23 ديسمبر، 2024 11:52 ص

المشروعان الإيراني والسعودي في العراق

المشروعان الإيراني والسعودي في العراق

هناك العديد من المفكرين العرب والعراقيين يتحدثون عن التأثيرين الإيراني والسعودي في العراق ككفتين متعادلتين، بالطبع هم جميعا من الشيعة لأنهم بحاجة لإيجاد قرين لإيران في العراق حتى لو كانت نسبة التأثير الإيراني في المشهد العراقي 95% ونسبة التأثير السعودي في العراق 5%. وهم يحاولون تجنب التفاصيل عند الإشارة الى هذا الموضوع، لأنهم يعلمون علم اليقين إن الشيطان يكمن في التفاصيل، وعندما تجادل أحدهم عن مدخلات ومخرجات النظام الإيراني في العراقي مقارنة مع السعودية؟ سوف يتهربون من الجواب، لأن أركان حججهم هشة ولا تصمد تحت ثقل الواقع.
وفي أحاديثهم عن الإرهاب يفتحون النار على المملكة العربية السعودية ويبرأون إيران على حد قول أحد أقزامهم في العراق القيادي في الحشد الشعبي (معين الكاظمي) الذي أدلى بتصريح مثير في 2/4/2018 وهو تصريح مثير للسخرية وليس للدهشة بقوله” أن ايران دولة السلام في المنطقة وأي تهجم عليها من قبل أي سياسي سيكون هدفا لنا ومصيره القتل”، هكذا بكل بساطة مصيره القتل!! كالعادة مرٌ هذا التهديد بالقتل مر الكرام في دولة القانون مع أن القانون العراقي له أحكام خاصة في حال التهديد بالقتل، ولكن الدستور والقوانين العراقية تخضع لمنطق لأقوى وليس منطق العدالة. ولو أدلى بهذا التصريح أحد زعماء أهل السنة مهددا بأنه أي سياسي يتهجم على تركيا أو السعودية يكون مصيره القتل، لأقام شيعة إيران القيامة وخضع صاحب التصريح الى القانون/4 إرهاب، وهو قانون مفصل على أهل السنة فقط! وإلا كيف يمكن تفسير تصريح زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي في احتفال عام” أن الحشد لن يغفر لمن يسيء إليه أو ينتقص من دوره ورموزه، معترفا بملء الفم أن العصائب التي يرأسها هي التي اختطفت الإعلامية أفراح شوقي ومن بعدها النشطاء السبعة، وكان بمقدورها تصفيتهم ولكنها أفرجت عنهم بعد أن حققت معهم، وحذرتهم مما أسماه التطاول على الحشد المقدس مستقبلا”. هذا الخزعلي أحد قادة الحشد الشعبي، ويبدو إن سلطته أكبر من سلطة زعيمه البائس حيدر العبادي، ما يسمى القائد العام للقوات المسلحة، الذي لم يجرأ طوال أربع سنوات عجاف من حكمه أن يرد على تهجمات زعماء الحشد وسخريتهم منه شخصيا، وتحديهم أياه بوقاحة، والهزء بجيشه والحاق العار به لهروبه أمام داعش، ومخالفتهم الصريحة لأوامره، والمصيبة ان هذا العبادي مصرا بأن الحشد يخضع لسلطته، مع ان زعماء الحشد صرحوا مرارا وتكرارا بأن يتسلمون الأوامر من خامنئي والجنرال سليماني، فهل هذا غباء إم استغفال طالما ان العراقيين يعرفون هذه الحقيقة؟
فقد صرح القيادي الإرهابي ( معين الكاظمي) في حديث صحفي له في 20/6/2017 ” أن اوامر الحشد الشعبي تأتي بالتنسيق بين قاسم سليماني وحيدر العبادي، وأن قاسم سليماني هو من أمر قادة الحشد بالتوجه نحو تحرير البعاج، وصولا إلى الحدود العراقية – السورية بعد تأجيل معركة تلعفر، وكنا نعتقد ان للعبادي على علم بهذا الامر”! أمر غريب فعلا، قوات عسكرية تتحرك دون علم قائدها، هل هناك مهزلة أشد من هذه؟
لم يكتفِ معين الكاظمي ـ أعاننا الله على عمالته وسفالته ـ بهذا التهديد والحقيقة المرة، وإنما كرر تصريحات شياطينه في قم ” إن السعودية هي العدو الاول لنا ونرفض المساس بايران من قبل اي جهة سياسية فنحن مشروعها في العراق”. ولو سألت هذا الأمعي عن المشروع السعودي في العراق لدار حول نفسه كما يدور الحمار حول الرحا، لأن المشروع الإيراني واضح ومعلن ويمكن أن يُستدل عليه من خلال تصريحات المسؤولين الإيرانيين وأقزامهم في العراق، وهو ان يكون العراق ولاية تابعة للإمبراطورية الساسانية المقبورة، أي هي أطماع إستيطانية لا تختلف إطلاقا عن الإستيطان الإسرائيلي للأرض المحتلة.
