20 مايو، 2024 1:10 ص
Search
Close this search box.

المصارحة …. والمصالحة

Facebook
Twitter
LinkedIn

تعمر الأوطان والمجتمعات بل حتى البيوت بالرجوع الى الثوابت التي تسيّر شؤون العائلة اليومية عند حصول اختلاف في وجهات النظر حول أمر ما, والاختلاف  في وجهات النظر حالة طبيعية جدا” تحصل بين الأفراد والجماعات وربما بين اقرب الأشخاص الى بعضهم البعض ولكن بحكمة أحدهم او بتدخل الوسطاء النزيهين لن تصل اي مشكلة الى طريق مسدود.
ان المصالحة الوطنية هي الطريق الوحيد والصحيح لمعالجة الأخطاء التي ارتكبتها جماعات او أحزاب ,او ربما أفراد ضد جماعات او أحزاب أخرى في وقت ما او مكان ما وهذه الأخطاء المرتكبة يجب ان لاتعمم على جميع الأفراد والأحزاب لأنها ستثقل كاهل المجتمع أولا” ولكون معظم الذين تقع عليهم (الجزية) لم يكونوا شهود عيان لما جرى لهذه الأحزاب او الجماعات او الأفراد في أوقات او أماكن حصول الحوادث ثانيا”وكذلك تغير الكثير من الشخوص والمعالم للظروف المحيطة بحوادث  معينة أدت الى حصول توترات او حتى التقاطع بين أفراد المجتمع الواحد وهذه التقاطعات لها أسبابها والتي يمكن ان تتلخص في بعض من هذه العوامل:
1.التقاطع الأيديولوجي بين الأحزاب والتيارات الفكرية ومراجعها السياسية والعقائدية وربما ارتباطاتها بعموم المتغيرات العلمية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية على الصعيد الإقليمي او العالمي, وتبعا” لذلك تتحدد أيديولوجيات الأحزاب والشخصيات وربما تزداد عمقا” مع بعض الشخصيات التي تعاني من العقد القومية او الطائفية والعرقية والعنصرية.
2. التعصب المفرط لأطراف معينة ضمن الحزب الواحد او الكتلة الواحدة او الطائفة او العرق او القومية سواء لحزبه او لكتلته او لعرقه او طائفته وهذا سينسحب على الأطراف الأخرى ضمن المجموعة الواحدة ثم التأثير المباشر على المجموعات الأخرى المشاركة معه بالعمل او غيرهم من غير المشاركين وهذا سيؤدي الى نتائج غير طيبة ترهق كاهل المجتمع وأفراده.
  3.الثقافة العكسية التي تلقاها او يتلقاها بعض من فئات المجتمع عبر الفضائيات او المنابر او الأعلام المقروء وربما حتى المجالس الاجتماعية (كمجالس العزاء او المجالس الشخصية في البيوت ) او شحن أفكار الصغار بقصص معينة تبقى عالقة في الأذهان الى الكبر ثم تنقل هذه الأفكار الى الأجيال الأخرى وهكذا تتعاقب قصص معينة للأجيال عبر مئات السنين ان لم يحدث تثقيف وطني للخروج من هذه المعتقدات والثقافة العكسية المخطوءة.
4.مصالح الدول المرتبطة بهذا الحزب او التيار او بعض الشخصيات ضمن هذا الحزب او ذلك التيار ومدى تقاطع هذه المصلحة مع الأهداف العليا للمجتمع وانعكاسات هذا التقاطع على الأفراد والجماعات والأعراق والقوميات ضمن المجتمع الواحد.
5.مدى استعداد هذا الطرف اوذاك للاستفادة من دروس التأريخ في طي صفحة الماضي والانطلاق إلى معالجة آثارها ووضع الحلول الواقعية لها والنابعة من المصلحة الوطنية العليا في بناء الدولة العصرية التي تعمل ضمن المحيط الدولي وتأثيره المباشر على الأوضاع المحلية ففي التأريخ العربي ألإسلامي كان موقف الرسول العربي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم في فتح مكة من التسامح والصفح وطي صفحة الماضي والانطلاق إلى بناء الدولة ومشروعها الإنساني الحضاري وكذلك ماحدث في دولة جنوب إفريقيا والهند وغيرها من الدول التي تريد ان تحافظ على وحدة ترابها وتاريخها ومستقبل أبنائها.
