر في قوله و مادته و اسلوبه و بنياته الإدائية الحاذقة في خطة قيمها الذاتية و التركيبية .
هنالك
حيث أتيت
شموس تتناسل
في دوحتها
الأزهار الشوكية
ضفر أكليل الحشد
ولمع أطراف سماء المعمورة
عندئذ
ستغني
بأسم بلادك
شمس الأسطورة
أن من يقرأ هذه القصيدة للشاعر الربيعي لربما يشعر بأن هناك زمن مفقود ، كما و هناك حالة أرتداد و أختفاء تدريجي لذبذبات زمن خاطرة الأفق و المدار و المحور في موضوعة النص . و لكن ضمور جريان الأشياء يتواصل نحو حدوثه الأسلوبي مشكلا فضاء أيقونة الدوال اللقطاتية البطيئة وصولا الى زمن الخطاب مع زمن الأصل من مساحة مقدمات البحث عن هوية المنطوق المفقود في رحم ذهنية المضمر التخييلي المؤشر في لحظات الأضمارية الكيفية المجردة في صناعة القصيدة .