ان الحشد الشعبي في العراق هو الرديف الأول للحرس الثوري الإيراني بإعتراف قادته، فقد أكد نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في 21/4/2017 أن” الحشد الشعبي جزء اساسي من قوات القدس الايرانية”. وصرح المهندس أيضا ـ بلغة فارسية ـ فلم وثائقي بثه (تلفزيون أفق) في 4/4/2017 بالقول” لولا فتوى المرشد ودعم إيران لما تمكنا من إنشاء وتأسيس الحشد الشعبي، وأن نجاحنا نحن مرتبط بدعم إيران والجنرال قاسم سليماني، وأكثر شخصية أحبها بعد المرشد هو الجنرال قاسم سليماني، الذي تربطني به علاقة الجندي بقائده، وهذا فخر لي ونعمة إلهية”. وأضاف بوقاحة لا مثيل لها ” نحارب من أجل إيران، ومن أجل العراق والإسلام، ولا توجد لدينا أي خشية من قول ذلك؛ لأن إيران بالنسبة لنا كأم القرى”.
العجيب انهم يتاجرون بالدم العراق وتجييره لصالح ايران، فالعراقيون هم الحصن الحصين لإيران كما أكد رئيس هيئة الاركان العامة للقوات المسلحة الايرانية اللواء محمد باقري في 23/4/2017 في رسالة وجهها بمناسبة الذكرى السنوية لتاسيس حرس الثورة الاسلامية ” ان الحرس الثوري بمواكبة المقاومة الاسلامية في العراق اصبح درعا أمنيا للشعب الايراني خاصة بعد اقرار قانون الحشد الشعبي”. (وكالة تسنيم الدولية للانباء23/4/2017). لاحظ إن فكرة تأسيس الحشد هي إيرانية وقام المالكي وخلفه العبادي على تنفيذها كما أراد الولي الفقيه، فقد طالب عضو لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني محمد صالح جوكار في 17/5/2016 بتشكيل قوات حرس ثوري في العراق على غرار الموجود في إيران، عبر دمج الفصائل والمليشيات الشيعية في العراق وجعل مليشيا (سرايا الخراساني) نواة لها. لتكون النواة الأولى لتشكيل الحرس الثوري العراقي”؟ هو إذن حرس ثوري عراقي، وما تسمية الحشد الشعبي سوى ذر الرماد بالعيون.
الطريف أنه حتى حلُ هذا التشكيل الميليشياوي الهجين رهن الخامنئي وليس العبادي، فقد صرح القيادي في حزب الدعوة عباس البياتي في 18/4/2017 ” إن الحشد الشعبي لن يلغى إلا بامر من ايران وبالتنسيق مع القائد العام حيدر العبادي”. كما أكد المتحدث بأسم هيئة الحشد الشعبي أحمد الأسدي في 27/3/2017 ” أن أي رئيس الوزراء لا يمتلك صلاحية حل الحشد الشعبي بوصفه قانوناً مشرعاً ولا يمكن إلغائه إلا بتشريع قانون آخر رديفاً له وبالتنسيق مع الجانب الايراني”.
لكن ما هو المشروع الإيراني في العراق؟ وما هو المشروع السعودي في العراق؟
كي لا تختلط الأوراق على القاريء سنقرأ المشروع من قبل مسؤول ايراني رفيع، فقد صرح العميد ناصر شعباني قائد الفيلق الرابع في منطقة كرمانشاه غربي ايران ومستشار قاسم سليماني في 20/11/2016 أن” اقرار قانون الحشد الشعبي سيمهد الى جعل العراق ضمن الامبراطورية الايرانية القوة العظمى بوجه الولايات المتحدة”. كما أكدت ميليشيا النجباء من تشكيلات الحشد الشعبي في 1/4/2018 صحة المعلومات باستلام اوامرها من قائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني سيايا وعسكريا، فقد ورد في بيان لها” نحن كباقي فصائل الحشد نستلم رواتبنا ومخصصاتنا من الدولة العراقية لكن اوامرانا نستلمها من قاسم سليماني والعبادي على بينة من ذلك فنحن لدينا مشروع عقائدي هو مشروع ثورة الامام خميني. اننا في النجباء نؤكد على عدم خروجنا من مشروع خميني روحنا لها الفداء وستبقى النجباء مع سائر فصائل الحشد الشعبي الذراع القوي لايران ،وسنرفض اي توجيه من العبادي وغيره ان يجعل الحشد الشعبي تحت رحمة المصالح الامريكية”. إذن المشروع الإيراني لا يحتاج الى تعليق!
