23 ديسمبر، 2024 9:23 م

المشهد الانتخابي في العراق – قراءة في ظاهرة السياسي المتورّط..! / 3

المشهد الانتخابي في العراق – قراءة في ظاهرة السياسي المتورّط..! / 3

(( إعرف الحقَّ ، تعرف أهله )) – علي بن أبي طالب
 
ان هذه الفتوى فتوى المرجعية الدينية  وضعت النقاط على الحروف وسدت المنافذ على من يدعي القرب الانتخابي  من المرجعية او دعمها له كما انها انصفت الشعب في اهم حق ديمقراطي له وهو الانتخابات، كما حثت الناخب على اختيار الكفوء الصالح ، بغض النظر عن جهته الانتخابية وبعيدا عن المسميات او الماورائيات وفي هذه المعادلة الكفاءاتية والصلاحية امتحان عسير للكتل السياسية  التي قدمت كثيرا من النماذج غير الكفوءة  او غير الصالحة ودعت الناس الى انتخابها   وبالتالي ساهمت في خلق ظاهرة السياسي المتورط بمصلحة الشعب العراقي ..
 ولكن كما يقول الامام علي عليه السلام ( ما أكثر العبرة ، وما أقل الاعتبار ) .. ! ان تصريحات المرجعية بالفتاوى والبيانات التي تحرم بعض الممارسات السياسية وتشخص بدقة تلك الممارسات شجع الشارع العراقي على النهوض بمسؤوليته السياسية سواء في مجال الانتخابات والاختيار الحر او في مجال التحرك اليومي الغاضب والسلمي ولكنه يحمل في ثناياه كشفا وتعرية للسياسي المتورط ونبذا له على قارعة الطريق الديمقراطي الطويل فالديمقراطية لا تعني النجاح في الانتخابات فقط  ، وانما الجزء الاهم منها هو الاداء بعد الانتخابات فلا يزكّي الانفس الا الله ولكن هناك تفضيلا شعبيا لشخص دون سواه على اساس حسن الظن الذي يدفع اليه احيانا كثيرة الايمان ببعض الثوابت التي يمكن ان يعود الشعب  الى الثوابت نفسها فيلغيها من وعيه الجمعي .. فعلى الذي اختاره الشعب ان يثبت انه بمستوى هذا الاختيار وهذا هو الامتحان الاخلاقي والديني والاجتماعي والثقـــافي ، وبالتالي السيـاسي لــه . .. فبعض من الشارع العراقي ينبطبق عليه قول الجواهري في الثلاثينات من القرن الماضي في قصيدته ( المحرّقة ) :
مضتْ حججٌ عشرٌ ونفسي كأنها     من الغيظ سيل سُـدّ في وجهه المجرى
اما كل الشارع العراقي فينطبق عليه البيت الشعري التالي لهذا البيــت وهو :
خبرتُ بها ما لو تخلـّدتُ بعده    لما ازددتُ علماً بالحياة ولا خبــْرا
نعم ان الوعي الجمعي المتضخم  للشارع العراقي يذهب الى لحظة خلود الوعي هذه ، ويستخلصها من بين لحظات الزمن القاسية التي تمر به .. ولكننا بهذا الطرح لا نغمط حق الذين تصدوا للعملية السياسية من واقع ديني ورموز دينية كبيرة فاضافوا الى السياسة نزاهة الدين والمبدئية التي تفتقر لها السياسة في كثير من الاحيان ، ولكن هذه المظلات الدينية الواسعة اصطدمت وانصدمت ببعض نماذجها المحسوبة عليها فكما قلنا  او استشهدنا بالقول سابقا ( لا يزكّي الانفس الا الله ) كما ان ليس كل هذه النماذج الممثلة لها قادرة على الانتصار في الجهاد الاكبر ضد النفس الامّارة بالسوء ولا سيما حين تكون ساحة الجهاد مع النفس بلداً مغرياً بكل تفاصيله مثل العراق .. الشارع العراقي يجل المرجعية ويقدرها ، ويجل الجهات الدينية  المعروفة التي تصدت للعمل السياسي ويقدرها ايضا ، ولكن هذا الشارع المكلوم بدأ يتعامل مع الاشخاص وادائهم وليس مع ماورائياتهم فعلى طريقة الامام علي ايضا ( اعرف الحق تعرف اهله ) فالقضية صارت محكومة بالفـعل وصار المتورط السياســي مكشوفا مهما كانــت ما ورائياته .. بل ان هذه الماورائيات الدينية او الدينية السياسية وقفت مع الشارع العراقي لانها تعد نفسها جزءاً مهما منه فغضبت لغضبه بل ربما دفعها غضبها وسمعتها الدينية والاخلاقية والجهادية  الى الانسحاب من العمل السياسي برمته .. وهذه صدمة اخرى صدم بها الشارع العراقي ولكن في الوقت نفسه صدم بها المتورط السياسي اذا كانت ماورائياته دينية جهادية محضة .. ان المرجعية الدينية والجهات الدينية السياسية المخلصة بكل ثقلها لم تستطع ان تردع بعض السياسيين المتورطين او على الاقل لم تجعلهم بنقائها وقوتها امام المغريات فهناك مسافة نفسية واجتماعية وسياسية ايضا  بين اختيار النموذج السياسي وبين ادائه يجب ان يعاد النظر بها ،  ويجب ان تكون للماورائيات السياسية مجسات اكثر تحسسا وادق اختيارا بحيث يمكن ان تدفعها دقتها وحسن اختيارها الى خارج اطارها السياسي فتختار من الشعب كله انموذجا ترى فيه الانسان المناسب في المكان المناسب وبهذا ستكون شعبية اكثر منها حزبية واخلاقية اكثر منها سياسية ان هذا الانزياح باتجاه النماذج المناسبة يجعل هذه الماورائيات مسؤولة عن الشعب كله ـ وهذا هو الهدف من العمل السياسي النبيل والاصيل ـ  وستكون ساحتها في الاختيار هو الشعب كله فستتوسع  عندئذ مساحة اختيارها من جهة ، ومساحة شعبيتها من جهة اخرى .. لقد صدم كثير من المختارين للعمل السياسي  من اختارهم فأدخله في متاهة الاسئلة الشعبية الملحة والصادمة فحاولت بعض الكتل ان تقترب من الكفاءات بعد ان احست بهذه الثغرة  ـ ثغرة عدم التناسب ـ  وما تركته من اثار او اوزار ثقيلة تحملتها هذه الكتل فحاولت ان ترمم الصدع بعلاجات كفاءاتية ولكن للزمن  الديمقراطي حساباته الدقيقة التي تصل احيانا الى الايام او الساعات وليس الى السنين او الفترة الانتخابية الدهرية – أربع سنوات – ! هذا  ( الدهر ) الانتخابي الذي تتغير فيه كثير من المعطيات والقناعات والظروف الداخلية والخارجية وتزيح فيه اجيالٌ اجيالاٌ اخرى .. وتتغير فيه وسائل الخداع ايضا .. كما يتغير فيه نوع التورط السياسي بتغير هذه الوسائل والمغريات الدافعة للامعان في هذا التورط ..