23 ديسمبر، 2024 1:20 م

المصلحة العليا والمجال الحيوي

المصلحة العليا والمجال الحيوي

عنما كان النبي محمد (ص) يحفر الخندق مع المسلمين ضرب حجرا بفأسه ثلاث مرات وفي كل مرة كانت تنطلق شرارة فيبتسم راضيا فسؤل ما الذي دعاه للابتسام مع كل شرارة فأجاب : – واعتذر عن دقة تسلسل الشرارات- في الاولى اراني الله ايوان كسرى وفي الثانية قصور الروم وفي الثالثة قصور اليمن …. الامبراطوريات الثلاثة العظمى في ذلك الوقت ..وقت ما كان جيش المسلمين في معركة احد 70 مقاتلا وحصان واحد ، وكانت معنويات المقاتلين في الخندق متدنية حيث يقول الطبري ان احدهم كان يخاف ان يذهب لقضاء حاجته بسبب ظروف معقدة جدا لا مجال لذكرها .. بل ان النبي (ص) سأل من كان معه : من يذهب الى تلك التلة ليرى ما ورائها ويرافقني في الجنة فلم يجب احد . .. في هذا الضرف المزعج كان هدفه قهر امبراطوريات ثلاث ونشر الاسلام فيها … وهذا ما حصل

نفس الاستراتيجي العظيم الذي حلم بالإمبراطوريات الثلاث هو من وقع صلح الحديبية المذل يوم قال عند كتابة العقد هذا كتاب بين محمد رسول الله فأجابه ممثل الكفار لو كنت نبيا لصدقتك وكنت معك اكتب محمد بن عبدالله فهاج الصحابة ورفعوا سيوفهم ورفض الامام علي (كاتب العقد) ان يكتبها فقال له النبي (ص) اكتبها يا علي … لقد كان اكثر العقود ذلا في التأريخ الا ان المؤرخين يجمعون على انه كان المقدمة الحقيقية لفتح مكة ونشر الاسلام … هكذا تبنى الستراتيجيات والتي اول اسسها ان تكون متناغمة مع البيئة الستراتيجية ، وقوات الطرفين

وفي برنامج مداولات على قناة الحدث في العام 2010 تحدثت عن الفكر القومي فقلت ان المشاعر القومية هي ((حب قبل كل شيء)) وهي مشاعر وهي بنفس الوقت مصلحة عليا لكل الاقوام والامم ومنها الأمة العربية ، فسألني : اليس في ذلك تناقض فأنت تعدها حبا وعاطفة وتعدها في الوقت نفسه مصلحة عليا .. فأجبته لا يوجد اكثر عاطفية وصفاء من صورة رضيع يرضع ثدي امه ولكنها ايضا مصلحة حيث ان مصلحة الرضيع واضحة ، وهو يقدم لها مصلحة كونه امتدادا لها فكأنما هي تقدم الغذاء لنفسها وألا لأرضعت ابن الجيران .

رغم كل هذه الحقائق والبديهيات فأن هناك من يجد نفسه اكتشف نظرية جديدة عندما يقول لك ((عمي يا سياسة كلها مصالح وكل دولة تريد مصلحتها)) وكأنهم يعتقدون ان هناك دولة تريد مصلحة دولة اخرى .. او أن اثنان تعاونا لتأسيس شركة وكل منهما يريد مصلحة الآخر او ان هناك مرشحا للانتخابات اراد في اية دولة الفوز لأجل الوطن او تحالف مع الكتلة س او ص لأجل الشعب ، او ان تركيا تحب سنة العراق او ان ايران تحب شيعة العراق

لا تشتموني رجاء كي لا يضيع أجر صيامكم فحتى صيامكم فيه مصلحة ..تريدون حور العين ، وتريدون من الله مقابل العبادة ان يرحمكم ويوفقكم ويقيكم عذاب النار ، ولو قيل لكم لا توجد جنة ونار لما صام الكثيرون ، ولا تقولون لي ان الفتوحات في زمن الدولة الاموية والعباسية هي لنشر الاسلام فقط بل فيها ما يعود ل (نظرية المجال الحيوي) ، وكذلك لا تخبروني ان خالد ابن الوليد قتل مالك بن نويرة لأجل هدف سا م ، والكثيرون محتارون لماذا اقاله الخليفة عمر بن الخطاب (رض) في اول خلافته .

عندما يرحل الانبياء الى جوار ربهم يبقى الخلفاء والحواريون والعترة والكتب السماوية وعندما يرحلون تعود المصلحة لتحكم السياسة .

تتلاقى المصالح تحصل التحالفات .. تتقاطع المصالح تحصل الصراعات ..الدولة ضعيفة تكمن داخل حدودها وتكون مصلحتها العليا في السلام والمحبة وسياسة عدم التدخل في شؤون الآخرين ، وكلما تقوت الدولة وفاض كأسها بالماء اندلق الماء على جيرانها وظهر لها حق مغتصب هنا وحق مغتصب هناك .. هذا يريد توحيد العالم الاسلامي وذاك يريد نشر الديمقراطية حتى وصل ان تكون (حقوق الانسان) مصلحة عليا للولايات المتحدة الامريكية ولعلها اثبتت ذلك في سجن ابوغريب .

كنت اسأل طلبتي الاحبة : من الذي يحدد المصالح للدولة ويحدد مجالها الحيوي ، وهل هي نفس مصالح شعب تلك الدولة ؟؟ كلا بالتأكيد فمصلحة النمسا لم يقررها الشعب بل آل هبسبورغ ، ومصلحة فرنسا وضعها آل بوربون وليس الشعب الفرنسي وهكذا ، بل ان المصالح الامريكية العليا تضعها الشركات الامريكية العابرة وما واجب الحكومة الامريكية الا ادارة مصالح تلك الشركات وتأمين المواد الاولية والاسواق لها ولذلك فهي الحكومة الوحيدة التي سميت (الادارة الامريكية) وكذلك العراق فهو الدولة الوحيدة التي سميت سياسته (عملية سياسية) ، ولذلك نسأل هل ان من مصلحة الشعوب ان تتوسع دولها أم انها تريد ان تعيش بأمن وأمان وكرامة مع لقمة عيش هانئة ، فعندما يقول سياسي لشعبه نحن نسيطر على/ او/ لدينا نفوذ في المنطقة الفلانية فما الذي يعنيه ذلك له كمواطن؟؟ وهو يدري ان كل ذلك يتحقق من دخله الخاص ومن رزق اطفاله وتعليمهم ، فأهل النعمانية في الكوت قل لهم سأوفر لكم الاسمدة وسأبني خمسة مدارس وأخفض الضرائب وسيتم تعيين الف درجة والمواطن قيمة عليا وهكذا، ولا تقل لهم اريد ان احتل قضاء الحي في الكوت نفسها واضمها الى النعمانية او ان لدينا نفوذ في الناصرية .

المواطن الامريكي يعي ان دولته كلما توسعت ازدادت رفاهيته وثبت امنه ولا بأس بعدة الاف من القتلى وبرجي تجارة تسقط في حروبهم التوسعية ال(120) حربا ، ولكن ان تحارب وتتوسع او تتحالف وتدعم وشعبك يزداد فقرا والفقر كفر ولذلك قال الامام علي (ع) عنه لو كان رجلا لقاتلته وليس لقتلته كخطأ شائع ، فهذا ما لا يقبله حتى القابعين في مشافي المجانين .