23 ديسمبر، 2024 4:41 ص

المصالحة الوطنية هي خارطة طريق لا اصلاح ما افسده النهج الخاطى للعملية السياسية

المصالحة الوطنية هي خارطة طريق لا اصلاح ما افسده النهج الخاطى للعملية السياسية

عُدت المصالحة الوطنية في البلدان التي مرت أما بحروب أهلية او الانتقال من حكم الاستبداد الى الديمقراطية ،هدف اساسي لبناء هذه الدول وتقدمها وازدهارها. ولكل دولة تجربتها الخاصة في موضوع المصالحة الوطنية, كما انها تعتبر نتيجة حتمية تمر بها عادة الدول التي تعاني من خلافات جذرية أو صراعات داخلية‏,‏ وهي تعد من أهم مفردات أي تسوية سياسية و التي تنشأ على أساسها علاقة قائمة علي التسامح والعدل بين الأطراف السياسية والمجتمعية بهدف طي صفحة الماضي وتحقيق التعايش السلمي بين أطياف المجتمع كافة, وقد أثبتت التجارب في العديد من الدول أنه لا يمكن بلوغ المصالحة إلا بعد وقف العنف, وإقرار العدالة, فلا سلم بدون عدالة, وهناك بعض الدول التي ركنت في المراحل الانتقالية الى آلية المصالحة لتحقيق السلم الاجتماعي, ولعل تجربة جنوب إفريقيا توفر أفضل الممارسات في هذا الشأن. وكذلك ما حدث في الجزائر بإصدار الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية والذي تمت المصادقة عليه في استفتاء شعبي عام2005, وماحدث في ماليزيا هذا البلد المتعدد الديانات والاجناس والقوميات, وغيرها من بلدان العالم المختلفة .     

ومن هنا كان على القوئ السياسية العراقية و منذ بداية التغيير اتخاذ المصالحة الوطنية نهجاً للتجانس والتوحد ومنع الانقسام الاثني أو الطائفي، ولكن إرادة المصالحة لاتقع على طرف واحد بل لابد من توفر ارادة حقيقية لكل الأطراف,  حيث عان الشعب العراقي من الانقسامات المذهبية والطائفية وخصوصا في المرحلة التي تلت سقوط بغداد وما بعدها ، حين حاول البعض قاصدين العبث وتخريب الروح العراقية والثقافة العراقية من خلال الضرب على وتر الطائفية والقومية , وكذلك لايخفى ماقام به الإعلام المعادي في تحريك النزعات العدوانية لدى البعض من اجل تأخير عجلة الإنتقال نحو الديمقراطية ودولة القانون والدولة المدنية الناجزة ، والمصالحة كمشروع طويل الأمد تعني انجاز توافق وطني  بين مختلف مكونات المجتمع ، وبالتالي فأن المصالحة ليس تعبير عن مرحلة معينة بذاتها وإنما إطار عام واستراتيجي وهي بالتأكيد تحتاج إلى توافق وطني يستهدف تقريب وجهات النظر المختلفة ، وسد الفجوات بين الأطراف المتخاصمة أو المتحاربة . فالمصالحة أذن درجةٌ ساميةٌ في درجات النضج السياسي للدولة وكذلك تشير إلى الوعي السائد بين أفرادها.   

