دخلت الجيوش الامريكية وحلفائهم الاراضى العراقية عام 2003 واسقطوا, ازاحوا النظام الديكتاتورى وجاؤا بنفس الوقت بفريق من اللاجئين العراقيين المقيمين فى الدول الغربية والعربية ونصبوهم حكاما على العراق. ومنذ هذا التاريخ لم تهدأ الاوضاع فى العراق ابدا: ان الوضع الامنى فى تدهور مستمر, اذا كنا نعانى, قبل سنة اواكثر بقليل, فى المدن من التفجيرات والسيارات المفخخة والانتحاريين, فاننا الان نعانى بالاضافة اليه, منذ حزيران الماضى, من سقوط واحتلال ثانى اكبرمدينة عراقية( الموصل الفيحاء) بيد قوى الظلم والظلام بما يسمى داعش. ان الطريقة التى سقطت بها المدينة تخجل كل انسان ذو ضمير واخلاق, لقد اعطيت المدينة هدية ولقمة سائغة للمجرمين, دخلوها دون يطلقوا رصاصة واحدة. ان المسؤلية على هذه الخيانة لا تنحصر فى كبار الضباط وقادة الفرق العسكرية وانما بالذين قد قاموا باختيارهم واعطوهم هذه المناصب الرفيعة ومسؤلية امن البلد وكرامته. ان عدم اتخاذ شيئا مؤثرا منذ سنة كاملة لوقف هذا العجز والانهيار والانحلال والخيانة, وعدم محاسبة المسؤلين ,على اقل تقدير, بالتقصير المتعمد فى اداء الواجب, قد صعد من عمليات الانهيار فى مؤسسات الدولة وخاصة فى قوى الامن والجيش المناط بهم محاربة الارهاب وحماية الوطن. ان النخبة الحاكمة, كما يبدو, لم تدرك لحد الان, ان حماية الوطن لا تحصل الا بجيش عقائدى منظم ومدرب على درجة عالية من المسؤلية والحرفية, كما ان محاربة الارهاب تفرض اولا توفر الارادة السياسية الحرة المخلصة الامينة للنخب الحاكمة, ومن ثم يتبلور دور وفعالية مختلف الاجهزة الامنية والمخابراتيه المؤهلة عقائديا ومهنيا , اما ملايين من “الفضائيين واشباة الفضائيين”, فان هؤلاء لا يقدموا سوى الكوارث والهزائم.
قريبا ستمضى سنة كاملة على احتلال مدينة الموصل وسيطرة تنظيم داعش عليها. ماذا اعددنا لتحريرها, فى الوقت الذى اخذت داعش تستقر وتتحصن فى الموصل, بدأت تهدد بيجى وتحتل المصفى الستراتيجى البالغ الاهميه, كما تهدد
تكريت وسامراء وتستقر فى الحويجة. ان الخلافات والصراعات حول السلطة التى تاخذ منذ 2003 طابعا طائفيا قد تصاعدت بشكل مجنون. واخيرا تم تحرير تكريت بجهود الحشد الشعبى. الا ان ذلك لم يروق لزعماء المنطقة الغربية السنة, ولكنهم لم يقوموا بأى نشاط محلى للدفاع عن مناطقهم. ان النقاش البائس يدور حول مساهمة او عدم مساهمة الحشد الشعبى فى تحرير الرمادى. فى هذه الاثناء تنهزم القوات المسلحة من مواقع المعركة وتسلم المدينة لقمة سائغة لداغش , تماما كما حصل قبل سنة فى الموصل. كان سقوط الموصل كارثة بكل معنى الكلمة, ولكن سقوط الرمادى يؤكد على توفر فكر ومنهجية وارادة سياسية فاعلة لنهاية العملية السياسية على طريقة القضم التدريجى , او ما يسمى بـ”سلامى تكتيك”.حينما تتكرر الاحداث فان ورائها ارادة سياسية ومنهجية فاعلة
