23 ديسمبر، 2024 2:59 م

المشاريع الإسلامية والمشروع الوطني في العراق بين العقيدة والسياسة (6)

المشاريع الإسلامية والمشروع الوطني في العراق بين العقيدة والسياسة (6)

بحثنا في الحلقة السابقة (الرابعة) “فلسفة” المشروع السياسي السُني والشيعي و(العلاقة بين المشروع الإسلامي (الشيعي) العراقي ومشروع ولاية الفقيه) ورصدنا في الحلقة الخامسة طبيعة “العلاقة السياسية” بين (المشروع السياسي الشيعي في العراق والدولة الإسلامية الإيرانية) . لكن من المهم الأخذ بالإعتبار رأي المراجع العراقيين الذين يتبعهم غالب شيعة العراق وعلى رأسهم آية الله العظمى السيد علي السستاني الذي لا يؤمن بنظرية ولاية الفقيه ولا يعتبرها ملزمة ؛ وبغض النظر عن طبيعة العلاقة السياسية والعقائدية بين المشروعين السياسيين (العراقي والإيراني) لابد أن يتفهم الإيرانيين كما يتفهم المنظرين للمشروعين السياسيين الشيعي و السني خصوصية العراق من حيث التداخل الإجتماعي والعشائري وطبيعة العلاقات بين السنة والشيعة إضافة إلى حراجة هذه المرحلة التي يمر بها العراق ومن الأهمية القصوى أن تتم مناقشة تلك الجزئية الخطيرة بشكل علمي وعلني وتحديد أبعاد تلك الخصوصيات وضوابطها من الناحيتين الدينية والسياسية ؛ كما إننا نجد صعوبة في تحديد رأي مراجعنا وعلى رأسهم آية الله العظمى السيد علي السستاني في هذه القضية لكي يتمكن الباحث من دراستها بشكل علمي منضبط وهي لا تهم السياسيين فقط بل تهم الباحثين الإجتماعيين كما تهم عامة الناس وخاصتهم وقبلهم تهم علماء الدين في وجوب تفصيل ذلك ليس لمقلديهم فقط بل لكل العراقيين كي يكونوا على بصيرة من أمرهم وهي تحديد مختلف العلاقات الإجتماعية والتعاملات اليومية المتفرقة بين السُنة والشيعة في العراق فهم (كانوا) يتزوجون ويتناسلون ويعملون ويشاركون وتختلط أنسابهم وأعراقهم في العائلة الواحدة والعشيرة الواحدة والبيت الواحد! على غير ما هو عليه في بلدان المحيط (السعودية وإيران) وهذا التداخل خصوصية ينفرد بها المجتمع العراقي وإن وجد في غير العراق فليس له تأثير يذكر فأيهما الصحيح ما كانوا عليه أم ماصاروا إليه؟! .

ثم لابد أن نقر بأن الكثير من المصالح السياسية الإيرانية وأجندتها في العراق لا تتطابق مع مصالح العراقيين وقد تهدد مصالحهم ومن المؤكد أن إيران تسعى بقوة و وضوح لتجريف عرقي وطائفي لتامين بيئة مقاربة للبيئة الإيرانية وتؤمن تطبيق مشروعهم السياسي في العراق (ومن ذلك التهجير العراقي والطائفي في محيط بغداد بشكل عام و ديالى على وجه الوضوح بصفتها خاصرة العراق الرخوة واقرب طريق إلى بغداد من إيران بالإستعانة بالمليشيات التابعة لها أو المخترقة من قبلها) ومن الغير المقبول لإيران ولا لذاكرتها التاريخية منذ ما قبل الإسلام إلى يومنا هذا أن يستعيد العراق (وعيه ودوره الحضاري وأصالته) ليستعيد تماسكه و وحدته

وقوته ويقف الند للند مع جارته إيران. وقد نختلف في تحديد مستوى التدخل الإيراني ودوافعه لكننا لا نختلف أن الأمة الموحدة بكل طوائفها ونحلها وأعراقها وثقافاتها هي الأمة القوية التي تنتصر على التحديات والأخطار التي تواجهها مهما كانت تلك التحديات والأخطار التي تواجهها إذا أردنا عراقاً مستقلاً قوياً .

وتبقى الإشكالية الوطنية معضلة تواجه المشاريع الطائفية رغم عدم تناقض ما هو وطني مع ما هو ديني وذلك وهم أخر علينا مواجهته وإزاحته فالدين يوحد أتباعه تحت رايته وذلك أمر مطلوب لوحدة المجتمع ويعزز تماسكه من خلال تماسك مكوناته الدينية و الإجتماعية والعرقية والثقافية ولكن هذا (الدين) لابد له من أن يعيش هو وأتباعه في وطن آمن يؤمن له حرية الإعتقاد وحرية العبادة وحرية الدعوة ويؤمن له أيضاً حرية الشعب في إختيار الفكر الذي يعتقد به مناسباً له كما يؤمن ذلك لجميع المواطنين من مختلف الأديان والعقائد وذلك أغلى طلب للدعاة أن يكفل لهم حق الدعوة !

