بدون شك ، كل الأصوات المشاركة في الانتخابات البرلمانية المرتقبة ، تدعو الى الاصلاح الشامل في كل البنى ذات المساس المباشر بحياة ومستقبل الشعب العراقي السياسية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية. فضلا عن محاربة الفساد. وكلها تدعو الى الحفاظ على اللحمة الوطنية للشعب العراقي والحفاظ على سلامة أراضيه. وبدون شك ايضا ان قسم من تلك الأصوات صادقة فعلا وتنشد الخير والاصلاح ، ولكن القسم الاخر ، وأتمنى ان يكون صغير الحجم ، إنما يتحدث أصحابها عن الاصلاح ومحاربة الفَسَاد للضرورة الانتخابية ، وليس إيمانا منها بالإصلاح ، وبين هذا وذاك ، يبقى المواطن العراقي في حيرة كيف يفرق بين الاثنين. كيف يفرق بين الصح والخطأ. وفِي الاخر كيف يتدبر امره.
القول وادعاء المناهج اثناء الحملات الانتخابية شيء والثبات على تلك الاقوال والبرامج في ما بعد الانتخابات شيء اخر. انهم اعتادوا ان يقولوا ما نسمعه الان ، فقد قالوا كلام مثله او مشابه له، في كل حملة انتخابية في ال ١٥ سنة الماضية ، ولكن وللاسف ، لم يعرضوا ولا مرة من المرات ، التزام او ثبات على الوعود التي قطعوها ، بل تعود الأمور الى حالها السابق او اسوء منه حالما تنتهي الانتخابات. وما يلفت نظري كثيرا ، بالمقارنة ، ان اكثر الإعلانات الانتخابية في اجزاء كثيرة من العالم تشير الى او تؤكد التزام المرشح بالوعود التي يقطعها امام جمهوره الانتخابي.
الوجوه الجديدة التي ستحل محل الوجوه القديمة في البرلمان القادم ، ان حصل ذلك ، قد لا تحل المشكلة المعقدة التي عليها الحال العراقي الان. المسالك غير الشريفة مازالت كثيرة. فربما يكون البعض منها اسوء ممن سبقها. ولكن المهم الان والذي لا بد منه ، هو التركيز والتدقيق في الأشخاص والبرامج الانتخابية التي من المؤمل ان تلبي طموحات وتطلعات الشعب العراقي والإيفاء بها ، وأولها نبذ كل الممارسات والسلوكيات المشينة التي تعتلي المشهد السياسي السائد في العراق منذ الاحتلال وحتى يومنا هذا.
قلما يوجد مشهد مخزي في العالم من غير استثناء ، كالمشهد الذي يسود العالم العربي والإسلامي ، انتخابات صورية محسومة النتائج من قبل ان تجري ، سواء كانت برلمانية او رئاسية ، وتبقى العلامة الفارقة التي تميزها عن الانتخابات الاخرى في ارجاء المعمورة ، انها تفتقد للنزاهة والشفافية. والادهى من ذلك ، أن لا انتخابات برلمانية ولا رئاسية في بعض الدول العربية.
قد تتوفر غايات مريضة لدى البعض الذين تهيأت لهم الفرصة وجروا بنا الى ما نحن فيه الان. ولكن ينبغي ان نأخذ ببالنا ، ان التعصب والجهل يرسمان غشاوة على اعين من يحملون جراثيم هذين المرضين بحيث لا يَرَوْن أمامهم غير الكره والحقد والانغلاق على الاخر ، ليشكلوا بمرور الزمن قشورا لا يمكن كسرها او اقتحامها ، بحيث تبقي على من يكتسبوا هذين الوبائين ، من غير ان يشعروا ، لان يعيشوا بمعزل عن كل ما هو جميل ومشرق يتطلع اليه الشعب العراقي.
اللوم بالتأكيد لَا يقتصر على هذه الفترة ومأسيها فحسب ، وأن كانت اكثر قساوة من الفترات التي سبقتها ، بل يمتد لابعد من ذلك بكثير ، فالكل اصابه التعصب والجهل ، من هذا الجانب او ذاك ، واختط لنفسه دون سواه صواب الرأي ومشروعيته ، ورسم لنفسه الحصانة من المسائلة ، وذهب يخطط بعيدا عن اية مراقبة او محاسبة ، ولا يلوم على خطئه ، عندما تقع المصيبة ، غير الشعب نفسه الذي هو تحت وطئته.
ان الثبات الذي ابداه د. غسان العطية ، راعي المبادرة الوطنية ، وغيره وهم كثر ، طيلة ال ١٥ سنة الماضية ، في الدعوة للحفاظ على وحدة الشعب العراقي والحفاظ على سلامته الإقليمية ، والتصدي لكل السياسات الإقليمية والدولية التي تروم التدخل في شؤونه الداخلية والنيل منه ، ودعوته الى نقل الصراع الإقليمي الدائر الان الى تعاون تستفيد منه شعوب المنطقة كافة سواء كانت عربية او إسلامية ، وكذلك الثبات الذي يبديه في الدفاع عن حقوق المواطن العراقي ، ودعوته المستمرة الى المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات ، بغض النظر عن انتمائهم الثقافي او العرقي ، واصراره على تحقيق المساواة بين المرأة والرجل ، ونبذ نهج الكراهية أيا كانت حجته ، ودعوته الى احترام كل الألوان التي يعشقها ويؤمن بها ألفرد العراقي ، سواء كانت ثقافية او عرقية ، ان كانت لا تتقاطع والصبغة الوطنية العراقية ، بوصفها مكتسبات مشروعة ، فهذه الافكار الجميلة ، كلها مجتمعة تفتح أمامنا نافذة للنظر الى سلوكية ومنهاج هذا الرجل العراقي.
وفِي كلمة خاتمة ، اما أن آن الأوان في العراق ، لان نقول كفى للافكار والانتماءات والممارسات الخاطئة ، أيا كان مبعثها او قوتها ، فمن يغذي الفساد ويتستر عليه غيرها؟ الم يحن الوقت لنطوي صفحة امس بكل أحزانها ومآسيها ، ونفتح صفحة جديدة مشرقة تليق بالعراق وبالشعب العراقي ولكي ينعم المواطنون من غير استثناء بحقوق متساوية لا تستثني احد ، اي احد ، من ذلك؟ ولا اعتقد ، واجزم في ذلك ، ان ذلك صعبا او عسيرا ، لاسيما وان المواطن العراقي ، في كل شبر من أرض العراق ، قد عبر عن تلك الرغبة وبعفوية ، وان كل ما يحتاجه الشعب العراقي الان الى من يترجم تلك المطالَب المشروعة الى واقع ملموس.