السلطات الحكومية المركزية في الكثير من دول العالم تحتكر مجمل الثروات العامة ، وفِي دول أخرى تنهب الثروات الخاصة معظم الثروات الوطنية . ان المنهجين الاقتصاديين السابقين كانا في الغالب سببا رئيساً في زيادة معدلات الفقر والبطالة في العالم – كنتيجة نهائية ومحصلة لوجودهما – الامر الذي يجعلنا نتساءل عن إمكانية وجود فلسفة اكثر انصافاً .
ان النظرية التي اعرضها تحت عنوان ( المشروع الوطني للخدمة العامة ) يمكن اعتبارها اكثر انصافاً من وجهة نظري واعقل في فلسفة توزيع الثروة ، حيث لا يمكن ان تحتكر الحكومات – وهي موجودة من خلال نظرية العقد أو التفويض الشعبي – الثروات والكنوز العامة بشكل مطلق ، كما لا يمكنها منحه بشكل استغلالي لافراد قلائل لا يمتلك الآخرون فرصة لمنافستهم ، وربما هم أسوأ من وجود الحكومات البيروقراطية ذاتها ، لذا من المناسب ان نجد طريقاً عقلانياً لتوزيع الثروة العامة والسيطرة على هذا التوزيع وتنميته .
ان الدولة مفهوم اكبر من مفهوم الحكومة وأكثر دواماً ، لذا لا يمكن إخضاعها لرؤى مؤقتة أو مزاجية متغيرة ، بل يجب إيجاد فلسفة عامة اكثر استدامة .
على الدولة – بما انها تحتكر السيطرة على الثروة وتمنع الأفراد من استغلالها – كفالة مجمل الخدمات العامة الصحية كالمستشفيات وما شابهها ، والبلدية كالطرق وغيرها ، وبنى الطاقة التحتية كالكهرباء والحد الأدنى للوقود المنزلي ، والتربوية التعليمية ، الخ من الخدمات الأساسية والأمن ، والعمل على استدامتها وتنميتها كماً ونوعاً .
وعلى الدولة كذلك توفير الأرض المناسبة للسكن والخطة المساعدة للمواطن في بنائها وتطويرها . كما عليها توفير الحد الأدنى للغذاء من خلال برنامج وطني وعبر وكلاء معتمدين بنظام السلة الغذائية المغلقة . وايضاً توفير حد أدنى لمساعدات نقدية شهرية للفرد العاطل عن العمل ، وللأطفال من خلال رواتب آبائهم العاملين .
ثم عندها يمكن للحكومة السماح بنمو القطاع الخاص في مختلف المجالات – سوى المجالات الأمنية – المحلي أو الوافد ، ودون مشاكل لقيود ما ، حيث يمكن حينها ان يستوعب المواطن ثقافة الانتماء للقطاع الخاص .
على ان يدخل المواطن ضمن قوائم شبكة مشروع الخدمة الوطنية ، والتي تفترض عليه العمل التطوعي الموجّه ، الذي لا ينتهك كرامته ، من خلال مؤسسات الحكومة أو المنظمات المدنية المتعاونة والمعتمدة رسميا ، وفي جميع المجالات الإنسانية والصناعية والزراعية وغيرها خاصة أو عامة ، كما يكون اسمه على الدوام – من خلال هذا المشروع – معتمداً للتوظيف في حال توفّر الأماكن المناسبة لمؤهلاته – وهو امر تقيمه الحكومة – في مؤسسات القطاع العام ، أو الخاص الذي يكون ملزماً بالتعاون في هذا المجال . وفِي هذه الحالة يتم إيقاف المساعدة المالية الحكومية الشهرية وواجبات العمل التطوعي .