لا شك ان المشروع الوحدوي القومي العربي يواجه معضلة وتحداً كبيراً، ويواجه مشكلات كبيرة جداً، خاصة واننا عانينا من بعض الهزائم في السنوات الأخيرة. لكن هذه الهزائم لا تعني نهاية امتنا العربية. ان امتنا هي امة خالدة قادرة دائماً على التجدد ومواجهة كل المعضلات والتحديات.. فهذه الامة هي امة رسالة وحضارة.. امة تكونت منذ آلاف السنين واستمرت رغم حالات الغزو ومحاولة طمس هذه الامة، الا انها بقيت واقفة وخرجت من هزائمها في حالة اقوى وفي حالة افضل، وكانت المحن تزيدها عنفواناً دائماً.
فنحن اليوم في اقصى حالات الاستنفار بالنسبة لاهمية الفكرة العربية واهمية المشروع العربي الواحد واهمية بعث هذه الشعارات التي هوجمت وكادت تندثر خلال الفترة الماضية لكثرة المشروعات المضادة وكثرة الاجراءات المضادة وحالة خمول الشعوب في الفترة الماضية وطغيان نظم الحكم.. هذه الصورة في ذاتها مستفزة في هذه الايام وتستنفر القوى الشعبية والسياسية والوطنية التي تجمع جهودها بكل ما تستطيع من اجل هذه الفكرة.
المهم، ان نعرف جميعاً كيف ندير الصراع، وكيف نواجه حالة التحدي الراهنة وكيف نواجه حالة الهيمنة الامريكية التي تريد فرض ثقافتها وحضارتها على مشروعنا العربي وامتنا العربية وفي اقطار امتنا المجزأة، بحيث تحاول ان تقيم حالة الفصل بين اجزاء وطننا العربي.
وهنا نتساءل: كيف ندير دفة الصراع، وهذه قضية في غاية الاهمية، وكما اعتقد فان ادارة كفة الصراع هو في اباحة الديمقراطية في وطننا العربي بحيث يستطيع المواطن والمفكر والسياسي ان يمارس دوره دون خوف وايقاف الممارسات الخاطئة من خلال الحوار الديمقراطي ومن خلال آليات العمل الديمقراطي المختلفة.. ايضاً ان وقف هذه الهيمنة الامريكية على امتنا العربية وعلى الوطن العربي تتطلب منا ان نكثف الجهود لتحقيق اي هدف من اهداف الوحدة.
ان حل المشكلة او كل المشاكل، لن يكون ما لم يكن في اطارها القومي وستبقى تتعثر وتنهزم امام القوى الخارجية والمشروعات المضادة، وهذا اصبح سائداً بين الرأي العام. لذا فأن مهمة القيادات العربية الآن في تجميع الجماهير هي اسهل منها قبل عشر او عشرين سنة لانه وبعد مرور هذه المدة وفشل كل المشروعات البديلة واحكام السيطرة الاجنبية واحكام المشروعات الانهزامية وفرض وجودها على الوطن العربي اصبح هناك شبه يقين لدى كل الناس، ان المخرج الوحيد هو الاطار القومي لمواجهة هذه المشاكل.
ان المشروع الوحدوي القومي العربي ليس مشروعاً اعد لفترة معينة من حياة العرب ولا هو مرتبط بأي مرحلة او بأي فترة من الزمن وانما هو مشروع دائم مع العرب يماشي الحياة العربية مماشاة دائمة بل بالاحرى يجب ان
يكون محور الحياة العربية وانما الذي يفهم منه ويجب ان نعالجه مفهوم هذا المشروع في كل فترة من هذه الفترات…
في رأيي الآن.. ان هذا المشروع يجب ان يفهم من ضمن اطار العوامل الفعالة في هذه الفترة من زمن العالم، واهم هذه العوامل، ان الشعوب جميعاً تجابه تحديات هائلة وتختلف هذه الشعوب فيما بينها بقدر ما تكون قد جمعت من قدرات لمجابهة هذه التحديات..
