23 ديسمبر، 2024 7:26 م

المصاححة!!

المصاححة!!

من كلمة صح وصحيح وتصحيح , وهي فكرة ورؤية تصلح لمداواة أحوالنا المصابة بأمراض فكرية ونفسية سارية ومعدية , وتستند في آلياتها على أسس العلاج الذهني , وتبدو وكأنها ذات قيمة علاجية وتنويرية وتوجيهية نافعة لصناعة حاضر أفضل ومستقبل آمن سعيد.

فمنذ عام 2003 وحتى اليوم , تعيش مجتمعاتنا في واقع المراوحة الدامية والصراعات الحامية , التي كبلت السواعد والعقول وجعلت المسيرة الوطنية والإنسانية في بلداننا , متحيرة أو مترنحة , لا تعرف إلا أن تغور في مكانها , وتفقد قدرات الحياة المعاصرة والنماء.

وبعد ذلك التأريخ تواصل التصريح بالمصالحة والحوار وغيرها من النداءات التي زادت الطين بلة , ولم تقدم حلا أو طريقا واضحا للخروج من المأزق الحضاري الذي تعيشه مجتمعات المنطقة.

وفي بعضها رُفِعت رايات المحاصصة الطائفية , التي أدت إلى تداعيات مريرة , وفي غيرها قامت ثورات وما وصلت إلا إلى طريق مسدود , ما عدا تونس التي أخذت تشق دروبها في زمن المعاصرة والعولمة.

وبعد كل الذي جرى , لا بد من إدراك السبيل , وفهم معالم السلوك الصالح النافع المربح والإستثمار فيه من أجل مصلحة الأجيال.

والمصاححة تبدأ بالوقفة مع الذات , ومراجعة السلوك الشخصي وتقييم نتائجه وأسبابه ودوافعه وما ترتب عليه من إستجابات وتفاعلات , والبحث عن الفكرة التي أوقدته والقوة التي ساندته ورعته , ولا بد من الجواب على لماذا ولماذا؟

وعندما يعرف الشخص لماذا يقوم بما يقوم به , عليه أن يتساءل , وهل يوجد أفضل من هذا السلوك , وبعدها ينتقل إلى الموضوع الذي هو بصدده ويأخذ بتقيمه.

وهذه الوقفة عبارة عن يقظة فكرية وثقافية وسلوكية تستدعي جميع الأطراف والمؤسسات والكراسي والأحزاب والعمائم , للقيام بها للخروج من المعضلة التي أصابت الحاضر والمستقبل بتداعيات وخسائر لا تقدر بثمن.

ويبدو أن العلة الأساسية التي تحتاج لتصحيح تتوطن العقل وكيفيات التفكير وآلياته , فالعقل تخيّم عليه أفكار عتيقة بالية مجردة من قدرات الحياة المعاصرة , وهذا يتسبب في تفاعلات سلبية ذات نتائج وخيمة.

فما لا يتغير مع زمنه يموت قبل أوانه , أو يحقق حالة إضطرابية ومأساوية مرعبة , لأنه يريد أن يعيد عجلة الزمن إلى الوراء كثيرا جدا.

فهل سنعيد النظر بكل ما حصل وجرى على مدى أكثر من عقد , فالمجتمعات الحية لديها القدرة على مواجهة نفسها ومحاسبتها والخروج من الآبار التي حفرتها وسقطت فيها.

فهل سنتعلم صناعة السلالم اللازمة للصعود إلى فضاءات البصر؟

أم أننا سنبقى نحفر الحفر التي نندفن فيها أجمعين؟!!