ماتزال العملية السياسية تسير ببطء، وماتزال معظم مشاريعها يشلها الركود وماتزال اكثر القوانين تتردد بين مجالس الرئاسات الثلاث ، واداء بعض الوزارات على حالها .وتشنجات هنا وتقاطعات هناك، وتشكيكات واتهامات، ما يؤشر بوضوح وجود ازمة سياسية معقدة. وبطبيعة الحال فان بقاء هذه الازمة يعني وجود خلل وتقصير واختلاف في الرؤى وفي مناهج واساليب ادارة هذه الازمة، الحراك السياسي الاخير الذي تبلور عنه نشوء الاتفاقات والتحالفات ،ووصول بعض الاطراف الى قناعة تامة بخطأ التصورات السابقة وبضرورة احلال مبادئ العدالة والمساواة بدل الاستحواذ والاستئثار والهيمنة على كل المقدرات والامتيازات، يجعل من مسألة حل هذه الازمة امرا ممكنا وسهلا شريطة توفر النوايا المخلصة وتنازل مشترك من جميع الاطراف والانطلاق الى بناء علاقة مشتركة اساسها الثقة المتبادلة ووضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار. لانه لابد للعراق من الخروج من هذه الازمة الخانقة والتفرغ لعملية البناء والاعمار واحلال الامن والاستقرار، لقد جربت الاطراف المشاركة في العملية السياسية والاطراف التي مازالت خارجها خلال الاعوام العشرة المنصرمة اساليب عديدة لمعالجة الازمة ومنها الاستعانة باطراف عربية ومحلية واجنبية، فعقدت لهذا الغرض الكثير من المؤتمرات الاقليمية والدولية، صدرت عنها توصيات ومناشدات ومقررات كثيرة ونشأت جراءها وساطات وتدخلات متنوعة لكنها لم تفض لحلحلة بسيطة للازمة بل زادتها تعقيدا وزادت اطراف العملية السياسية تشتتا وتباعدا واختلافا!.
ولابد ان جميع قادة العملية السياسية -وبعد مضي كل هذا الوقت من عمر العراق والعراقيين هدرا- قد تنبهوا لما يراد بالعراق وبهم ووعوا حجم الطوفان الذي سيطول الجميع وفداحة الكارثة التي لم ولن تستثنى احدا وانهم سيتحملون وزر وعواقب تعنتهم.
وان التضحيات الجسام التي قدمتها الجماهير العراقية الصابرة- دعماً لمسيرة التغيير واسناداً للقوى السياسية التي اخذت على عاتقها مسؤولية قيادة البلاد في اخطر مرحلة من مراحل التاريخ العراقي المعاصر-هذه التضحيات التي تمثلت بالوقوف بوجه اعتى هجمة ارهابية بربرية شهدها العالم القديم والحديث، وانجاح عدة عمليات انتخابية واستفتاء سيرا على حقول المفخخات والعبوات وتحت مطر الهاونات والقذائف ووسط حشد الاحزمة الناسفة والمتفجرات، كما تجسدت بالصبر الاسطوري لهذه الجماهير على انعدام الخدمات وشظف العيش وتفشي البطالة والحاجة لابسط مقومات الحياة طيلة السنين المنصرمة.
هذه التضحيات لن تتكرر، وهذا الصبر لن يستمر الى مالا نهاية خاصة وهذه الجماهير ترى وتسمع يوميا وتفصيليا انشغال بعض المسؤولين بمصالحهم الخاصة وتمتعهم باموال العراقيين باسراف واضح بينما تستمر وتيرة معاناة المواطن المكدود دون ان يلوح في الافق ما يبشر بانفراج الازمات وعودة الحياة الطبيعية والعيش المرفه الكريم.
لا شك ان الفرص التي مرت لن تتكرر، وان الذي ذهب من عمر العراق والعراقيين هدرا لن يعود ولن يعوض، وان ما تبقى من الوقت والفرص بيد المسؤولين قليل وان ثقة الجماهير اهتزت وتململها اخذ بالتصاعد وقريب من الانفجار فما على المسؤولين الاّ الاسراع في انهاء الخلافات وتجاوز المصالح الشخصية والحزبية والفئوية لاخراج الازمة من حالة الركود الى واقع الحل الذي يخدم العراق والعراقيين طالما ان الجميع قد توصلوا الى قناعة كاملة بأن التباطؤ والتلكو في اتمام المشروع السياسي الجديد سيعيد العملية الديمقراطية الى خط الشروع وربما يقلب الاستقرار الامني وتراجع العمليات الارهابية واندحارها وانحسارها في معظم مناطق العراق وقد يعيد الاوضاع الى ما كانت عليه في الاعوام الماضية بل قد تزداد تدهورا بسبب تراجع المد الشعبي وفتور حماسه، خاصة ونحن مقبلون على مرحلة تحرير العراق من دنس عصابات داعش الارهابية وارساء دعائم حكومة جديدة .