23 ديسمبر، 2024 11:54 ص

المشهد الانتخابي في العراق – قراءة في ظاهرة السياسي المتورّط..! / 1

المشهد الانتخابي في العراق – قراءة في ظاهرة السياسي المتورّط..! / 1

(( إعرف الحقَّ ، تعرف أهله ))
علي بن أبي طالب

توطئة :
بعد مرور عشر سنوات على التغيير في العراق ودورتين انتخابيتين ، تتعدد الرؤى والافكار والقراءات للمشهد الانتخابي في العراق والخارطة الانتخابية  التي ستتوزع عليها مراكز القوة والثقل في الانتخابات القادمة ولا سيما ان متغيرات كثيرة حصلت في الوعي الجمعي العراقي وان كثيرا من المسميـّات أو اللافتات التي شكلت بعض مراكز قوى في الدورتين السابقتين بدأ يلوح في افق الشارع العراقي تراجعها وانكفاؤها بعدما جربها الشارع العراقي وعرف مكامنها ونظر الى نتائجها ولموساتها في الواقع العراقي الذي يتحرك بشكل درامي ازاء الازمات والاحداث وبالتالي إزاء الشخصيات والجهات السياسية التي تقف وراءها .. بيد ان هناك وعياً مضاداً لوعي الشارع العراقي وتحولاته هو الوعي السياسي للجهات  المتصدية للعمل السياسي سابقاً وحاضراً او لاحقاً و الذي يحاول بممارسات عدة احتواء التحولات والذهاب معها الى اقصى حد حتى لا تذهب خطاها الى ابعد من الفراش الذي رسمته او فرشته لها الكتل السياسية العاملة في الساحة العراقية .. ان هذه الجهات السياسية تريد ان تفصّل الشارع العراقي على مقاسها الحزبي او الفكري ..
رهان الوعي الجمعي
..  ولكن الطفل العراقي الديمقراطي بدأ ينمو بسرعة بفعل صعقات الياس المؤلمة وعَبــَرَ مرحلة الخوف من الخداع السياسي مهما قدمت له من اغراءات ماضوية او مستقبلية حتى لو     تعلق الامر بالثوابت او اللعب على الثوابت فلا ثابت يراه هذا الفتى الديمقراطي اعز من كرامته وتوفير حد من الحياة يليق بخساراته وتضحياته ووعيه الذي خرج من الجحر الذي يمكن ان يلدغ منه اكثر من مرة .. ان تضخم الوعي الجمعي للشارع العراقي بدأ يفرض اشتراطاته على من يحاول الاقتراب منه انتخابيا حتى صار هذا الاقتراب عند البعض ضربا من المغامرة السياسية ، اما الابتعاد عنه فهو مغامرة اكثر سوءاً لانها تعني الهزيمة والانفضاح فصار السياسي الذي تورّط مع المصلحة العراقية العامة امام امرين احلاهما مـُرّ ….!
ولكنه سيختار .. المواجهة وليس الهزيمة على اساس انه مازال في قوس السياسة منزع ومازالت هناك في الارض الانتخابية مناطق بكر لم تطأها ارجل المنتخِب العراقي بعد .. ومازالت هناك فراغات ومنافذ سرية في طريق الديمقراطية يعرفها هذا السياسي ويعرف كيف يــُدخل من هذه المنافذ ما يمكن ادخاله في اللحظة السياسية المناسبة كما ان هذه الفراغات او المنافذ  يمكن استخدامها كممرات تسلل او هروب في اللحظة السياسية المناسبة ايضا .. اي انه يراهن على الفراغ وليس على الامتلاء ، يراهن على ضعف الديمقراطية وليس على قوتها ويراهن على خراب الزمان والمكان وليس على عمارهما ، والحقيقة المرة التي يجب ان نعترف بها لهذا السياسي المتورط انه ما تزال هناك فراغات يستطيع ان يراهن