لكن ما هو المشروع السعودي في العراق! هو بكل بساطة عودة العراق الى حاضنته العربية وفك اللحام عن حاضنته الفارسية، وكذلك الأمر مع لبنان واليمن وسوريا، ولم يغرد أي مسؤول سعودي خارج هذا السرب العروبي.
وفي الوقت الذي يصب فيه قادة الحشد حقدهم على النظام السعودي ويصفونه بالإرهاب ـ مع انه من الدول التي تعرضت الى الكثير من الأعمال الإرهابية على العكس من ايران التي خلت ساحتها منه ـ فإن محاربي الإرهاب المزعوم (الحشد الشعبي) يأوون ويدعمون ويتحالفون مع منظمة مصنفة دوليا كإرهابية! فقد صرح القيادي في الحشد الشعبي، هادي الجزائري في 12/1/2017 ” بالنسبة لنا PKK حلفاء لنا لطرد الداعش وأفضل من الحكومة التركية، ونحن لا نصنف الـ PKK كمنظمة إرهابية”.
لنقرأ معا تصريحين مثيرين أحدهما للقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي في 21/4/2017 حيث قال” ان الحشد الشعبي تشكيل وطني يخضع للدولة والدستور. ان العراق دولة ذات سيادة وقانون الحشد الشعبي جعله قوة تابعة للدولة العراقية وتحت سيطرتها، وهذه القوة تدين بالولاء للعراق وشعبه وليس لأية دولة اخرى”.
حسنا يا العبادي، لنقرأ الآن تصريحا لأوس الخفاجي في 10/4/2017 وهو قائد ميليشيا أبوالفضل العباس، ثاني أهم فصائل الحشد بعد عصائب أهل الحق” إن الانقلاب العسكري وعزل حكومة العبادي، هو السبيل الوحيد لاستعادة القرار العراقي المرتهن لواشنطن”.
والآن لنتحدث عن رباط الكلام
حصلت ميليشيا عصائب أهل الحق الموالية لإيران على مقعد واحد في الدورة البرلمانية السابقة، وحصلت خلال هذه الدورة (دورة التزوير النيابية) على خمسة عشر مقعدا، وهذا يعني الإحتمالات التالية:
1. ان ميليشيا العصائب حصلت على هذه المقاعد بالتزوير، لذا فهي ترفض العد والفرز اليدوي خشية من فقدان مقاعدها.
2. ان الشعب العراقي (شيعة العراق) صار مؤمنا بمشروع الخميني في العراق، ويعمل من أجل تحقيق هذا المشروع الإيراني، لذا دعم شيعة العراق الميليشيات التابعة لدولة الفقيه ومنها منطمة بدر والعصائب، فحققت نتائج مهولة خلال الإنتخابات الحالية.
بالطبع لا يمكن قبول ان فكرة تضحيات الحشد تقف وراء هذه الزيادة في المقاعد، خمسة عشر ضعفا مع تذمر جميع محافظات أهل السنة من سلوكيات الحشد وجرائمه من ارهاب وعمليات خطف واعتقال ونهب ممتلكات تفند هذه الفكرة.
الممخضة في هذا المقال:
1. أثبتت نتائج الإنتخابات التزويرية انه لا يوجد مشروع سياسي في السعودية، ولم يتحدث اي سياسي عراقي (ما عدا المحللين الشيعة) عن الدعم السعودي لقائمة إنتخابية معينة. كما انه لا توجد ميليشيا في العراق مرتبطة بالنظام السعودي، يمكنها ان تستخدم عناصرها المسلحة في إجبار سكان المناطق الخاضعة لنفوذها لدعم قائمة إنتخابية معينة، على العكس من النظام الإيراني.
2. ان الإدعاءات بأن التيار الصدري معارضا للتدخل الإيراني كذبة صدرية كباقي الأكاذيب انطلت على بعض الجهلة والسذج، فالتحالف الصدري (سائرون) مع قائمة الفتح تحت خيمة الجنرال سليماني، أثبت بما لا يقبل الشك ان الصدر لا يختلف عن نوري المالكي وهادي العامري وأوس الخفاجي وقيس الخزعلى، وابو مهدي المدرس، جميعهم في سلة الجنرال سليماني، لكنها التقية السياسة لا غير، فالباطن يتعارض مع الظاهر تماما في تصريحات مقتدى الصدر.
صدق الشاعر بقوله:
ألا إن بغـــــــــــداد بلادا نقيضة إليّ وان كانت معيشتها رغدا
بلاد ترى الأرواح فيها رخيصة وتزداد نتنا حين تمطر أو تندا
(أخبار الزجاج).