18 ديسمبر، 2024 9:36 م

ما اجملها من ليلة حين نعيش مع نهار دافئ بعد ان انتهت موجة البرد القارص التي شغلت أفكارنا بأزمات كثيرة اهمها ازمة تجهيز النفط الابيض الذي يعتبر العامل الاول بتشغيل وسائل التدفئة في بيوتنا بسبب انعدام الطاقة الكهربائية ونحن نقضي شتاءنا مع المدفأة النفطية وما اكرم الطبيعة عندما تعطيك هذا الدفىء فانه كرم لا يعادله كرم..
ما اجملها وانا اجلس قرب داري والشمس تلقي بظلال حرارتها الطبيعية مع اجمل الاجواء الربيعية رغم ان ربيع هذا العام ينقصه اللون الاخضر بسبب شحة الامطار ولكنها نعمة الله ان نعيش في هذا الدفىء الممتع…
ما اجملها وانا اعيد ذكريات الچاسر والمشراگه في تلك القرية التي تربينا فيها وقضينا ايام طفولتنا رغم اختلاف الظروف المعاشية بين اليوم والامس.. نعم كانوا يقولون لنا اذهبوا الى المشراگه وهذه المشراگه متوفرة في كل البيوت ففي كل بيت يوجد چاسر ويوجد مشراگه ويكون الانتقال بين هذا وذاك حسب ما تقرره لنا الشمس في السماء وحسب ايام فصول السنة.. لقد اثبت العلم الحديث ان المشراگه عملية صحيه يتعرض فيها جسم الانسان الى حرارة الشمس الطبيعية ليكسب منها فيتامين دي الطبيعي والضروري لجسم الانسان وبصورة مجانية وبدون وصفة طبيه..
نعم انها تأثيرات الطبيعة التي لولاها لما كانت اجسادنا تتنعم بهذه الصحة..
ان من جمال الطبيعة ومع ذكرياتنا بالماضي الذي اصبحت ايامه اجمل الايام التي قضيناها في ربوع تلك القرى ومع ربيعها الجميل والمشراگة الدافئة رغم الظروف المعيشية البسيطة التي كانت ترافقها ورغم الاختلافات التي اصبحت متغيرة كليا عن مشراگة الامس وانت تنتظر بفارغ الصبر طاسة الشنينه وهي تطفو بالزبادي العربي الاصيل اما مشراگة اليوم فهي تحتوي على قنينة ماء لا اعرف اين تم تعبئتها ولا اعرف هل هي من مياه دجلة ام انها من مياه الجبال ام انه تم تعبئتها من المياه الموجودة في بيوتنا ومع هذا قناعتنا تقول انها الافضل صحياً… شتان بين طاسة الشنينة الباردة وبين قنينة الماء الموجودة بقربي الآن.. شتان بعيدان لا يلتقيان بين ما صنعته لنا العجائز وتقدمه لنا مع شنينة باردة ومعها طيبة القلوب ومع قنينة الماء التي نشتريها ب 250 دينار.
مشراگة جميله لكنها تختلف عن مشراگة ايام الماضي من حيث المكان والزمان ومن حيث الادوات التي نعيشها اليوم مع العصرنة الحديثة… سيارات تمر بجانبي وضجيج اصواتها المزعج بينما كانت المشراگه في القرية لا ترى فيها سوى جمال الطبيعة وصوت العصافير يزغرد من حولك..ومع ارتفاع درجة الحرارة كنا نذهب الى البحث عن ظل وارف فنجده خلف بيوتنا الطينية يسمى الچاسر.. اما الان فإنني سوف اذهب الى غرفة الاستقبال لأعود الى نفس التكرار اليومي ونفس الحياة الروتينية بعيدا عن جمال الطبيعة وبعيدا عن اشعة الشمس التي كنا نتلقاها لتصحوا بها اجسادنا ولم نسمع في طفولتنا عن ما يسمى اليوم بضربة الشمس فقد كانت بنية اجسامنا اقوى من ظروف الطبيعة اما اليوم فاصبح الاغلبية من النساء والرجال يلجئون الى ما توفره لهم الصيدليات من علاجات وكريمات تغطي الوجه للحفاظ عليها من هذه الأشعة…
رحم الله تلك الايام وبارك الله بأيامنا هذه ورحم الله تلك الاجيال الذين لم يعرفوا ما هو التبريد وما هي وسائل التجميل وما هي قنينة الماء التي وصلت اليوم الى ابعد قرية في ريفنا الجميل وربما يتناولها اليوم حتى اصحاب الزوارق الذين يعيشون في وسط الانهار…
بوركتي ايتها المشراگه وانت تعطيني اشعة الشمس التي حرمت منها قبل ايام وانا اجلس على وسائل التدفئة اوما يسمى بالمصطلح العامي (( الصوبه)).. ادعو الله ان يبعدنا عن نزلات البرد الشديد ومع نهاية تلك الموجات من البرد منذ اقل من اسبوع تقريبا هاهي شمس الربيع مع الطبيعة الخلابة تنادينا للاستمتاع باجوائها…
وعلى ذكر الشنينة سوف اذهب الان الى صاحب السوبر ماركت الذي يقع بالقرب من داري السكنية كي اشتري منه قنينة الشنينة التي صنعتها المعامل لنا عن طريق البسترة والتي لا تحمل نفس طعم الشنينه الأصلية التي كانت تصنعها لنا العجائز عن طريق ما يسمى(( بالشچوة)) والتي لا يعرفها الان اغلب ابناء هذا الجيل وربما ينظرون اليها باشمئزاز ويعتبرونها احد الادوات الغير صحية وغير معقمة متناسين بانها صنعت من جلود الحيوانات الاليفة وتعرضت الى الدباغة وتم تركها لفترة زمنية تحت اشعة الشمس ليتم تطهيرها كلياًّ… وداعاً ايتها الشچوة ومرحبا بمكائن البسترة الصناعية..
واترككم على خير وانتم تستمتعون كل منكم بمشراگة جميلة قرب داره… والف الف عافيه….واذكر قسم من أصدقائي الاعزاء لاينسون حصتنا من الزبدة والشنينة والى اللقاء…