ثم إن محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر نسبه إلى (عبدالله أبن عبدالمطلب) ولا يتعارض ذلك مع كونه من (بني هاشم) وذلك أيضاً لا يتعارض مع نسبه إلى (قريش) وكان صلى الله عليه يفتخر بذلك (كما تفتخر قريش به) ولا يتعارض إنتسابه لقريش مع كونه (عربي) وهويته العربية هذه لا تتعارض مع هويته كنبي مسلم ولم ينكر أية هوية من تلك الهويات المتعددة كما أنه أحب (مكة) وكرمها ولو لم يخرجوه منها ما خرج عليه الصلاة والسلام . بل إن أصل المقارنة بين الدين والوطنية خطاء لإختلاف الجنس حيث أن الوطنية إنتماء(غالباً ما يكون غير طوعي) كما هو النسب تحركه العواطف والفطرة والشعور بالأمان (السكن) وليست عقيدة (إختيار عقلي طوعي واعي) كما هو (الدين) والإسلام لم ينكر أي هوية من تلك الهويات المختلفة (وفي ذلك مبحث تفصيلي خاص ليس هذا مقامه) . لكن لابد لأصحاب المشاريع الدينية التصالح مع الوطنية والتحرر من عقدة التعارض الوهمي بين ما هو وطني وما هو ديني و إعتبار (الوطنية) مشترك مهم من المشتركات التي تجمعهم مع المشاريع الأخرى لأنها تعزز التلاحم الإجتماعي والسياسي .

أخيراً نخلص إلى القول إن صراع المشروعين الإسلاميين الشيعي والسُني بهذه الطريقة لن يحقق سلاماً إجتماعياً ولن نتفرغ للبناء والتمدن والتحضر إذا كان علينا حل إشكاليات التاريخ منذ البعثة وفجر الإسلام حتى اليوم! وإذا كان القصاص والثأر لزاماً على الطائفتين تسديده !

ولن ينجح أي مشروعاً طائفياً إذا بقي محتفظاً بعصبيته وبثاراته ورغبته في إصلاح الأخطاء التاريخية في أن يكون حلاً لأزمات العراق ومشاكله (إن لم يكن هو جزء من الأزمة) لأنه سيغرق العراق بحروب وتحديات ونزاعات تاريخية وطائفية لا أول لها ولا آخر وبحور من الدماء والبغضاء وستبقى أنظاره معلقة بقيود التاريخ ولن يستطيع النظر إلى التحديات

الحضارية التي تواجه العراق والأمة والعالم . بل إنه سيستخدم الغطاء والتبريرات الطائفية للتغطية على فشله وفساده .

وبعد كل هذا وذاك ماذا حقق (المشروع السياسي الديني) على صعيد التطبيق العملي في العراق منذ أن آلت السلطة إليه ومنح الفرصة التي كان يحلم بها طوال نضاله السلبي :

1. أصبح العراق من افسد الدول (مالياً) في العالم . 740 مليار دولار ميزانية العراق على مدى ثمان سنوات ولا شيء على الأرض يكافئ ربع هذا المبلغ!

2. أصبح العراق من أخطر دول العالم . حروب داخلية وتهجير طائفي وعرقي والأمن مفقود ومليشيات وفرق موت تمارس نشاطها جهارا نهاراً بمباركة بعض أجهزة الدولة!

3. أصبح العراق من أكثر الدول التي ينفذ بها حكم الإعدام والدولة مسرورة تفتخر بذلك!

4. الإرهاب يفتك بالشعب العراقي ولا يستثني أحد وليس هناك غير الحل الأمني المتخلف .

5. أفشل عملية سياسية لا يؤمن بها من كان في السلطة ومن (يعتبر نفسه) معارضة

6. المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية تفتك بالدولة وتفتت المجتمع. والحرب الطائفية قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة لتفتك بالأبرياء والمساكين.

7. القضاء مخترق والجيش مخترق وفاسد.

8. هجرة العلماء وتراجع الحركة العلمية والثقافية والفنية . وهروب رؤوس الأموال

9. لا إعتبار لحقوق الإنسان ولا إعتراف بالإنسان بعد أن الغيت المواطنة أو قيدت بمواصفات وشروط طائفية أو عرقية.

10. لا زالت جميع المشاكل التي أنشئها الإحتلال باقية في محلها دون حل بل تزداد سوء

11. لا وجود لمؤشرات نجاح أو تقدم أو تخطيط حضاري أو معماري أو فني أو ثقافي واضح ولا وجود لمصالحة إجتماعية أو سياسية بل لا وجود لأمل في ظل تحارب متخلف

ثمة قضيتين لابد من أخذهما بنظر الإعتبار الأولى حين نتحدث عن (المشروع السياسي للأحزاب الدينية) لا علاقة لهذا الكلام بالمكونان الشيعي والسني بالمطلق ولا لحرية الإنسان باختيار دينه ومذهبه (وغالباً هو توارثه) ؛ والأمر الثاني أن من حق الأحزاب الدينية كما هو حق كل الأحزاب الغير دينية أن تتبنى عقيدتها وأن تسعى لإقناع الناس بها ولقد أتاحت الحضارة أجمل وأحلى الوسائل لذلك هذا إذا كنا نؤمن بالتداول السلمي للسلطات وبالديمقراطية أو كنا صناع حضارة !!!