ان الاوضاع فى العراق تزداد سوءا يوما بعد يوم: ما زالت النخب السياسية تحارب بعضها وتحول دون ان يحصل اتفاق على امور عامة مما يجعل الاتفاق حول قرارات مصيرية مستحيلا. انها الحالة العراقية بأمتياز المنبثقة من المحاصصة الطائفية والفوضى الخلاقة التى قدمتها امريكا وكلفت النخبة الحاكمة لتدمير العراق وبعثرة المستقبل. فى هذه الاثناء قد تجاوز اعداد المهجريين الثلاثة مليون عراقى, وادت بهم اوضاعهم التعيسة الى ان يفقدوا الثقة فى العودة الى ديارهم. ترى الى اين يسير العراق؟ هل يمكن لتركيبة النخب الحاكمة التى لاتمتلك استقلالية القرار ان تقود البلد الى بر الامان ؟؟. ان علاقاتها وارتباطاتها العربية والاقليمية والدولية تحول دون ذلك وسوف يستمر العراق ساحة للارهاب والارهابيين!! ان السؤال يقود الى جملة اسئلة, هل يمكن ان نقوم بحرب تحرير ضد عصابة مسلحة قد امتد نفوذها الى اكثر من نصف الاراضى العراقيه والى نصف اراضى سورية؟ هل يمكن ان تخوض حربا, فى الوقت الذى قد فقدنا القدرة على تصنيع الطلقات البسيطه للمسدس اليدوى؟؟ وهل يمكن ان تشترى السلاح الحديث بانواعه وبالاسعار المرعبة بالاجل؟؟ باى شروط واى ضمانات لوحوش راسمالية الحرب وانتاح السلاح؟؟. هل تم بيع النفط العراقى لشراء السلاح والمشاريع الوهمية؟!! اننا العراقيون نعيش منذ 2003 فى وضع لا نحسد علية, وتتفاقم علينا الامور وتزداد المشاكل والصعوبات يوميا, ولكن هذه الحالة البائسة لم تشغل عقل ووجدان النخب
الحاكمة, انها تعيش فى عالمها الخاص,علم تكوين الثروة والامجاد الشخصية وتناسى الماضى الاليم وايامة البائسة وسنين الغربة والمهجر. مما لاشك فيه فانهم مثقلين بقضاياهم الشخصية الكبرى, داعش, الموصل والرمادى والكهرباء, انها منغصات مزعجة, ما هى علاقتهم بها؟؟
ان هؤلاء يدعون مقاوتهم لحكم صدام ولذلك تركوا البلد منذ سنين طويلة, الا انهم لم يقدموا فى بلدان الغربة من نشاط المقاومة للنظام على مدى سنين طويلة ما يستحق الذكر رغم الادعاءات الكبيرة. وتكاد علاقتهم ومعلوماتهم عن التطورات الداخلية فى العراق ليست غير دقيقة وانما ايضا مغلوطة ومبالغ بها وعديمة الفائدة ومكررة لمئات المرات. كان غالبة هؤلاء اللاجئين فى الدول الغربية يعيشون من نظام الرعاية الاجتماعية التى توفر الحد الادنى للحياة, الايجار والتامين الصحى مدفوع من قبل دولة الرعاية ويقدم مصروف شهرى لايسمح بالكثير. كان هؤلاء اللاجئؤن يعيشون على حافة المجتمع الذى لجؤا اليه, ولم تتوفر لديهم الرغبة فى التعرف على المجتمعات الجديدة التى يعيشون فيها منذ سنين, وانما نقلوا معهم كل التناقضات والتخلف والاحكام المسبقة التى كانوا ينعمون بها فى العراق وقامت زعاماتهم الغنية المرفهة بتاسيس ما يحميهم من العلم والمعرفة والحداثة, من اجل ان يتقربوا بها الى الله ونبيهه الكريم, وفى الممارسات اليومية والشهرية والسنوية يضعون انفسهم فوق الاخرين واصحاب فضل عليهم بما يؤدوه من صلوات وشعارات ويتداولون من احاديث وبركات واسترجاع التاريخ بصوره نضالاتهم الباهرة والتى فى واقع الامر لم تكن باهرة ابدا.
