17 نوفمبر، 2024 7:30 م
Search
Close this search box.

المشهد العراقي – عقلية الحزب والطائفة

المشهد العراقي – عقلية الحزب والطائفة

منذ عام 1991 بدات مرحلة مفصلية في حياة العراق ، اي بعد الانتفاضة الشعبانية التي جاءت بعد دخول قوات التحالف الى الكويت وتحريره من قوات صدام التي ساقت البلد برمته الى هاوية سحيقة لن يخرج العراق منها ليومنا هذا  ، ونتيجة هذا التدخل الدولي اتاح للعراقين والجيش الذي زج في معركة خاسرة سلفا ان يشعل انتفاضة لاتقل عن ثورات الربيع العربي كما يطلق عليها الان والتي جاء الاعتذار الامريكي عن قمعها وفشلها متاخرا . وغيرت المشهد العراقي  برمته ، ونفس الاعتبارات الطائفية والعرقية التي نعاني منها الان قمعت الانتفاضة بتواطيء اقليمي ودولي لحسابات معروفة  ستكشف يوما ما بادلتها الدامغة ، ومقاسات لايمكن تجاوزها للمنطقة او دول الاقليم  . فليس من السهل على ممالك قمعية مجاورة ان تسمح بنشوء ديمقراطية على حدودها وتستسلم لسواد عيون العراق ، فبدا العزف على الوتر الطائفي وبدا الاستقطاب الاقليمي يجهز اجندته من خلال مايعرف بالمعارضة العراقية التي كانت مسترخية وخاملة تماما قبل الانتفاضة الشعبانية التي لم تكن على الاطلاق منظمة اوتنطوي تحت اي ايدلوجيا اوحزب او طائفة بعينها الا ان جغرافيا الحرب اتاحت لبعض المدن ان تستثمرها لتنتفض فحين بقيت المدن الاخرى تحت قبضة النظام وتعذر ان نشاهد معارضة جلية اوخروج شعبي على النظام .
ومثلما اندلعت الانتفاضة الشعبية نتجة لتدخل خارجي اتاح للشعب ان يعبر عن نفسه  واستغلال ظرف مواتي ظنا منه الخلاص من الديكتاتورية المقيتة التي حكمت العراق منذ الازل بتفاوت في درجات قسوتها . استغل من كان يعارض النظام في الخارج نفس الظروف وبدا يستغل الظرف والجمع الذي لجأ الى دول الجوار ويستقطب الكثير من رجاله واستمالتهم اما بالمال اوالوعود باعادة توطينهم من خلال اللجوء . وتقاطعت الاجندات السياسية لان خلفيات مايسمى بالمعارضة عام 1991 لم تكن ناضجة او فعالة على الاطلاق بل كانت ارتباطات اقليمية جيرها بعض المعارضين لاستراحة او مناطق امان لهم وهي لاتخلو من الاملاءات والتدخلات . اما رجال الانتفاضة فكانوا يشعرون ببعض الحيف نتيجة استغلالهم في المحافل الدولية وتجاهل تضحياتهم وادعاء بعض الجهات بانهم من قادوا تلك الانتفاضة اوخططوا لها ومثلما نشهد من مناكفات سياسية بعد سقوط بغداد وفساد مالي وطائفية ومحاصصة ليومنا هذا ، هذه حالة متجذرة منذ مؤتمر بيروت والذي حضره الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري وانسحب منه قبل ان يجف حبر البيان الهزيل انذاك . وتوالت المؤتمرات دون اتفاق حتى مؤتمر اربيل ابان وقوع الغزو في 2003 وباعتراف من اشتركوا به انهم رضخوا للامر الواقع سواء وافقوا ام لم يوافقوا على دخول الامريكان
وكثير من يتصدرون العملية السياسية اليوم يعرفون استحالة بناء عملية سياسية في العراق في ظل المحاصصة والطائفية التي كانت سائدة ايام المعارضة وعقلية الثار والتعالي وعد سنين الخروج على النظام بانها خدمة لابد ان يتقاضوا عليها امتيازات وحصص اضافية وكان الاجيال التي خلقت طلية عقود وعانت ماعنت من اضطهاد وحصار غير مسبوق .
 ومثلما استغل ساسة العراق الحاليين شتى الوسائل من اجل تمسكهم بالسلطة  واستخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة وباثر رجعي ( تفكير المعارضة) فلايجوز ان تكون معارضة وحكومة في آن واحد ، هذه ازدواجية مريرة وعبثية ورياء ، ونتيجة غياب الخطط والبرامج بات كل شيء عبثي وهذه حالة لاتستقيم في السياسة وادارة البلد على الاطلاق
خلال عام 1991 عملت الكثير من المقابلات الصحفية نشر بعضها في مجلة اليمامة السعودية آنذاك مع ممن يتربعوا في وزارة اومجلس نواب اوعلى كرسي مسؤولية في عراق مابعد الاحتلال 2003 فلم يكن احد منهم يملك برنامج اويمارس انتخابات داخل حزبه اوالجهة السياسية التى ينتمي اليها واستمرت الحال ليومنا هذا بعد ان اصبحوا داخل الحكومة والبرلمان اضافة الى الانقسامات الحزبية والتكاثر من بطون الاحزاب ذاتها حتى بلغ عدد الاحزاب 325 حزب وهذا مؤشر لايبشر بخير طبعا في ظل الحالة الراهنة التي تخلو من المؤسسات الدستورية الفعالة وقانون الاحزاب
وهذه حالة شائعة في اغلب دول العالم الثالث والعربي على وجه الخصوص وغابت مؤسسات الدولة لمن يحكم وباتت الاحزاب الحاكمة المتحكم بجميع مفاصل الحياة وسيطرة عليها كورث اوعقار يتحكمون به ضمن عقلية هذا الحزب اوتلك الكتلة السياسية دون رؤية اومشروع وطني يلامس حياة الشعب واحتياجاته واولويات المرحلة الانتقالية من الحزب الحاكم والرجل الاوحد
اليوم لابد من الاعتراف ان المشهد العراقي بات يحكم بعقلية الحزب اوالطائفة او العرق وهذا ماكان يحصل ايام المعارضة للدكتاتورية التي انتهت باحتلال العراق من قبل امريكا 2003 والي ضربت العمق المؤسساتي والاجتماعي والاقتصادي المتهالك اصلا بعنف وافترست كل شيء دون رحمة وخلقت فوضى عارمة استغلت للاسف من قبل بعض العراقيين في تنفيذ اجندة بعيدة عن الوطن والمواطن كل البعد واسست لنا نظام الكوتا والمحاصصة والطائفة وابتلعنا الطعم الامريكي والاقليمي سوى كنا  ندري اولاندري . واسقطت النخب والاحزاب والاعلام في براثن عميائية وفضاضة فارغة تكشفت عبرة  السنوات المنصرمة وعجزها في بناء مؤسسات الدولة الحديثة من حيث انتهى الاخرون وليس العودة الى نقطة الصفر او المربع الاول
لايجرا احد اليوم بالاعتراف بالاخطاء للدخول بحوارات ومراجعات لفتح افاق جديدة لتجاوز الماضي بكل اخطاءه ودمويته والاعتراف بفشل الممارسات في غياب الادارة والبرامج في كل مفاصل الدولة  دون استثناء وتغيب الدستور والقانون كمرجع يحتكم اليه المتخاصمين
واعتقد ان الاعتراف بالخطأ فضيلة من اجل تصحيح مسار دفع العراقيون تكاليف بشرية ومقدرات اقتصادية باهظة جدا ولاتصدق لفداحتها .  واستمرار المشهد بهذه الصورة لم ولن يؤسس لدولة مدنية عمادها المواطنة والمساوات وليس الانتماء الضيق للطائفة او العرق او المنطقة . والانطلاق في عملية البناء بحاجة الى استراتيجية ورؤيا سياسية واضحة وسقف زمني في التنفيذ وتحقيق ازاحة من اجل استشراف المستقبل وتقليل الخسائر في زمن اختلطت فيه الثورات والاجندات وبات المشهد العربي والعراقي يحتاج الى دقة وتاني في اطلاق المعالجات والمقاربات في ظل عدم وضوح التوجهات والمسارات للجماعات والاحزاب والمكونات السياسية والاجتماعية .

أحدث المقالات