23 ديسمبر، 2024 11:20 ص

المشاكل العرقية في يوغسلافيا السابقة وتداعياتها دوليا

المشاكل العرقية في يوغسلافيا السابقة وتداعياتها دوليا

لقد كان لدراسة الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للعرقيات الاثر والاهتمام الكبيرين من قبل المختصين في العلاقات الدولية وتحليل النزاعات وخاصة بعد تقكك المعسكر الاشتراكي.وهذا الاهتمام هو مخالف لما كان عليه الوضع في السابق، حيث ساد الاعتقاد بأن الدراسات للعرقيات ليست من اهتمام العلوم السياسية وإنما من اختصاص علماء الاجتماع ودراسة العلاقات البشرية.وظهرت عدة نظريات مؤيدة لهذا الاتجاه، وخاصة النظرية الليبرالية والنظرية الماركسية، اللتان توقعتا ذوبان الاقليات العرقية في تلك المجتمعات.واعتقدت الماركسية في تحليلها حول ذوبان المجموعة  العرقية على أساس الإيديولوجية الاشتراكية والصراع الطبقي والأممية العالمية،بينما اعتقدت النظرية الليبرالية أن التصنيع والتطور للمجتمعات الغربية يؤدي إلى الانصهار  بهويته ودينه أينما كان ومهما تطور المجتمع.    فبعد تفكك المعسكر الاشتراكي واندلاع الصراعات العرقية في جمهورية يوغسلافيا  والجمهوريات المكونة للإتحاد السوفيتي(السابق)،ازداد الاهتمام من طرف منظري العلاقات الدولية  حول الخلافات الدموية العرقية، وخاصة المدارس الواقعية التي شكلت المرجع المهيمن    لتحليل سياسة الدولة، لم تعط اهتماما للوضع الداخلي يرقى لمستوى اهتمامها بالوضع الخارجي باستثناء المدارس الماركسية والواقعية الجديدة. وبعد عدة سنوات من الإهمال للمتغيرات الداخلية ودورها في التأثير على الاستقرار الدولي، باستثناء المدرسة الماركسية التي أبرزت أهمية الحروب الأهلية والعرقية ودورها  في عدم استقرار العالم السياسي.وهذا الاتجاه الماركسي اتبعته الواقعية الجديدة التي  أصبحت تولي اهتماما للعوامل الداخلية للدولة ومدى تأثيرها على الساحة الدولية.وكانت مفاجئة في العلاقات الدولية، وطبقت المعضلة الأمنية ،التي تحدث ما بين الدول أي على  المستوى الدولي ،إلى المستوى الداخلي ،وأصبحت تسمى المعضلة الأمنية الداخلية.وطبقت هذه النظرية في الخلافات العرقية في يوغسلافيا عقب اندلاع الصراع العرقي في كوسوفو والبوسنة. ان الحل الامثل للمشاكل العرقية والقومية هو الحكم الديمقراطي العادل الذي يساوي بين جميع افراد الشعب في الدولة سواء في الحقوق السياسية والاجتماعية والمدنية والاقتصادية وعدم تهميش اي مكون من مكونات المجتمع الواحد .وفسح المجال للجميع بممارسة طقوسهم الدينية والتكلم بلغتهم مهما كان عدد المكون قليل ,والسماح لثقافة اي مكون بان تتلاقح مع ثقافات المكونات الاخرى واخماد النعرات الطائفية و العرقية ويكون الهدف للكل هو الوطن الذي هو وعاء للجميع. 
  نتج عن نهاية الحرب الباردة تحول العديد  من الدراسات الأمنية التقليدية إلى الدراسات الأمنية الجديدة يتمثل أساسا في تحول الخلافات ما بين الدول الذي  كان سائدا في فترة الحرب الباردة . إلى الخلافات داخل الدولة خاصة الخلافات العرقية    بروز فاعلين غير دولين، وخاصة على مستوى داخل الدولة وتأثيرهم على السياسية الأمنية الداخلية والدولية.    اتساع العولمة أدى بالعوامل الداخلية إلى اختراق السيادة الوطنية والتأثير على ما وراء الحدود الوطنية.    ظهور عوامل جديدة لم تحظ بالدراسة الكافية والتي تهدد أغلب دول العالم بدون    استثناء مثل الاحتباس الحراري، الإرهاب الدولي، المخدرات والجريمة المنظمة.  