بالعادة تشهد الدول التي تمر بمرحلة من الصراعات العنيفة نوع من المصالحة ما بين الجماعات التي شاركت في تلك الصراعات، وبغض النظر عن الرأي في بعض تلك الجماعات وفظاعة الاعمال التي قامت بها، لكن لا بديل عن المصالحة لغرض تسهيل عملية العيش المشترك المحكوم بها الجميع خاصة ان اغلب الصراعات، ولأسباب متعددة، تنتهي بالصيغة المعروفة التي كان يرددها دائماً رئيس وزراء لبنان الاسبق صائب سلام “لا غالب ولا مغلوب”، وهذا ما حصل، أي عملية المصالحة، في حوالي (40) بلداً حول العالم بعد تشكيل لجنة معنية بها وابرزها في جمهورية جنوب افريقيا حيث تم تشكيل لجنة الحقيقة والمصالحة برئاسة الحاصل على جائزة نوبل للسلام القس دزموند توتو بعد نهاية نظام الفصل العنصري وانتخاب نلسون مانديلا رئيساً للجمهورية في عام 1994
نجحت تلك الحالات الـ (40) بشكل نسبي في تحقيق مصالحة جنبت بلدانها استمرار عملية الصراع ولبناء مستقبل افضل لأبنائها والحد من الخسائر البشرية، وهي الاهم، وكذلك المادية، لكن الحالة العراقية تختلف عن التجارب العالمية، فمع الاعتراف بوجود خصوصية في كل بلد، لكن الحالة العراقية لم تحقق النجاح المرجو منها، لماذا؟
يتميز المجتمع العراقي بسيادة قيم البداوة ومن ابرزها الثأروعدم التسامح، وتغذي هذه القيم على الدوام منظومة متكاملة من الحكم والامثال والعادات والتقاليد يتغلف بعضها ويتقوى بالمقدس الامر الذي يجعل من الصعوبة بمكان التخلص منها او تخفيفها على الاقل، والتأريخ خير شاهد على ذلك.
حاولت وزارة الدولة لشؤون المصالحة الوطنية وخليفتها لجنة المصالحة الوطنية تنظيم مجموعة من العمليات والانشطة لإتمام عملها لكن ما يميز تلك الاعمال طغيان الطابع الشكلي والاعلامي عليها الامر الذي ادى الى عدم تحقيق الغاية السامية التي تعمل من اجل تحقيقها، لان اللجنة ومن قبلها الوزارة لم تعمل على معالجة جذور المشكلة بل لامستها عن بعد، فلحد الان لم نصل، كشعب، الى تحقيق الذاكرة المشتركة ما بين مكونات الشعب العراقي ولم نتفق على كتابة تأريخ ما حدث في زمن النظام السابق ولم نتفق على تعريفات مشتركة لأهم احداث تلك الفترة، فكما هو معروف ان توحيد الذاكرة من اهم متطلبات تحقيق المصالحة، لكن العراقي لا يستطيع ان يتفق على ذلك التوحيد كونه، كشخص بدوي، لم يأخذ ثأره لحد الان، خاصة انه لم تمضي السنين الاربعين اللازمة لسقوط ذلك الثأر!!!،
على ضوء ما تقدم اعتقدانمناهماسبابنجاحعمليةالمصالحة في أي بلد هي:
1. التسامح: ومن الواضح، وبعيداً عن الشعارات، ان الشخصية العراقية غير متسامحة وهذا نابع من المنظومة الفكرية التي تربى في ظلها الفرد العراقي والتي تنتقل بمرور الزمن من جيل الى آخر بواسطة اللاشعور الجمعي، ولابد لنجاح المصالحة من تغيير منظومةالاعرافوالتقاليدالعراقيةالشهيرةوالتياغلبها تحثُ على العنف وعدم التسامح.
2. الثأر: كما قلت سابقاً، ان العراقي كبدوي قح، لا ينسى ثأره ويسعى بكل الطرق للانتقام من عدوه ولو بعد مرور سنين طويلة، ولهذا لا استطيع ان اتخيل ان احد مجرمي النظام البائد يقف امام ضحيته، في جلسة علنية، ويعترف له بما قام به اثناء تعذيبه وهما (الجلاد والضحية) يبكيان معاً وبالنهاية يسامح الضحية جلاده، (هذا ما حصل في جنوب افريقيا بالضبط) فهل من الممكن ان يحدث في العراق؟
3. القائدالقدوة: كانمنابرزماساهمفينجاحعمليةالمصالحةفيجنوبافريقياهووجودشخصيتمتعبصفاتاستثنائيةاسمهنيلسونمانديلا، ورغم كثرة القيادات العراقية، لكن نفتقر الى القائد الذي يجمع مختلف اطياف الشعب العراقي حوله ويقودهم نحو بناء المستقبل ويخلصهم من العيش في الماضي المؤلم الذي يصر البعض على البقاء في اجواءه بطرق مختلفة، بوجود مثل هذا القائد ستنجح المصالحة اكيداً، والسؤال هو: هل يوجد مانديلا عراقي؟