23 ديسمبر، 2024 1:46 ص

المشهد السياسي واستحقاقات شهر مايس ، ايران تتقدم الى الخلف ؟

المشهد السياسي واستحقاقات شهر مايس ، ايران تتقدم الى الخلف ؟

لا يوجد ثمّت ريب في ان غالبية الدول العربية واسرائيل والغرب بشكل عام وعلى راسه الولايات المتحدة وكذلك روسيا ، ترغب جميعها في الحد من نفوذ ايران بعد ان اضحى تمدده يشكل مصدر خطر على أمن المنطقة واستقرارها ، وربما يتجاوز ذلك . و يبدو ان شهر مايس القادم سيكون البداية لأحداث مهمة تتعلق بالشرق الاوسط وبالخصوص منه منطقة المشرق العربي ، وان مسرح الاحداث يترتب الان لتحقيق هذا الغرض .
المشهد السياسي والامني بعد ان تخلصت المنطقة من براثن الداعشية أو تكاد ، يبعث باشارات متضاربة ، واللاعبون يبدّلون مواقعهم بشكل سريع ومفاجيء . الثابت فقط هو موقف الرئيس السوري الذي لم يتغير منذ بدء الصراع داخل سوريا ولغاية اللحظة الراهنة بدعم من روسيا وايران . الولايات المتحدة التي اكدت في مناسبات عديدة انها باقية في سوريا ، يعلن رئيسها انها ستنهي وجودها العسكري في هذا البلد بشكل عاجل . المملكة العربية السعودية ، يؤكد وليّ عهدها القوي والقابض على زمام الحكم ، ان الرئيس الاسد باق . ويبدو ان شمال سوريا واقع الان تحت النفوذ التركي الذي لم يصادف اعتراضا من روسيا ولا ممانعة حقيقية من سوريا ، طالما كان الهدف منه القضاء على وحدات حماية الشعب الكردي . واذا ما صدق ترامب وسحب جنوده ، فسيكون ظهر قوات سوريه الديمقراطيه ووحدات حماية الشعب الكودي مكشوفا ، الامر الذي سيسهل اندفاع قوات النظام الى شرق الفرات يرافقها تقدم القوات التركية في غرب الفرات ، ولن تلقى القوّتان عندها مقاومة تذكر . هذه المتغيرات تصب كلها في مصلحة الرئيس السوري بشار الاسد ، وتعزّز من قوّته بعد ان بات النصر محسوما له . هذا الانتصار سيقوّي من فرص انهاء الازمة السورية والبدء في عملية الاعمار والبناء التي لايمكن ان تتم الاّ بمساعدة من يملكون المال ، وفي المقدمة منهم السعودية ودول الخليج العربية والغرب والمؤسسات والصناديق الدولية . كل ذلك سيساعد سوريا على التحرر تدريجيا من قبضة ايران والاقتراب أكثر الى محيطها العربي ، اذ لايمكن باي حال من الاحوال ان تكون سوريا العربية بعيدة عن الدول العربية مهما كانت حدة الصراع بينهما ، والتاريخ العربي الحديث زاخر بالعديد من امثلة الصراعات والحروب والتصالح .
روسيا من جانبها لا تريد ان ترى لأيران نفوذا منافسا لها في سوريا ، كما لا تريدها قوية الى الحد الذي يمتد تأثيرها الى جوارها الشمالي من الدول الاسلامية التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي أو الى منطقة القوقاز الروسية ، وهي ، اي روسيا ، في هذا الجانب تتوافق مصالحها مع مصالح الولايات المتحدة الرامية الى الحد من النفوذ الايراني ، والتنسيق في مسألة الحرب على الارهاب .
أما رجل تركيا القوي والذرائعي من الطراز الاول الرئيس اردوغان ، فهو ينسّق منذ فترة ليست قريبة مع روسيا وايران للتوصل الى حل سلمي للآزمة السورية ، وقد بلغ شوطا كبيرا في هذا المضمار ، ولا يستبعد ان تكون له اتصالات عن طريق الروس أو من دونهم مع النظام في سوريا وبخاصة فيما يتعلق بتحركاته الاخيرة في الشمال السوري في غرب الفرات وتحديدا في منطقة عفرين . فتركيا تتقارب مع سوريا في الموقف من المسألة الكردية . وهي ، اي تركيا ، تؤكد دائما ان ليس لها اطماع في شمال سوريا ومستعدة للأنسحاب اذا ما تمّ ضمان امنها في المناطق الجنوبية من تركيا ، وهي مستعدة للتعاون مع النظام في سوريا لتحقيق هذا الغرض .