وتدخل دراسة حالة كوسوفو ضمن هذه التغيرات التي حدثت بعد انهيار النظام    الاشتراكي وتفتت الجمهورية الفيدرالية اليوغسلافية على أسس عرقية أسست دول مستقلة    مثل سلوفينيا ،مقدونيا …والتحقت في سنة 2007 الجبل الأسود بالمنفصلين عن  صربيا،وفي 17 شباط 2008 أعلنت كوسوفو استقلالها عن جمهورية صربيا.    ومن الناحية التاريخية تميزت العلاقات ما بين المجموعات العرقية الصربية والألبانية    بحدة التوتر والكراهية والبغضاء بعد نهاية الحكم العثماني.ووقعت عدة مجازر ارتكبها    الصرب ضد الألبان ،وظهرت عدة مخططات لترحيلهم من كوسوفو إلى تركيا،وهدف تلك  السياسية هي إفراغ الإقليم من السكان الأصليين الألبان ،ولهذا أطلق عليها سياسة التطهير العرقي. عرفت كوسوفو استقرارا سياسيا في عهد القائد اليوغسلافي الراحل جوزيف بروز تيتو ،الذي استطاع إخماد النعرة العرقية بفضل سياسة القمع لفرض الوحدة الوطنية وتشريع  قوانين تحرم التطرق إلى موضوع العرقية. وهذا يعني أن البركان العرقي كان في مرحلة إخماد ثم تلت مرحلة هيجان البركان بعد وفاة تيتو.وهذا ما حدث في أواخر السبعينات   حين شهد إقليم كوسوفو انتفاضة ألبانية بقيادة الطلبة،الذين طالبوا بتحسين أوضاعهم   الاجتماعية ثم تحولت المطالب إلى سياسية. وأثرت أزمة كوسوفو ،كبقية الصراعات العرقية على عدم استقرار البلقان وخاصة  مقدونيا وجمهورية ألبانيا.ولم يتدخل المجتمع الدولي إلا بعد حدوث مجازر وإبادة عرقية    ارتكبها الصرب ضد الألبان ،مما أدى إلى تدخل الحلف الأطلسي الذي شن هجوما جويا    ضد الجيش اليوغسلافي دام عدة أسابيع.واستسلمت القوات الفيدرالية اليوغسلافية  وانسحبت من إقليم كوسوفو الذي أصبح تحت إدارة الأمم المتحدة التي تتولى السلطات  السيادية للإقليم من طرف الممثل للأمين العام للأمم المتحدة في كوسوفو.وبعد استكمال   بناء المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية ،انطلقت المفاوضات حول تحديد الوضع    النهائي للإقليم ،وقرر المبعوث الخاص للأمم المتحدة أن ليس هناك اختيار آخر للوضع  سوى استقلال كوسوفو تحت إشراف دولي ،ورفضت كل من روسيا وصربيا ذلك  الاختيار.وأجريت مفاوضات أخرى دامت ثلاثة أشهر تحت رعاية الثلاثية الأوروبية  وروسيا وتمسك كل طرف بموقفه؛الألباني بالاستقلال، والصربي بالحكم الذاتي لكوسوفو.وفي 17 شباط 2008 استقلت كوسوفو عن صربيا بفضل التأييد والمساندة  الأمريكية والبريطانية والفرنسية.        
 تحول الخلافات ما بين الدول الذي كان سائدا في فترة الحرب الباردة . لقد كان واقعيا( نويل مالكولم )احد المختصين في دراسة اقلية    كوسوفو، عندما قال أن أزمة يوغوسلافيا بدأت في كوسوفو وتنتهي بكوسوفو.إن أول أزمة  عرفتها يوغسلافيا بدأت في كوسوفو عند إلغاء الحكم الذاتي للألبان من طرف الصرب  سنة 1989 ،أي قبل انهيار يوغوسلافيا،ومنذ ذلك التاريخ ،لم يعرف الإقليم أي استقرار سياسي.  العرقية من طرف الزعماء السياسيين الجدد ،الذين استغلوا انهيار نفوذ وسلطة الحزب للوصول إلى السلطة.وهذا أدى إلى تغيير في العلاقات داخل المجموعة العرقية التي كانت متحدة ومتماسكة ومتلاحمة إلى خارج المجموعة,أي انقسام وتفتت داخل المجموعة. فاليوغسلافي تغيرت نظرته إلى أخيه اليوغسلافي وأصبح كرواتي سلوفيني مقدوني مع بروز الكراهية والعداوة فيما بينهم