ناقشنا في الجزء الأول والثاني من هذا البحث مسألة وجود (مشروع إسلامي) محدد في العراق وإختلاط الإسلامي بالطائفي وتصارع مشروعين كلاهما (إسلامي) وأقترحت على أصحاب المشروعين ثلاث مقترحات (النزول لمعترك السياسة بصفتهم الطائفية ؛أو تخليهم عن التسمية الإسلامية أو تمسكم بأحزابهم العقائدية وتخليهم عن المعترك السياسي و الإتجاه بقوة إلى الدعوة لمبادئهم العقائدية وفي كل الأحوال عليهم أن يحققوا السلام والأمن المفقودان للعراق وكفى دم!) وأما إذا أصروا على مشروعهم (العقائدي) دون (السياسي) ويقدموا الإشكاليات العقائدية والتاريخية على خدمة الناس وتحقيق العدالة وإشاعة الرفاهية والسلم الإجتماعي وتحقيق الآمان للعراقيين سنتهم قبل شيعتهم ومسيحيهم قبل مسلمهم ؛ ودون أن يفكروا بحل إشكاليات المشاريع الإسلامية المطروحة في الساحة السياسية على الأقل عبر البحث عن (المشتركات) وليس إغراق العراق بمتناقضاتهم التاريخية والعقائدية فعليهم أن يدركوا أن تناقضاتهم وصراعاتهم أرهقت الشعب العراقي بكل طوائفه وكلفته ما لم يعد يطيقه ومزقت وحدته الوطنية وسمحت للتدخلات الخارجية بإستقطاب تلك الأحزاب ومن خلفهم جماهيرها وسمحت للإرهاب أن يخترق المجتمع العراقي ويأكل شبابهم ويهدم العراق ويجد المأوى والدعم وخلقت له المبررات التي يؤمن بها الجهلاء ويتحول من السرية المرتعدة إلى العلنية المتفاخرة (المأجورة!) ولابد للأمة من أن تثور على الدم وتبحث عن شبابها وكل هذا يعني في النهاية سقوط (المشروع الإسلامي) وفشله وإذا استمر فسيستمر بقوة سيف السلطة وبطشها لا بقناعة الناس وحبهم . والأخطر من كل هذا وذاك أن هذه الممارسات الوحشية والمتخلفة بدأت تُكره الناس بالإسلام في ضل التصارع الحضاري والعولمة وهم يروا كل يوم أين وصلت الرفاهية والتحضر وراجعوا الإحصائيات العلمية الحقيقية وأنزلوا إلى الشارع واختلطوا بالشباب واسمعوا منهم إذا أردتم أن تكسبوا الناس إلى الإسلام ضعوا نصب أعينكم (التحضر ؛ السلام الإجتماعي ؛ الحاجات الأساسية للإنسان ؛ حرية الفكر) عندها ستكسبون الشباب وتكسبون المستقبل وسيحبكم الناس وإذا أحبوكم آمنوا بأفكاركم ولكن هذا يتطلب منكم أن تحبوهم أولاً لا أن تحاربوهم.
جربتم الكراهية والحقد والإجتثاث والمداهمات والإعتقالات والسجون والبطش والقوة فماذا حصد مشروعكم “الإسلامي” وعلى مدار ثمان سنوات أعداء وحروب لا طائل منها وموت يحصد شباب العراق وأطفاله ومستقبله ويضعه بيد الإرهاب والمليشيات هي التي تقرر مصيره خسر فيها الجميع وأول الخسرانين من أمتلك زمام الحكم وفشل في أول تجربة “دينية” في العراق الحديث وجلبتم الأعداء والقتلة من كل حدب وصوب وفشلتم في مواجهتهم لسبب بسيط هو في أصل برنامجكم (إن لم أقل في أصل مشروعكم) و تعاملتم وفق مشروعكم الطائفي وليس (الإسلامي) والذي لم يكن (مشروعاً وطنياً) بالأصل .
جربوا الحب الحقيقي هذه المرة الذي قتلتموه وحتى تحب شعبك لا تميز بينهم وعندما تحبهم تعدل بينهم ولا تسرقهم وتحب إصلاحهم ولا تفرح بقتلهم أو إعدامهم فكروا كيف يحبكم (الناس). وبوصفكم إسلاميين فكونوا دعاة أولاً قبل أن تكونوا قضاة … لقد دمر العراق ولم تنجحوا لحد الآن من إيقاف الدمار والفساد والإرهاب.
أتمنى أن تسمعوها مني فانا ناصح ولربة من يعترض ويقول إن المشروع السُني لم يمتلك زمام الحكم وإن التجربة قادها (الطرف الآخر) ويقصدون أصحاب المشروع الشيعي ؛ أقول لهم عليكم أن تحددوا مسؤوليتكم وانتم تشتركون بصفتكم (الإسلامية) مع الطرف الآخر بالاسم (مشروع إسلامي) وبصفتكم شركاء سياسيين في عملية سياسية أقررتم بها وعجزتم عن تطويرها أو تغييرها أو حمايتها على الأقل من الإنحراف أو الإختطاف “كما تدعون” وبصفتكم شاركتم بأكثر من وزارة وبأكثر من منصب وأخيراً بصفتكم أول ضحايا (المشروع الإسلامي المقابل) وعلى الأقل إعلنوا صراحة مشروعكم لإيقاف هذا الانهيار الكبير ولا تقفوا ندابين فقط!
