17 نوفمبر، 2024 11:29 م
Search
Close this search box.

المضاربات عالية الوتيرة

المضاربات عالية الوتيرة

الشرق الاوسط كان و سيظل محور العالم و لو اعتقدت الغالبية من بشر المعمورة خطأا ان مركز الارض يقع في امريكا، آسيا او اوربا.
ولو راجعت ما جرى طيلة الـ 70 سنة الاخيرة لوجدت ان الشرق الاوسط يتقدم على باقي الجغرافيات في تصدر عناوين الاحداث، تخليق الثروة، انتاج الطاقة، مقصد الجيوش، بؤرة الحروب، انشطة الاسواق، قمم الاستهلاك، قصصه في التأريخ الطلسمي المليئ بالاثارة و السحر و المخفيات، كما وظيفته كـ انبوبة اختبارات للبحوث على البشر و هم لازالوا احياء – بلا منازع.

بلا شرق اوسط مضطرب، مليئ بالخيرات، يقع جغرافيا في مركز خارطة العالم بالضبط، يغدو العالم باهتا، خابيا، خمولا، عاطلا عن العمل، بلا وظيفة، بلا مادة، و بالكاد يستطيع التنفس.

و ما يزيد الشرق الاوسط ثقلا ان تحل في السنين العشر الاخيرة الحواسيب فائقة السرعة محل البشر في اتخاذ قرار الاستثمار في شراء هذه الاسهم او بيع غيرها في امريكا و اوربا و شرق آسيا.

السرعة التي يتمم حاسوب للمضاربات اتخاذ القرار اثناءها هي اجزاء من الالف من الثانية يقيم خلالها سيلا لا يتوقف من ملايين المعطيات التي تغذى فيه عن ديناميكيات السوق بدون استثناء، الى اصغر دقيقة في حياة الشعوب، حركة الاقتصاد، ألاعلام، و ربما حتى دخول المواطن الحمام لقضاء حاجة.

المضاربات عالية الوتيرة، هي ما يطلق على هذه الطاقة الجبارة في الحوسبة و المواصلات حيث تتحرك جبال المال بين البنوك و الارصدة كل ثانية، يربح من يربح و يخسر من يخسر، تضيع ثروات الشعوب في لحظات و تصعد حظوظ اللصوص و الطغاة الى السماء.

هكذا منظومة مكائن اخطبوطية، ليس للرحمة او الطبيعة الانسانية فيها مكان، تم برمجتها واعية و شرهة للتغير لتؤدي واجبها – التغيير في الاسواق، السياسة، المواصلات، المناخ نزولا الى حركة الناس في الشوارع – و هذا ما صممت هذه الاجهزة لإجله بالأساس، و إلا ما الجدوى من سرعات في اتخاذ القرار اعلى من اجزاء الثانية و المسرح العالمي لا تتغير فيه مجريات الامور إلا في اليوم مرة؟

لإدامة المضاربات عالية الوتيرة في نيويورك و لندن، شنغهاي و برلين و غيرها، لابد ان يترك الشرق الاوسط فريسة لدوامات عاصفة مستمرة سريعة الوتيرة تقطعه و تشرذمه اوصالا بما يترك الحواسيب تعمل بسرعتها التصميمية الفائقة لتخليق الثروة و المال، وإلا انتفت ربحيتها و لا فائدة ما تعود من تنصيبها، لا بل و حتى تحمل كلف الكهرباء التي تدورها.

جاءت داعش، ذهبت النصرة، قصفت روسيا، ردت تركيا، دخلت السعودية، خرجت فرنسا، قال المعلم، فند الجبير، سافر لافروف، عاد كيري، ظهر الـ تاو، اختفت الميغ، قتل 100 مدني، سبيت مدينة، غادرت باخرة نفط، استنفذت طاقة تخزين المحروقات، انقطعت الكهرباء، ابرم عقد بملاري دولار، غادرت 101 المجوقلة، عادت 101 المجوقلة، هاجمت ميليشيا ميليشيا اخرى، دفعت الدول المانحة مليار دولار، درب 1000 شرطي على القتال، قتل 2000 جندي بنيرات صديقة، نزح مليون، ولد عشرة آلاف مشوهين، و هكذا في مارثون لا تتوقف فيه الاحداث المتضاربة ابدا…

اهلا و سهلا بك في الشرق الاوسط الجديد ذو التغييرات عالية الوتيرة التي ستضارع سرعة الاحداث فيه و تذبذب احواله سرعة جريان الالكترون باسلاك نحاس الحواسيب، من سيئ الى أسوأ.

ايقاع الاحداث في الشرق الاوسط، من تصدير النفط الى اشتعال المعارك، من ابادة السكان الى خراب المدن سينتهي اسرع من اي حاسوب مضاربات في وول ستريت، يراهن على اتجهاهاتها لاعبو قمار مستقبل الامم و مصائر الشعوب، بينما سكان الشرق الاوسط يتركون مضرجين بالدماء في مذابح جديدة، مرة اخرى، و اخرى و اخرى.

[email protected]

أحدث المقالات