في الماضي يمكننا ان نقول ان المشروع الوحدوي كان شرفاً، اما الآن فليس ترفاً وانما هو شرط اساسي لا لترقى الامة العربية وانما لمجرد بقائها، لأن بقاءها مهدد بالاخطار الخارجية ومهدد ايضاً بالمفاسد الداخلية، لذلك يجب ان نبقى متمسكين بالمشروع العربي وان نؤكد بأن محتواه الحضاري الذي يقوم على انشاء المواطن والانسان العربي الجديد المتحلي بالصفات العقلية والخلقية التي تسمح له بان يبقى في هذا العصر ومبدعاً فيه.
لذلك اعتقد بأن الواجب الاول لمن يهمه بقاء امته ولا مجرد ترقيتها.. الواجب هو الصمود في وجه كل التحديات الداخلية والامساك بالخط مهما كان ضئيلاً الخط الاساسي وهو وحدة هذه الامة وتقدمها الحضاري وعطائها الحضاري لانه بدون هذا الشرط الاساسي لا يمكن ان نعالج أية قضية من قضايانا او ان نصد أي خطر نتعرض له او اية خلخلة في حياته.
اننا اليوم اذا اردنا ان نعتبر الوضع العربي العام يستوجب علينا ان نقوم بالواجبات التي يتطلبها المشروع الوحدوي الجديد، فلا حل لأية قضية سياسية او قومية الا بتجميع القدرة العربية، ومادامت القدرة العربية ضعيفة كما هي في الوقت الحاضر، فهذا المشروع او اي مشروع آخر، سوف يؤدي الى الخيبة في المستقبل لاننا نقوم ببنائه على رمل وليس على قاعدة صخرية قوية.
البناء الذي سوف نقيمه من اجل قضايانا المصيرية يجب ان يكون مبنياً على اساس متين، والاساس المتين هو القدرة العربية في شتى المجالات العسكرية والسياسية والاجتماعية والعقلية، وقبل كل شيء آخر جو التحرر والحوار بين الاقطار العربية وبين شعوبها.
ان نجاح القطرية وتوقع نجاح امثلة اخرى مغايرة للوحدة العربية مستقبلاً، كالمناطقية والعشائرية.. فان كل تنظيم من هذه التنظيمات القطرية والمناطقية تحتاج الى شرط اساسي وهو سد كل الثقوب التي تتسرب منها اسباب الضعف العربي، فاذا لم نداوِ اسباب الضعف العربي اساساً، لا القطرية تنجح ولا القومية تنجح، ومن وسائل مداواة الضعف العربي في هذا العصر الذي يقوم على التكتلات ان يكون لنا ايمان عميق بان هناك تكتلاً له جذوره التاريخية، وله امكاناته المستقبلية، وهذا التكتل يجب ان لا نهمله ونبقى متعلقين به، وان نبذل كل ما هو ممكن لانجاحه ومهما عظمت المصائب لكي نحميه.
وفي نهاية الأمر، فالقطرية او القومية مبنية على قيمتنا الذاتية، فالذين يريدون ان يناضلوا بين هذا وذاك خير لهم ان يفاضلوا بين تخلفنا في الوقت الحاضر وبين واجبات الحاضر، وعلى هذا الاساس تنجح القومية او القطرية.
ان التكتلات الدولية الموجودة، سواء ما ظهر على السطح او ما اختفى لكونه في مرحلة التكوين هذه، تؤكد انه لم يعد للكيانات الصغيرة اي دور ممكن في وسط الديناصورات المتصارعة في العالم، وانه لا مناص من ان تتكتل الامة العربية، وان تكتلها هو امر طبيعي وشرعي وواجب واكثر من كل الكتل الموجودة في العالم، بحكم المقومات المتوفرة في الامة العربية في اكثر من التجمعات الاخرى من حيث اللغة والدين والتاريخ، ومن حيث توفر الامكانيات الاقتصادية التي يمكنها تكوين اقتصاد قوي في مواجهة الاقتصاديات العالمية وفي تكوين أمن قومي قوي في مواجهة القوى الطامعة في وطننا العربي، وكل هذه الامور كونت قناعة لدى الناس في امكانية عودة هذه المسلمات التي اريد طمسها وهجرها.