وعليه فان المصالحة الوطنية الحقيقية التي نريدها ، لا تعني أن يتساوى فيها الضحية والجلاد ، لأنها في النهاية مصالحة مع الذات أولا ومع الشركاء الذين لا بد لهم من الإيمان بأن القتلة والمجرمين خارج نطاق المصالحة والتسامح . ولذا فأن المصالحة لا تعني نسيان الآلاف من الشهداء والمعتقلين والمجازر البشرية في الأنفال وحلبجة والمقابر الجماعية وسياسة الظلم الممنهج للإنسان العراقي والاضطهاد التي عاشها العراقيين ماقبل 2003 , التي يجب ان يقول القضاء كلمة الفصل في ذلك والابتعاد عن سياسية الاجتثاث المسيسة بحق الكثير من الابرياء اللذين لم يرتكبوا جرما او اساءة ,كما لا يمكن أن نتصالح مع التنظيمات الارهابية بمختلف مسمياتها من القاعدة وداعش والخارجين على القانون الذين سفكوا الدم العراقي واقاموا مجازر بشعة ترتقي الى جرائم الابادة الجماعية بحق ابناء الشعب .
     ومن هنا اختلطت الامور حيث كثرت مشاريع المصالحة الوهمية بسبب عدم وجود استراتيجية حقيقة وايمان حقيقي بهذا المشروع , ولم يتم التعريف الحقيقي للمصالحة ، ومع من تكون ، ولصالح من ، والكثير من مشاريع المصالحات كان حبر على ورق ولم نرى الآليات والبرامج الواقعية للتطبيق والتي يمكن لها أن تحوله من مجرد شعارات وخطابات سياسية وعزائم و ولائم إلى واقع عملي ومدروس يرتقي إلى ثقافة التسامح بين المكونات وحتى الأحزاب والتيارات السياسية المتنازعة والمتخاصمة على السلطة.     

ولابد الاشادة بالامين العام لحزب الوفاق الوطني العراقي الدكتور اياد علاوي الذي امتلك الرؤية الصحيحة لتبني مشروع المصالحة الوطنية , حتى قبل الاحتلال في ايام المعارضة والذي كان ينادي بفتح صفحة التسامح والتعايش السلمي وعدم الثار ممن لم يجرم بحق العراقيين ومعاقبة القتلة والمجرمين وفق القانون, وكان يؤكد دوما ان ان المصالحة الوطنية لا تتحقق بالمؤتمرات الوهمية, وانما بإجراءات فعالة تتمثل بإلغاء المحاصصة الطائفية السياسية والتهميش والاقصاء ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب باتجاه تحقيق المواطنة, فالكل متساوون في الحقوق والواجبات ولا تميز لطائفة على اخرى, كما ان المصالحة تتطلب عدة اجراءات اهمها تجميد او الغاء بعض القوانين التي اضرت بالشعب العراقي وبناء الثقة بين مكونات هذا الشعب, وعلى هذا الاساس وافق على تسنم منصب نائب رئيس الجمهورية واستلامه هذا الملف الحساس , ولكن الاطراف السياسية الاخرى لم تكن لها جدية وانجاح هذا الملف والذي هو اساس الاستقرار بالعراق, وتنصلهم عن وثيقة الاتفاق السياسي التي كانت اهم بنودها هي المصالحة الوطنية , ما دفع بالدكتور اياد علاوي لتقديم استقالته من المنصب حتى قبل التصويت  من قبل البرلمان على حزمة الاصلاحات الاولى والتي تضمنت قرارا غير دستوري باعفاء نواب الرئيس, واستشعر السياسيون بخطر مرحلة مابعد التحرير من قوى الارهاب وبعد الانتصارات العسكرية المتحققة وجد هؤولاء ان النصر العسكري غير كافي وهذا ما كان يؤكد علية الدكتور اياد علاوي من ان التأخر في انجاز ملف المصالحة يطيل أمد الحرب مع الإرهاب، و ان النصر العسكري على تنظيم داعش الإرهابي وأعداء العملية السياسية مرتبط بتحقيق تقدم سياسي في الميدان للخروج من نفق الطائفية السياسية وتحقيق المصالحة الناجزة والشاملة, وبعد ان اقرت المحكمة الاتحادية بعدم دستورية اقالة نواب الرئيس, و توسمت الاطراف السياسية والجماهير الشعبية بان يستلم  الدكتور اياد علاوي ملف المصالحة مرة ثانية بعد اخذ الضمانات الكافية من الحكومة والبرلمان بانجاح هذا الملف والخروج بالعراق الى بر الامان والاستقرار, والكل يجزم على ان الدكتور علاوي قادر على النجاح ولديه المقبولية من كل مكونات الشعب العراقي والطبقة السياسية والمجتمع الدولي.