الازمة التي تعصف بالبلاد (العراق) وخاصة مسلك العلاقة الهشة بين السلطة الشيعية والمحافظات السنية وتحديداَ في الأنبار، ومسألة العائدات النفطية والتعاقد مع الشركات الأجنبية ومد انبوب النفط من كردستان العراق الى تركيا رغم إعتراض المركز عليه، هيّ ليست بأزمة وليدة اليوم أو المدة التي بدأت بها المظاهرات ضد حكومة نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي، فهي خرجت من الرحم بعد سقوط الصنم في 2003. أضيف الى ذلك المشكلة التي يعيشها الإتحاد الوطني الكوردستاني داخلياَ في ظل غياب العم جلال، فمنذ فترة برزت هذه الخلافات بين قيادات الإتحاد الوطني وإحتلت مجمل وسائل الإعلام الكردية.
إلا ان حاجزاَ كان على متن السفينية التي تحمل مجمل الإختلافات يقود بها الى بر الأمان بين فية واخرى، ألا وهو الرئيس جلال طالباني.
فغيابه أكثر من سنة لاشك عليمٌ عند الجميع، فقد أخرج غيابه القمامة من بطين الأرض بما فيها من مشاكل سياسية مادية مذهبية وقومية، وتدحرجت بها الى ان وصلت ليومنا هذا الذي يوصف بالمليئ من الخلافات بين الحكومة المركزية، والإقليم والسنة الذين يعتبرون انهم مهمشون من قبل السلطة الشيعية التي يرأسها المالكي.
المشكلة هنا ليست في ان يكون لها مخرج حالياَ، فالجميع على علم ان التوصل الى آراء وطروحات مقبولة هي بقاء المشاكل على حطتها، إلا ان جرعة من التخدير يزيلها الى ما بعد إختلاف القيادات، التي بالتالي تنمو في الشارع العراقي.
المشكلة هو ان الرئيس مام جلال إلى اي مدى يبقى الحاجز أمام الخلافات، فالرجل يعاني حالياَ من جلطة دماغية رغم تحسنه شيئاَ فشيئاَ فهو تحت العناية الطبية في ألمانيا.
السؤال الذي يطرح نفسه، هل يظل العراق في غياب الطالباني واحة من الخلافات السياسية وقناة لتمرير وتصفية الحسابات؟..
عن مسألة الخلافات أيضاَ، لا يغفى عن الأبصار والأذهان، جرت إنتخابات إقليم كوردستان العراق في 21/9/2013، وخرجت هذه الإنتخابات بـ 38 مقعدا للحزب الديمقراطي الكردستاني من مجموع 111 مقعداَ برلمانياَ لتأتي بعده حركة التغير بقيادة نوشيروان مصطفى المنشق عن حزب طالباني بـ24 مقعداَ، ومن ثم الإتحاد الوطني الكوردستاني بـ 18 مقعداَ، وفي أكثر من 5 أشهر لم تتمكن قيادات هذه الأحزاب في التوصل الى صيغة لتشكيل حكومة عريضة اي حكومة شراكة وطنية، يشارك فيها وفق رغبة هذه الأحزاب مع الإتحاد الإسلامي الكوردستاني والجماعة الإسلامية، المفاوضات أخذت طابعاَ إعتيادياَ في أكثر من 3 جولات لا نتاج لها سوى ” متفقون على المشاركة في الحكومة وستشكل الحكومة قريباَ”..
إذا المشكلة ليست في الخلافات، الخلافات السياسية في العراق الجديد قد ولدت منذ العام 2003، المشكلة هيّ غياب الدور الريادي الذي كان يلعبه سابقا مام جلال في الساحة السياسية العراقية.
العراق بما فيه محافظات الإقليم الثلاث، على أعتاب الإنتخابات التشريعة المزمع عقدها في نهاية نيسان القادم، حيث يظن البعض هناك تغيير في الطريق يخرج من نتائج الإنتخابات، إلا أنني لا ارى لهذا التغيير نوراَ، كون العراق أخذ مجراه على مستوى الحكم، فالشيعة هم الأكثر عدداَ ثم السنة، لذا يبقى الحكم شيعياَ إلا انه ربما يطعم بأحزاب أو شخصيات بديلة عن المالكي، وهناك إحتمال وارد وهو الأكبر في إستلام المالكي زمام الحكم للمرة الثالثة على التوالي، وبإعتقادي، سيعمق ذلك الأزمة الشيعية السنية، بحيث أتوقع ان تصل المرحلة الى مقاطعة سنية برلمانية وحكومية كاملة في الوزارة القادمة.
على اي حال، الهدف هو توضيح ان موقع ومكانة السيد جلال طالباني لا تعوض إلا بعودته، ولم شمل الأطراف المختلفة، وغير ذلك، هل من أحد يستطيع أن يحل محله، او يلعب الدور الذي لعبه الطالباني خلال الاعوام الماضية؟..