23 ديسمبر، 2024 12:28 م

المصطلح الجديد لكلمة “سياسة” عند السياسيين العراقيين

المصطلح الجديد لكلمة “سياسة” عند السياسيين العراقيين

في بداية طرح اي موضوع ياخذ عنوانا مثل هذا لابد من الارتكاز على مجموعة تعريفات تخص العنوان الرئيسي حتى يمكن توضيح المراد او الوصول للغرض من طرح هكذا موضوع.
الجميع قد حفظ ان ” السياسة فن الممكن” وتكاد تكون هذه هي الجملة الوحيدة التي تتردد على الالسن ويعود سببها ربما لكونها من اسهل مايمكن ان تحتاجه الشعوب لفهم معنى “السياسة” فصارت شائعة اكثر من غيرها,او ربما اختفت التعاريف الاخرى التي لايريدها الساسة بان تظهر, حتى اننا نسينا ان نرجعها للغة العرب ومعرفتها لغويا ,وبقيت هذه “فن الممكن” هي المسيطرة على اذهاننا, ومن هنا صار علينا ان نعرف ونستقرء الاراء لغة واصطلاحا ثم نصل الى مرادنا.
لقد عرف العرب السياسة لغة كما جاء في المحكم والمحيط الاعظم في اللغة 8354 السياسة مصدر على فِعالة، كما أشار ابن سِيده، قال: وساس الأمر سِياسة ,  وقبله الصاحب بن عبَّاد: والسياسة فعل السائس، والوالي يسوس رعيته، وسُوِّس فلانٌ أمر بني فلان؛ أي: كُلِّف سياستهم ,المصدر نفسه.
واما تعريف السياسة اصطلاحا تعني رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وتعرف إجرائيا حسب هارولد لاسويل بأنها دراسة السلطة التي تحدد من يحصل على ماذا(المصادر المحدودة) متى وكيف. أي دراسة تقسيم الموارد في المجتمع عن طريق السلطة (ديفيد إيستون). وعرفها الشيوعيون بانها دراسة العلاقات بين الطبقات، وعرف الواقعيون السياسة بأنها فن الممكن أي دراسة وتغيير الواقع السياسي موضوعيا وليس الخطأ الشائع وهو أن فن الممكن هو الخضوع للواقع السياسي وعدم تغييره بناء على حسابات القوة والمصلحة.”الموسوعة الحرة”.
بعد ان استعرضنا على عجالة التعريفين لغة واصطلاحا يتبادر الينا عدة امور, وينبغي التوقف عليها على وجه السرعة ,ونترك القارئ الكريم ليتدبر بالمعاني ويرى تطبيقاتها على ارض الواقع , فمن ناحية اللغة نفهم ان الامر لايعدو كون الانسان ماهو الا حيوان يسيسه سيده اي يروضه على فعل ما, وهذا ما هو واضح من اشتقاق الكلمة “ساس” كما في معجم المعاني “سَاسَ الدَّوَابَّ : اِهْتَمَّ بِتَرْبِيَتِهَا وَتَرْوِيضِهَا والاعْتِنَاءِ بِهَا” واذا وقفنا فقط عند هذا المعنى يكون لدينا سؤال مهم جدا وهو من الذي يحدد ان ترويض زيد او عمر من السياسيين جمع سياسي :سائس هو الاكفأ والاصلح لان يقوم بالاعتناء والتربية ؟ناهيك عن المعنى الاخطر الذي يخص كلمة ترويض ؟ والترويض مفردة تحتاج ايضا للوقوف عليها حيث يدخل في هذا الترويض عدة امور ,منها التسويف ومنها الاشاعة ومنها الظهور المتكرر من خلال اللقاءات والكلام المعسول وقد يقسمون احيانا, وتكميم الافواه بحجج شتى حتى يقتنع في النهاية ,ويرضى بمشروع هنا ومشروع هناك مع ضجة اعلامية كبيرة.الى ان يصبح الانسان قد رُوض على كل مايملى عليه ويكون خاضعا لما يريده الحاكم او السلطة باجمعها.
اما ماجاء في الاصطلاح بمعنى كلمة “سياسة” فنجد ان هناك عدة اراء قال عالم الاجتماع الامريكي هارولد لاسويل المتوفي عام 1978 انها تعني رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية,وتعرف اجرائيا بانها دراسة السلطة التي تحدد من يحصل على ماذا ومتى وكيف,وتقسيم الموارد في المجتمع عن طريق السلطة!!