ان امريكا وقوى الغرب وفي مقدمتهم اسرائيل التي هي صنيعتهم والتي سخرت لاداء الدور الذي تقوم بتأديته في وطننا العربي، حيث تقوم بتقسيمه وضرب تقدمه والسيطرة عليه والتوسع.. الخ، هذه الهجمة الشرسة تتعامل مع العرب ككتلة وليس تتعامل معهم كأفراد وتعادي العرب كعرب ولا تفرق ان كان هذا عراقياً او مصرياً او مغربياً.. لذا لا بد ان نقوم كعرب بمواجهة هذا الخطر وهذه المطامع ككل في ظل الظروف التي تجمع فيها هؤلاء لغرض الاتفاقيات المهينة، والتي حدثت في ظل السيطرة المحكمة الآن على اجزاء من الارض العربية وعلى اهم مصادر الثروة العربية.. الاجراءات السياسية هدفها فصل الوطن العربي وتجزئته الى مشرق ومغرب والى قوى تخضع لاسرائيل وامريكا، وهذه العمليات كلها مسألة مهمة جداً، لذا يجب على القوى العربية والقوى الوطنية العربية كلها ان تتجه الى ضرورة التوحيد، لانه اذا كان بعض العرب قد صاغ لنفسه بأن التفاوض مع اسرائيل هو امر مشروع وان هذا هو موقف حضاري كما يعبر عنه البعض الآن، ثم يمتنع عن مد يده لاخيه العربي او يصفي الامور ما بينه وبين اخيه، انه امر في غاية الخطورة، فلم نكن ان نتصور ان يقوم بعض العرب في حصار الآخر او بعض العرب يساعد في تدمير شعب آخر ويضعه في مأزق. وهناك امثلة اخرى على التصرف غير المسؤول في الوطن العربي ازاء اقطار عربية وازاء شعوب عربية شقيقة مساعدة لتحقيق اهداف القوى الطامعة في المنطقة والقوى الصهيونية، وان هذه العمليات هي في غاية الخطورة خاصة وانها تنم بشكل واضح وجلي.
اذا قلت انني اليوم ادعو الى الوحدة الاندماجية، فلا شك دعوتي ستكون غير واقعية في المستقبل المتطور رغم انني مع الوحدة وغاية المشروع القومي الحضاري، لكن لنبدأ في مرحلة الضعف التي تمر بها امتنا الآن، لنبدأ بأي عمل تنسيقي، كخلق كونفدرالية في الاقطار العربية في شمال الجزيرة العربية، بلاد الشام والعراق، حتى
توقف تغلغل الثقافة والاقتصاد الاسرائيلي في منطقتنا العربية، فأننا كما نعرف قد تكون بلاد الشام وفلسطين والاردن وغيرها، قد تكون جسراً للثقافة الاسرائيلية الامريكية وللاقتصاد الامريكي الاسرائيلي، ولمواجهة هذا الخطر، لا بد من اقامة حاجز او شكل من اشكال الوحدة وهو الحد الادنى المطلوب الآن بين اقطارنا العربية في شمال الجزيرة العربية، بلاد الشام والعراق، ولا بأس ان ينضم اي قطر لهذه الكونفدرالية، لكن هذه المنطقة في شمال الجزيرة، هي المستهدفة بالغاء هويتها والسيطرة على مقدراتها، فلا بد من ان يتم التنسيق بالحد الادنى او تحقيق شكل من اشكال الوحدة بين اقطار هذه المنطقة.
وهذه الحالة المطلوبة في الاقطار العربية شمال الجزيرة العربية هي لوقف اي مزيد من تشذرم الامة العربية ووقف الهيمنة الامريكية الاسرائيلية. وحتى نوقف أية تراجعات مقبلة للمشروع الحضاري القومي العربي والذي هو كفيل بانقاذ امتنا من كافة ما يحيط بها من مؤامرات سواء مؤامرات تفتيتية وهيمنة المشروع الصهيوني على مقدرات امتنا وبالاستثمار الامثل لثرواتنا وتحقيق الاكتفاء الذاتي والامن الغذائي والسكاني والقومي وكافة مناحي الحياة لامتنا العربية، هي بالاساس محاولة صحيحة لوقف الاستفراد في فلسطين وفي الاردن وسورية والعراق، كما ان هذه الكونفدرالية بين دول شمال الجزيرة العربية تساعد كل دولة في هذه الساحات من الخروج من ازماتها المختلفة.
[email protected]