ان المصارحة الوطنية قبل المصالحة والوقوف على الأخطاء التي حصلت في زمن مضى وعدم تحميل هذا الخطأ لفئة معينة في المجتمع وردم الهوة التي وضعها الإحتلال بالمعالجات الوطنية الحقيقية والنقد الذاتي والاعتراف بالأخطاء من قبل كل الأطراف والتفكير بمصلحة البلد كفيل بالخروج من كل الانتكاسات الأمنية والسياسية التي عطلت البناء والتقدم في المجتمع.
إن تحميل كل الذي جرى في العراق بعد الإحتلال الأمريكي على النظام السابق هي عملية مجافية للحقيقة,وهنا لست بصدد الدفاع عن النظام السابق ولكن ماجرى بعد دخول القوات العراقية للكويت في2آب1990 وما تلاها من إصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي التي تطالب العراق على الانسحاب من الكويت على ان تطبق القرارات بصورة متوازية وهذا يعني كلما التزم العراق بتطبيق القرارات الدولية كلما سارع مجلس الأمن برفع العقوبات عنه ,وبالرغم من التزام العراق بكل القرارات الدولية وتسليم لجان التفتيش كل الملفات العلمية التي تتعلق ببرامج التسليح ,ووصول المفتشين الى اي مكان يشكّون فيه حتى لو كان ذلك المكان يخص سيادة الدولة واعترف المفتشون بعد ذلك بعدم وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق ,ثم اعترفت الإدارة الأمريكية بعد ذلك بعدم وجود الأسلة (المزعومة) وكان هذا الاعتراف من أعلى القيادات في البيت الأبيض كوزير الخارجية كولن باول والرئيس جورج بوش الابن نفسه ومستشارة الأمن القومي الأمريكي كوندليزا رايس.
لقد اعترف النظام السابق بأخطائه ومن أعلى المستويات القيادية ,فمرة اعترف الرئيس الراحل صدام حسين بالأخطاء التي حدثت إبان فترة حكمه في المحكمة الجنائية التي شكلتها قوات الإحتلال الأمريكية , وأخرى اعترف بها السيد عزة إبراهيم نائب الرئيس في إحدى خطاباته واتي اعترف بخطأ القيادة الإستراتيجي بالدخول إلى الأراضي الكويتية وما رافق ذلك من قرارات جائرة أضيفت الى سلسلة القرارات الجائرة السابقة التي تكبل العراق وأبنائه ومستقبلهم ووجودهم,وعلى السياسيين أن يعوا الدرس وان يعملوا مصالحة حقيقية لاتستثني أحدا”خصوصا”أن كردستان العراق قد سبقت الحكومة العراقية بإجراء هذه المصالحة والتي يتوجب على الدولة أن تسبق الإقليم في مثل هذه الأمور الوطنية الحساسة.
في بداية الإحتلال الأمريكي للعراق بشّر القادمون على الدبابة الأمريكية أن العراق سينعم بثرواته وسيتم توزيع الواردات النفطية على أبنائه,وإن البطاقة التموينية التي كانت في زمن النظام السابق تحتوي على أكثر من عشرة مواد أساسية تخص العائلة العراقية ومن مناشيء جيدة ,واليوم تعاني البطاقة التموينية من تقليص مبرمج للوصول إلى إلغائها ربما بعد عام او عامين من الآن,وهذه البطاقة هي الزاد اليومي لعموم فقراء الشعب العراقي والتي تقول إحصائيات الدولة الرسمية أن أكثر من سبعة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر علما” ان الميزانية (إنفجارييييييييييية)جدا” كما يصفها ساسة العراق (الجديد).ودعونا نسأل الحكومة العراقية الحالية عندما كانت تمثل المعارضة في الداخل او الخارج:  
لماذا زودت المعارضة العراقية وكالة الاستخبارات الأمريكية بالمعلومات المضللة عن أسلحة الدمار الشامل ولماذا يتم تزويد الوكالة تحديدا” ولم يزودوها للمفتشين الدوليين؟ولماذا قام حزب المؤتمر الوطني العراقي بزعامة احمد ألجلبي وبمساعدة ميليشيات جلال الطالباني تحديدا”من شن هجمات على الجيش العراقي في شهري شباط وآذار عام 1995علما”ان الجيش العراقي كان متواجدا” خارج خط عرض 36وضمن المنطقة التي حددها مجلس الأمن الدولي بقراراته الجائرة؟ الم يشترك (الشركاء المتشاكسون) في العملية السياسية الحالية في مؤتمر لندن في شهر أكتوبر عام2002 اي قبل شن العدوان الأمريكي على العراق بخمسة أشهر وقد قسموا العراق في هذا المؤتمر الى طوائف وأعراق وأقليات والكل يبحث عن نصيبه في هذه (الكعكة)؟ الم يعترف الكثير من المعارضة بأنه يعمل لمصالح مخابرات أجنبية تعمل على إنهاء القوة العسكرية العراقية وإنهاء كوادر العراق وعلمائه ومثقفيه وحتى الى مستوى تصفية الفنانين؟الم تنقل المحطات والمواد الأخرى الموجودة في مفاعل تموز النووي الى إيران؟الم تعمل الميليشيات التابعة لحزب المؤتمر(الوطني)مع القوات الأمريكية الغازية على سرقة آثار العراق وتهريبها سواء الى إسرائيل او الولايات المتحدة الأمريكية؟الم تتعاون إيران وباعتراف محمد علي ابطحي مع الشيطان الأكبر لإسقاط النظام في العراق وقبله لإسقاط طالبان في أفغانستان وهي احد دول محور الشر الني حددها جورج بوش( الابن )في خطابه بتاريخ 20كانون الثاني عام 2002؟الم تدعم إيران وبشكل مباشر التحالف الوطني من اجل تشكيل الحكومة العراقية الحالية؟الم تساهم إيران وبشكل مباشر في تأجيج الفتنة الطائفية في العراق وتحتضن الكثير من المتورطين بالدم العراقي وعلى مرأى ومسمع الحكومة العراقية أمثال (ابودرع ومهدي المهندس الذي كان عضوا” في البرلمان العراقي) وقبلها ميليشيا بدر التي تم إنشاؤها في إيران وتدريبها والإشراف على العمليات التي تم تنفيذها ضد الجيش العراقي قبل وبعد الانتفاضة الشعبانية؟ الم تحتضن إيران جميع قادة التحالف الوطني وتمدهم بكل عناصر القوة للصمود في وجه التيارات التي تخالفها في التوجه الفكري الوطني او العقائدي؟الم تستغل إيران انسحاب الجيش العراقي من الكويت في تحريك عملائها في الانتفاضة التي سميت بالانتفاضة الشعبانية مستغلة انشغال المجتمع العراقي في مواجهة آثار العدوان والحصار, ثم الم تتشكل الوفود العشائرية بعد تحرير الجنوب العراقي من التدخلات الإيرانية وجاءت للقاء القيادة العراقية ومثل ذلك فعل جلال الطالباني ومسعود البارزاني عندما عقدوا اللقاءات المباشرة مع القيادة العراقية واستمرت العلاقة بين البارزاني والقيادة العراقية الى فترة وجيزة قبل الإحتلال الأمريكي من خلال لجان التنسيق بين الطرفين وتأمين زيارات المسؤولين العراقيين الى الخارج عن طريق الشمال الى تركيا؟الم تعمل هذه (المعارضة) مع أعداء الوطن ضد الوطن؟الم يعترف السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي بأن هناك مقابر جماعية بعد الإحتلال الأمريكي؟وأين مصير المختطفين من اللجنة الأولمبية العراقية في وضح النهار؟ وأين مصير المختطفين من دائرة البعثات التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتي حدثت في وضح النهار أيضا وأمام الأجهزة الأمنية؟ إذا كان يؤخذ على النظام السابق انه يطالب بثمن الأطلاقات التي يعدم بها من خالف القوانين النافذة في ذلك الوقت الم يتم ابتزاز الكثير من أهالي ضحايا الميليشيات الطائفية والحكومية بدفع آلاف الدولارات للحصول على جثث أبنائهم وبعد دفعها لم يحصلوا على تلك الجثث؟الم يدفن الكثير من مجهولي الهوية في مقبرة السلام في النجف ؟ثم الم تتشكل الحكومة العراقية الحالية بترتيب وبإشراف مباشر من إيران؟ والقائمة تطول من الأخطاء التي ارتكبت بحق العراقيين على مدى تاريخه القديم والحديث,ألم يقوم النظام السابق ببناء عشرات الجامعات في ظل الحصار ويقوم بتخريج عشرات الآلاف من الطلبة والآلاف من العلماء والمبدعين الذين واجهوا الحصار الظالم بروح وطنية بحيث أدى ذلك الى المطالبة الأمريكية بهؤلاء العلماء والمبدعين؟  
وبعد كل هذا السرد الموجز الم يكفي للعراق أن يغادر دائرة العنف والظلم والتظلم المقابل ام هذا قدر العراقيين (كلما دخلت امة لعنت أختها) ام نبقى دائما في هذه الدوامة من الاجتثاث والاجتثاث المقابل؟ ألا يستحق العراق منا جميعا أن نسموا فوق الجراح ونضمد جراحاتنا النازفة التي لم يستفد منه إلا أعداء العراق والمتربصين به وبوحدته التي تغيض الأعداء.