فنجد ان هذا التعريف قد اُريد له ان يختفي, ويتم التركيز على ماجاء بان “السياسة فن الممكن” , لان هذا التعريف للسياسة لايوجد فيه اي اشارة الى تقسيم الموارد, والسبب في اختيار هذا التعريف انه تُرك تعريفا مطاطيا بل مربكا للمواطن,ومن خلال  جميع التعريفات اللغوية او الاصطلاحية والقبول بها جميعا وتطبيقها على الواقع السياسي العراقي سنقبل باي تعريف, لكن المشكلة لايوجد في السياسة العراقية اي التقاء مع هذه التعريفات , وحتى نستوعب من اين جاء سياسيوا العراق بهذا النوع من السياسة التي ينتهجونها ماعلينا الا تطبيقها على ارض الواقع , فان قلنا من المعنى اللغوي وماجاء به العرب القدماء بانها تربي المجتمع وتروضه وترعاه فهذا مالم نجد له اثرا حيث ان السياسيين العراقيين عجزوا عن رعاية المجتمع العراقي, والاهتمام به, وكانت نتيجة هذا انه اصبح بالعكس جامحا لايمكن ترويضه بسبب الاساليب المتبعة من اجل الترويض “مع تحفظنا على هذه الكلمة” ولكن كتسليم منا لما عرفه العرب التي عبرت عن فشلها وهذا مانراه من حالة الاحتقان الموجودة الان وهي قابلة للانفجار في اي وقت.
وان قلنا بانهم يتبعون التعريف الاصطلاحي للسياسة ,فهذا ايضا قد فشلوا به وان مايصوره الاعلام العراقي من ان الحكومة العراقية  من منجزاتها كذا وكذا, فهذا لهو من المضحكات حقا, ولناخذ مثالا. الانفتاح على دول الجوار والزيارات المتكررة لهذه الدول ومن اعلى المستويات ماهي نتائجه؟ لايوجد شيئ يمكن ان نسميه انجازا ,الا اللهم نوع من انواع الترفيه لهم من خلال رحلات الطيران وتجربة انواع من الاكل ,وعقد صفقات خاصة, ومايجري وراء الكواليس من بيع للعراق وتقديمه لقمة سهلة من خلال املاءات تلك الدول في سبيل فتح سفارة في العراق لا اكثر ولا اقل,هذا على مستوى العلاقات الخارجية اما على مستوى الداخل فقد اجمع العراقيون ومن خلال المتابعات ان الدولة غير قادرة على استيعاب المواطن وتلبية رغباته التي لاتخرج عن القانون ,وبما هو منصوص عليه في الدستور,واصبحت لاتبالي به وبمطالبه المشروعة.                                                                                 
سنسلم لكون السياسة هي “فن الممكن”, ونسال هل الاتفاق على ان كل من اجرم بحق العراق وكان ارهابيا ومدان بكل الوثائق لايمكن عقابه مع انه قد حكم عليه بالاعدام؟! لان الطائفة الفلانية يزعجها هذا او لاترغب به!!الا يعتبر هذا تجاوزا على الدستور والقانون وضرب كلمة القضاء بعرض الحائط؟! او عندما تقوم الدولة حسب التعاريف السابقة من تقسيم ثروات الدولة في المجتمع بمنحها لقومية واحدة فقط ونسيان او ترك فتات هذه الثروات لمناطق اخرى ؟!مع ان هذه المناطق تعطي من حصتها الى من يتحكم مثلا بثروات شمال العراق,هل يمكن ان نسمي هذه الامثلة سياسة , او هل من الصعوبة ان تجعلها الحكومة من الممكنات حسب التعريف وتعطي كل ذي حق حقه؟!
الذي يتبين لنا بان حكومتنا الى الان لاتعرف اي نوع من السياسة تنتهجه .لا هي تتبع المعنى اللغوي, ولا هي تتبع المعنى الاصطلاحي, وخلاصة تعريف السياسة عند السياسيين العراقيين, هي بتعريفهم الجديد وتعني” مصلحتي انا فوق الجميع” ,وتوقفوا عليها وضربوا بعرض الحائط كل ماهو معروف في عالم السياسة من ارضاء للمواطنين ,وانهم امناء على الثروة, والابتعاد عن المحاصصة ,واختيار الاكفأ, واختيار الزمان والمكان لاظهار قوة ,وهيبة الدولة التي بدأت تتدانى شيئا فشيئا ,وخير دليل ماكان واضحا من خلال  زياراتهم وبدرجة رئيس جمهورية العراق , فيقوم باستقباله موظف بسيط في تلك الدولة مع ان تلك الدولة لامكان لها في الاعراب سوى دعم الارهاب كما حصل مع قطر حيث قال عنها وزير خارجية روسيا مهددا وزير خارجيتها “ان لم تكفوا عن دعم الارهاب والتدخل في شؤون سوريا سنمحوكم من الخريطة واعرفوا حجمكم” فيبادر السياسيون العراقيون ويعطوها حجما اكبر من حجمها ونسيميها سياسة!!!, ستبقى السياسة العراقية بعيدة عن كل التعريفات وكونت لها نظريتها وتعريفها الخاص  “كل مايدخل بحسابي المصرفي قابل للزيادة متى ماعرضتم صفقة جديدة” وليذهب الانسان العراقي للجحيم هكذا هي الحال.