كانت جدتي، لروحها السلام ، تقص علينا حتى ننام قصصا غريبة ، ونحن اطفال كانت تغرينا قصص الخيال وطريقتها الحكواتية في القص والاثارة والتشويق ، كانت تقص لنا حكاية مازلت اتذكر بعض جوانبها تسمى ” صدقت وردة النرجس وخالها محمد السلطان ” وملخصها ،أن امرأة تدعى ” وردة النرجس” وكان خالها سلطان الولاية ويدعى “محمد السلطان” كانت تقص على الناس قصصا وحكايات من خيالها الخصب وكان المستمعون اليها يتظاهرون بتصديق حكاياتها كوقائع لاتقبل الدحض والتكذيب والمناقشة ، لسبب بسيط هو ان خالها سلطان الولاية الملقب ” محمد السلطان ” كان يعاقب كل من يتجرأ على تكذيبها لغرابة احداث حكاياتها ولاواقعيتها ، لكن هؤلاء الناس ، ما ان ينفض المجلس ، مجلس الحكاية ، حتى يبدأون بالتغامز والتلامز وهم يرددون جملة ذهبت مذهب المثل الشعبي الساخر ” صدقت وردة النرجس وخالها محمد السلطان”..!
بعد سبعين عاما نكتشف ان وردة النرجس بحسب حكاية جدتي ، وليس الاسطورة اليونانية ، يتلبسها بعض السياسيين ،من مخرجات الصدف العراقية، واحدهم السيد مشعان الجبوري الذي يشبه جدتي في خيال حكاياتها فيظهر لنا في كل مقابلة متلفزة بحكاية من حكاياته المنمقة والتي يفشل في كل مرّة ان يسوقها لنا بسيناريوهات قابلة للفحص العقلي ، فالرجل يتحدث في كل مرّة من موقع مختلف الاتجاه والالوان ، حتى ان الوان هذا الرجل فاقت الوان القوس قزح ، مع فارق الجمالية الطبيعية في قوس قزح وتنافر الوانه من اقصى اليمين الى اقصى اليسار ..
تختلف حكايات مشعان عن خكايات جدتي في انها سيئة الاخراج وفاقدة لقيمتها السياسية ومدلولاتها ، سوى مدلول القص الرث يختلقها للاثارة المفضوحة التوجه والاهداف !
اما ” محمد السلطان ” فهو الاخ الاكبر محمود المشهداني الذي تعوّد مؤخرا ان يبصم بالعشرة لحكايات مشعان التي يتفنن في تقديمها بإداء مسرحي استعراضي يحسد عليه تماماً !
فالجمهور يتذكر جيداً صرخات مشعان وهو يولول ” كلنا لصوص ” ويقص لنا قصصاً عن الفساد المالي لهذه الطبقة السياسية وهو من جلدهم طبعاً ، وهي من القصص الناجحة لانها أوضح من عين الشمس ، ومنها ان المشهداني يأكل في ماعون ويلعب في ملعب آخر ، وهي القصة التي لم يبصم عليها المشهداني لاسباب خاصة جداً !
اما الخال ” محمد السلطان ” الملقب بمحمود المشهداني ، فعقليته التي اطاحت به من عرش رئاسة البرلمان ليس فقط حكاياته الاكثر غرابة من ابن الاخت مشعان ، وانما اعترافه بانه من جماعة ” أخذ المالات ” وليذهب هذا البلد الى الجحيم !
وحين تتعب جدتي من قص هذه الحكاية وكثرة اعادتها تقع في محذور تبادل المواقع فيصبح الخال هو مشعان وابن الاخت هو وردة النرجس ، لكن المحصلة واحدة هي التناغم في حكايات الخيال السياسية ، لشخصيتين سقطا من موقع المسؤولية ،الخال بسبب سوء ادارة مجلس النواب وابن الاخت بتزوير وثيقة دراسية !
عزيزي المواطن :
هل تستطيع ان تعد لنا كم خال وابن اخت يقصّون علينا كل مساء قصصا عن بلد الخرافة السياسية هذا ، قصصاً من صناعة الخيالات المريضة التي تذهب مذهب الامثال المبتكرة من طراز ” اكذب اكذب حتى تصدق نفسك ” وليس ” يصدقك الناس” !