إن المراقب للأحداث في العراق لايتوقع حدوث معجزة لحل كافة الإشكاليات التي يعاني منها العراق وذلك لوجود أجندات أجنبية وتدخلات واضحة من قبل دول الجوار وعدم استطاعة السياسيين من التفكير على المستوى الإستراتيجي لوضع برنامج زمني واضح لحل الملفات العالقة وبرنامج اقتصادي واضح لتوفير الخدمات الضرورية اليومية التي هي من أساسيات العيش في اي بلد سواء كان هذا البلد فقيرا” أم غنيا”.
إن الواجب الشرعي للمرجعيات الدينية أن تأخذ دورها الشرعي والوطني في الحد من انتشار ظواهر الفساد السياسي والإداري والمالي والانحياز الى الشعب بكل فئاته وأطيافه دون التمييز بين الطوائف والأعراق وان تكون الراعية الحقيقية للفقراء والمعوزين بل وتوجيه الشارع بالتظاهر ضد الواقع المزري الذي يعيشه المواطن لالالا أن تفتي بعدم التظاهر السلمي لتصحيح المسار الخاطئ والقاتل الذي تنتهجه الحكومة في التعامل مع كافة أبناء العراق خصوصا” بعد أن منحت الحكومة نفسها مئة يوم للإصلاحات والسيد مقتدى الصدر منحها (180) يوما”ومرت الآن أكثر من سنة ونصف على هذين الموعدين ولم يتحقق أي شيْ ذا قيمة تذكر.
إن المصالحة الوطنية لاتعني الإحالة على التقاعد ومنح غير المرغوب فيهم بعضا” من مستحقاتهم وركنهم بعيدا” عن ممارسة وظائفهم التي ربما أن الكثير منهم يعتبرون من الخبراء او العلماء ويمكن أن يرفدوا الوطن بالكثير من الخبرات التي يحتاجها في صنع التقدم العلمي والحضاري والإنساني ناهيك عن الكفاءات التي دفع العراق ثمنها أموالا” ودماء من أجل صون كرامته ورفعته وسمعته بين الأمم , فلو فرضنا أن العراق ربما سيدخل حربا” او فرضت عليه (لاسمح الله)فهل سيتم استثناء المجتثين من المشاركة الفعالة في الدفاع عن بلدهم إذا ماصدرت الأوامر بضرورة الالتحاق إلى المراكز المقررة,والذي يبدو لي أن الكثير من هؤلاء المجتثين سيلتحقون الى اقرب الوحدات العسكرية حتى وإن (ستجتثهم) الأوامر مرة أخرى,لأن الوطن شيْ مقدس باق مع بقاء النَفس وخفقات القلب وإن جارت الحكومات وتعاقبت على مراكز صنع القرار وهذا ليس بالشيء الكبير على العراقيين والشواهد كثيرة جدا”,فالحكومات ترحل والبلد يبقى والتاريخ يسجل ولا يرحم ,فهل يعي ساسة العراق(الجديد) هذا الدرس؟ 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب