لاشك ان المتغيرات في السياسة الداخلية للبلاد تخضع وترتبط ارتباط وثيق بالمتغيرات في المنظومة السياسية الاقليمية والدولية ، وهذا الامر ليس وليد الساعة ، بل هي لعبة كانت وما تزال تتمثل بالنشاط والتحرك الاستعماري الحديث الهادف الى اعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة عموماً ، وكان الهدف الاساس في هذا اعادة توزيع الهيمنة الاستعمارية على منطقة الشرق الاوسط تحديداً ، وهو بالتأكيد يدخل في توفير الحماية الامنية للمصالح الغربية في هذه المنطقة والتي تعد من اهم مناطق العالم ، كونها تحمل بين اراضيها منبع الحياة والوجود البشري ألا وهو ” النفط” ، كما انه يحمل بين ثناياه الكثافة البشرية والتي يمكن استغلالها كطاقة عاملة في نهب خيراته وثرواته .
المشهد السياسي والأمني في العراق بدأ يزداد تعقيداً ، خصوصاً مع التعقيد الذي دخلت فيه منطقة الشرق الاوسط في ظل التحول الاستراتيجي الذي تشهده المنطقة ، والصراع الدائر بين القوى العالمية لرسم معالم جديدة تسعى الى تقوية نفوذها تارة وإيجاد نفوذ جديد وبسط سيطرتها وحضورها ، كما ان الصراع ليس مكشوفاً ويصعب للقارئ فهم طبيعة هذا الصراع خصوصاً مع وجود المصالح المشتركة بين هذه القوى ، وتبادل الادوار والتسويات السياسية في المنطقة .
يمكن الاعتماد في قراءة هذا الصراع على التجربة السورية ، والتي تعد خير دليل على هذا الصراع بين الجبهة الروسية والأمريكية وحلفائهما ، فدخول الدب القطبي على الخارطة السورية قلب جميع الموازين ، وغير المشهد السياسي والأمني المعقد والمتشابك لتتضح الصورة وتنجلي الغبرة عن ظهور لاعب جديد في المنطقة لا يمكن الاستهانة به ، ويبقى القارى والمحلل في خيرة من امره عن سبب هذا التحرك المفاجئ ، وطبيعة الصراع في سوريا ، وطبيعة هذا التحرك الروسي والتفرد به ، فما هو طبيعة الصراع الدائر في سوريا ؟ ، وهل حصل فعلا توافقاً بين الروس والاميركان ، كما يجب ان نقرأ واثع المنطقة خصوصاً مع وجود الآلاف من الدواعش بين العراق والشام ، وامن اسرائيل المهدد مع وجود جيش منظم وقادر على تحطيم المنظمة الاسرائيلية أسمه ” حزب الله ” ، وشعور الاسرائيليين بالخذلان من هذا التحول الاستراتيجي الجديد .
الولايات المتحدة من جهتها شعرت بالعجز في ادارة المنطقة وتراجع نفوذها فيها ، وعدم قدرتها حتى على السيطرة على حلفائها ، الامر الذي جعلها مجبرة القبول بتدخل عسكري روسي في سوريا ، ويبدو انها رضخت للإرادة الدولية ، واستسلمت للأمر الواقع ان المعادلة قد تغيرت تماماً خصوصاً بعد توقيع الاتفاق النووي مع ايران ، وهذا ما اكده وزير الخارجية الامريكية أثناء لقاءه نظيره الروسي ” ان اميركا قررت تعديل سياستها في الشرق الاوسط ولكن المسألة تتطلب وقتاً ” ، كما ان المعادلة على الارض فرضت الكثير من المتغيرات في هذه المعادلة بين قطبي الصراع الروسي الامريكي ، ناهيك من ان حلفاء أمريكا فقدوا الثقة بها وباتت أولوياتهم تتعارض مع أهدافها ، فميزان الاخيرة يقيس درجة مصالحها ، الى جانب الموقف الروسي الذي تمكن من أعاده الانتشار في المنطقة ، وتقوية نفوذه ، وبسط سلطته ، ويحاول كسب بجهات اخرى في العراق ومصر ، بينما حلفاء الروس وفي مقدمتهم ايران يعملون بتنسيق عالي ومستمر ، وهذا ما يجعل الإميركان وحلفاءها لا يملكون اي قوة او منطق سيطرة في المنطقة .
المشهد العراقي هو جزء من هذه الخارطة ، واحد أطراف الصراع شاء ام لم يشأ ، ويحاول ان يكون متوازناً في مواقفه ، وهذا هو امر ليس بصحيح ، خصوصاً بعد وضوح خارطة الصراع في المنطقة ، وانكشف قطبي الصراع جيدا ، الامر الذي يرشح ان تكون المعركة المقبلة جزء منها في الاراضي العراقي ، خصوصاً كما قلنا سابقا تنامي الحضور الروسي في المنطقة والتدخل العسكري هو احد خذا الحضور ، والذي يعكس التراجع الامريكي ، وبالتالي انهيار منظومة الدفاع الإسرائيلية التي تحاول جاهدة من سد اي ضعف في موقعها من محاور الممانعة دون انتظار الدعم الامريكي لها ، وهذا ما يجعلها وبخطوات تصعيدية ان تحاول الدخول المستنقع السوري او اللبناني لتعويض خسارتها وانكسارها ، او التعايش مع الوضع القادم والجديد في ظل حضور لافت لمحور الممانعة المتمثل بخط المقاومة وصمودها والانتصارات المتحققة والقبول بالخارطة التي وضعها الدب الروسي للمنطقة .