هذا المشهد السياسي والامني ينتظر مواعيد ثلاثة مترابطة جوهريا مع بعضها . الاول ، موعد مع الانتخابات اللبنانية في السادس من مايس ، فنتائجها ستحدد قدرة لبنان على الحد من نفوذ حزب الله ، ذراع ايران القوية في لبنان وسوريا والتخلص من قبضته . الموعد الثاني مع الانتخابات في العراق في الثاني عشر من مايس القادم وما سيتمخض عنها . المتنافسون الحقيقيون في محصلتها النهائية ثلاثة . فريق يريد النأي بالعراق من الصراع بين ايران والولايات المتحدة ، وفريق يريد ارجاع العراق الى حاضنته العربية والوقوف معها في الحد من نفوذ ايران في العراق ، وفريق اخر يسعى الى زجّ العراق في آتون الصراع الامريكي – الايراني غير آبه الاّ بتنفيذ مصالح ايران ، وهذا الفريق يعترف جهارا نهارا بولاية مرشد ايران على العراق . واذا قيّض لهذا الفريق النجاح في هذه الانتخابات ، فسيكون العراق في خط المواجهة الاول ضد الولايات المتحدة ، وعند ذلك أقرأ على العراق السلام ، فسيكون لنا ثلاثة عراقات بدلا من عراق واحد . ومن المفارقة الغريبة ، ان موعدنا الثالث سيكون متزامنا مع الانتخابات العراقية في الثاني عشر من مايس ، حيث سيعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الايراني أذا ما أوفى بالوعد الذي قطعه على نفسه في الثاني عشر من كانون الثاني من هذا العام ، والذي أكد فيه ان ادارته ستمدد تعليق العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران للمرة الاخيرة ، وعليه اما ان يعّدل الاتفاق بتلافي “الثقوب الكبيرة ” الموجودة فيه أو الأنسحاب من الاتفاق . ويبدو ان ترامب عازم على تنفيذ تهديده .
ثلاثة استحقاقات رئيسية سيكون المشهد السياسي والامني على موعد معها في النصف الاول من شهر مايس القادم ينبغي تتبع مآلاتها وما يترتب عليها من انعكاسات على ايران بالدرجة الاولى وعلى المنطقة بشكل عام. وستكون انعكاسات تلك الاحداث مفصلية ومصيرية بالنسبة لأيران . فاذا تمخضت الانتخابات اللبنانية عن تحرر لبنان من قبضة حزب الله ، ونجحت الانتخابات العراقية في الأتيان برئيس وزراء ينأى بالعراق بعيدا عن الصراع الامريكي – الايراني ، في وقت تنسحب فيه الادارة الامريكية من التزاماتها بموجب الاتفاق النووي الايراني ، فلن يكون شهر مايس فألا طيبا بالنسبة لأيران ، لاسيما وان القضاء على داعش من جهة وانهاء الصراع في سوريا من جهة ثانية سيسقطان ذريعة التدخل الايراني في لبنان وسورية ، والعراق ، وستكون ايران مجبرة على العودة الى خط شروعها الذي كانت عليه قبل انسحاب القوات الامريكية من العراق ، وما يترتب على هذا الارتداد من تداعيات داخلية قد تطيح بالنظام ومرشده . أمّا ان تتصرف ايران باعتبارها اللاعب الأول والقوي في المشرق العربي بأكمله وعلى العرب واسرائيل والغرب والولايات المتحدة وروسيا التعامل مع تلك الحقيقة تعايشا أو قبولا ، فهذا محض وهم في عقل مسطول .
وانّ غدا لناظره قريب .