لابد لأصحاب المشروعين (الإسلاميين) من الوصول إلى نوع من (التفاهمات الحقيقة) فيما بينهم خدمة للعراق وإيقاف للنزيف الدم وتعزيز الوحدة الوطنية وإنهاء لحقبة المليشيات والإرهاب التي افترست الشعب العراقي وافترست التوجهات الحضارية المشرقة وقضت على الأمل في المستقبل وهددت وحدة العراق وخدمة (للمشروع الإسلامي) إذا أرادوا لإسلامهم الخير وأن يقضوا على الإرهاب وإذا أردوا فعلاً تجنب الصراعات الطائفية الخاسرة التي مزقت العراقيين وهشمت العراق وإذا أرادوا أن يكون قرارهم مستقلاً قوياً قبل التوجه نحو الأحزاب العلمانية والقومية الأخرى وعبر الطرق السياسية التي تتيحها السياسة إن كانوا فعلا يؤمنون بأبجديات الصراع السياسي الهادف ومن تلك الوسائل تشكيل (جبهة سياسية للأحزاب الإسلامية) أو تحالف إسلامي أو تكتل إسلامي (إن عجزوا أن يتوصلوا إلى (مشروع إسلامي) عراقي واحد) عابر للطائفية ؛ لو حصل ذلك لوضعنا اللبنة الأساسية للوحدة الإجتماعية وأسسنا للسلام الإجتماعي وذهبنا نحو المجتمع الآمن ولجنبنا بلدنا أمرين غاية في الخطورة هي الصراعات العقائدية الغير منضبطة والتي تولد صراعات دموية وطائفية جاهلة متعصبة ولتمكن الإسلاميون من طرح فكرهم و رؤاهم وبرامجهم للحل (لا أدري هل العقلية السياسية الدينية الحالية يمكنها أن تفكر في حل مثل هذه الإشكاليات بين العقيدة والسياسة). نعم أنتم مطالبون من قبل شعبكم بإثبات مصداقية دعواكم بأنكم لستم طائفيون وإنكم أصحاب مشروعاً (حضارياً) كما بشر به المفكرون الإسلاميون ؛ وإلا فإن أخطر الصراعات على مدار التاريخ وأشرسها وأكثرها دموية هي الصراعات العقائدية والتي من الصعوبة ضبطها في إطارها الفكري طالما كان هناك من يغذيها من خلال الصراع السياسي اليومي وطالما كانت هناك سلطة وقوة تمثل أحد الأطراف دون الآخر ومتغولة عليه في دورة دموية لا نهاية لها! وطالما كان هناك صراعاً عنيفاً على السلطة ؛ وطالما كان هناك طرفين كل منهم يدعي أنه يمثل الإيمان والعقيدة الصحيحة وإن الحق معه والآخر باطل وإن هناك (ثارات) يجب أن تؤخذ وحقوق تاريخية يجب أن تسترد الآن (لا أعرف مِن مَن بالضبط وكيف؟!) وإشكاليات تاريخية على (جيلنا) هذا حلها لأنهم رغم تمسكهم بها لم يقدموا لنا الحل بوضوح ! (بعد أن استعصت على جيل آل البيت والصحابة والأئمة والتابعين وتابعيهم) ويضعوها في أول أولوياتهم السياسية!! .
وهناك قضية غريبة على أصحاب المشروعين أن يتوقفوا عندها وهي أن لكل مشروع جماهيره وإن كل مشروع يمثل طائفة محددة ولا يتجاوزها إلى الطائفة الثانية بحكم منطلقات المشروعين (الشيعي والسُني) ولا يوجد تنافس سياسي حقيقي بينهم وعلى أصحاب (المشروع الشيعي) إن يدركوا أنهم يعيشون في محيط إسلامي سُني وليس في مصلحة المذهب الدخول في صراع مع هذا المحيط مع الإعتبار الكبير لحريتهم العقائدية المصونة ؛ وعلى أصحاب (المشروع السُني) أن يدركوا أن الشيعة هم شركائهم في الوطن وعليهم أن يطبعوا علاقتهم السياسية ولا سبيل أمامهم غير ذلك من أجل سلام المجتمع ومستقبل العراق الذي فيه سُنة كما فيه شيعة ؛ وعليهما أن يدركا إستحالة إجتثاث أي منهما ولا سبيل إلا بالتعايش السلمي سوية وأن لا تنافس بينهما إطلاقاً وعليهما أن يدركا أن المستفيد الأول من صراعهم الدموي هذا هم أعداء العراق من يريدون إضعافه وتمزيقه أرضاً وشعباً .
أن نجاح أي مشروع سياسي في حل أو تجاوز الإشكاليات التي تواجه الأمة لا في خلق الإشكاليات لها أو أن يكون هو تلك الإشكالية!
آمل أن لا تكون وحدة العراق وأمنه وسلامه ومستقبله ورفاهيته وخزينته من ضحايا المشروع الإسلامي العراقي ! بدلاً من أن يكون هو مصدر الخير والرفاه والسلام .
وللحديث صلة إن شاء الله