عليها هذا السياسي قابلة للإخراج والإدخال ولكننا نقول له بوعينا الانتخابي الجديد – وعي الملدوغ – بأننا في الحقيقة نحتاج هذه الفراغات والنوافذ في نفس القضية ايضا الادخال والاخراج ولكن على طريقتنا كشعب يتحكم ـ بالسلاح الديمقراطي طبعا  ـ بما يخرج او يدخل من هذه المنافذ والفراغات  ,, انها فراغاتنا ونحن اولى بالتحكم بها .. وبهذا الوعي الجمعي الجديد سنجعله يخسر اهم ثرواته التي هي هذا الفراغ ..!
اذن سيكون الصراع على هذا الفراغ .. هو يراه فراغ عقولنا المشغولة وقلوبنا الطيبة وجيوبنا البريئة .. ونحن نراه فراغ ادائه السياسي وألاعيبه الفكرية وفراغ سلته الانتخابية الجديدة .. سنقول لكل سياسي متورط ، بلسان ديمقراطي فصيح : اذا كان شعبك حلوا فلا تاكله كله .. فأي فم يستطيع ان يلتهم شعبا ومعه ملحقاته الحضارة والتاريخ والبحر والنهرين والصحراء ونصب الحرية.. وهنا نذكر بيتا للجواهري :
وتذوقوك فقال قائلهم     ان الغضنفر لحمه مر
والحقيقة انه ليس كل السياسيين متورطين بالمصلحة العراقية العامة ، و لا كل المتورطين سياسيين طبعا .. ان الوعي الجمعي لا يظلم احدا .. ولكنه يشير بأصبع تاريخية الى الاشياء والاحداث والشخصيات فأي تورط مع هذا الوعي هو تورط مع التاريخ فقد خرجت الشعوب من المأزق التاريخي القديم حين كان الملوك يكتبون التاريخ او على الاقل يـُكتب في بلاطاتهم. التاريخ اليوم يكتبه بائع الشاي وعامل النظافة والعمال الواقفون في المسطر ينتظرون نسمة رزق لعيالهم فتاخذهم قذيفة ارهابية جبانة الى عالم اخر .. التاريخ اليوم يكتبه من يملك ورقة وقلما ولحظة صدق يدخل من خلالها بهو التاريخ العظيم .. لقد سُرق التاريخ من تحت اقدام الملوك سرقه الباعة المتجولون حين تأكدوا بانهم أحق من الملوك بهذا التاريخ لقد صار المسطر هو البلاط الذي يكتب فيه التاريخ فاين سيذهب الملوك بلا بلاط ولا تاريخ ..؟
 نعود الان الى صديقنا السياسي المتورط ونطمئنه باننا متورطون معك اكثر من ورطتك معنا ..! فقد علمتنا اللدغات ان نقول ما لنا وما علينا وان ننصف الناس وان لا نضع ذاكرتنا على الرفوف و نسير في طريق بلا ذكريات .. فكل شيء يهرم الا ذاكرة الشعوب .. ذاكرة الشعوب مرايا صادقة ترى الناس احجامها عليها كما ترى اشكالها عليها ، والمرآة كما هو معروف غير مسؤولة عن الشكول القبيحة .. وحتى حين تـُكسر المرآة فان الاشكال ستتشظى ولكنها لا تتغير بل ستتضاعف الاشكال فيها ان قبحاً أو جمالاً فلا تراهن يا صديقنا على انكسار المرآة فصورتك واحدة في كل أجزائها ..!
نعود الان الى مشهدنا الانتخابي لنحسب فيه الانكفاءات لمسميات كثيرة وبروز مسميات او لافتات جديدة فرضها الواقع الانتخابي بعد ان جــُرّبت حيثيات متعددة وذهب معها الشارع وعاد بخفي حنين .. اذن سيبحث الشارع عن خطى اخرى او بالحقيقة السياسية الصعبة ان الخطى نفسها ستبحث عن شوارع اخرى .. مازالت هناك رهانات جديدة ومغريات جديدة تحمل أفاقاً جديدة للمشهد .. فحين تتزحزح ثوابت معينة  ستولد ثوابت بديلة ..