فى اللقاءات المستمرة بعضهم مع الاخر وبما يتجانس مع التبعية السياسية والدينية الطائفية استمروا امناء على مواقعهم القديمة التى قد تحجرت واصابها الكثير من التعرى, ويبقى الحديث دائما حول امكانية الدخل الاضافى, والحقيقة فقد كانوا بارعون فى خلق فرص ونشاطات بيع وشراء بسيطة كانت لهم خبرة مسبقة بها. ان هذا الهاجس, والرغبة العارمة فى الانتفاع المادى, دفعت بالكثير منهم الى مجالات واعمال مثيرة للجدل, اخلاقيا ووطنيا. انهم كانوا بارعون ويتمتعون بالقدرة العالية والتى اثبتت فاعليتها تاريخيا واصبحت معتمدة فى التداول اليومى ايضا: تبرير كل شىء بما يتفق مع مصالحهم الانية, ان الاسود يمكن ان يكون ابيض ورمادى اللون ويعود ويكون اسود ثانية. اذا لم تلتقطهم
المخابرات المحلية او الاجنبية فلا ضير من القيام بالمبادرة شخصيا, ولا يوجد تناقض فى المبدا ان ينتمى هذا وذاك الى مخابرات اخرى. ان الاديان فيها الكثير من الافكار المصلحية البرغماتية, ولاشك فان الغاية تبرر الوسيلة. ما قيمة الاخلاق والمبادىء حينما توصد المجالات وسبل تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية امام الرغبات والتمنيات الشخصية العارمة؟ !! عندما نسترجع نشاط العديد منهم بالعمل الاسود والجهود المضنية فى الاحتيال على نظام الرعاية الاجتماعية او حالات التقشف المستمرة المضنية يمكن ان نفهم الى حدما, لماذا وكيف تبلورعن هؤلاء “القادة” سراق وحرامية ومحتالون وافاقون ولا يهم فى الوجود والكون غير مصالحهم الشخصية والتى من اجل تحقيقها مستعدون ليبع الام والاب والعراق بارضه وانهاره وشعبه, وهم يقومون ويمارسون كل ذلك لحد الان بحرفية عالية. اليس عجيبا ان يتحول ما كان يعرف بـ “تاجر شنطة”فى بلد اللجؤ, ان يصبح من النخبة المختارة ويملك عمارات حديثة ومعارض للسيارات ووكلات تجارية للاستيراد والتصدير, وبالتاكيد فان العراق هو البلد الفريد اليوم الذى يعتمد على الخارج فى جميع احتياجاته, او ماذا تعمل وتأمل من شخص عاش سنين عديدة فى سوريا وكان فى افضل اوضاعه يدير دكانا بسيطا لبيع سندويشات الفلافل والجبنة ويصبح وزيرا متسلطا ومؤسسا لفساد وخراب مؤسسات الدولة, وتقدر بعض المجلات المتخصصه بانه الان من اكبر اغنياء العالم , ماذا يمكن ان ننتظر منه!! او ذلك الوزير الذى يتقاضى راتبا خياليا ويده القوية الطويلة تشارك فى جميع الصفقات التى تعقدها وزارته بالمليارات, ومع ذلك ومع هذه الاموال والعائدات الرهيبة لم يفكر بالتنازل عن مخصصات الرعايا الاجتماعية التى كان يتمتع بها فى الغربة, ان هذه الواقعة تمثل حالة احتيال وتكاملت فيها اركان الجريمة!!. انى افهمه والحق معه, انه لم ينسى كونه لاجئا وجوعه القديم ما زال يفترسه ويمكن ان تنقلب الاوضاع على رأسه لسبب ما ويعود الى ما كان عليه, ولكن فى هذة المرة بعقارات وشركات وارصدة فى مختلف انحاء العالم, ومع ذلك انه مازال جائعا, انه لم يصدق فعلا بما هو علية الان وهو فى قرارة نفسة يشعر ويعلم انه غير جدير وغير مؤهل ان يكون ملاحظ او رئيس قسم فى اى دائرة حكومية, ناهيك ان يكون وزيرا, ولذلك لابد ان يكون وزيرا فاشلا وانسانا قد فقد مقومات الانسانية. ان الدولة العراقية الفاقدة للوجود والفعالية تحكمها الالاف من هذه النخب التى تم وصف تاريخ وسلوكيات البعض منهم كنماذج. ترى ما العمل, هل
يوجد مبررا للامل فى الخروج من النفق الطويل المظلم؟؟ والى متى سوف تستمر هذه الحاله؟؟.
ان امريكا وضعت مخططا عاما للعراق, هذا المخطط يحمل الكثير من الابعاد والنوايا الخبيثة فى اطار “مشروع الشرق الاوسط الجديد” الا ان التفاصيل تبنتها وقامت بتنفيذها النخب التى استلمت السلطة بكل اصولها ومرجعياتها الدينية والطائفية والعشائرية والسياسية, انها المسؤلة عن الوضع المتردى الى ما وصل اليه العراق وشعبه. ان الـ 13 سنة الماضيه تشير الى ما لايقبل الشك من ان هذه النخب ليست فقط ضد التقدم والتطور والحداثة, انها تقودنا الى الوراء, الى الفصل العشائرى, الى زواج المتعة وزواج المسيار, الى افكار وسلوكيات قضى عليها الزمن. وعدم تطوير منظومة البنى التحتية التى تعتبر الاسس الحقيقية لكل مشروع حضارى, ليس بسبب الصعوبات والفساد المالى والادارى, وانما ايضا لعدم ضرورة التيار الكهربائى, وكذلك المدارس والمستشفيات, فان “اجدادنا العظام” تعلموا فى الكتاتيب ,وابدعوا فى كل المجالات وكانت الاعشاب وطب الملالى والادعية كفيلة بمعالجة اكثر الامراض خبثا. لماذا اذن كل هذا التبذير وتبديد اموال” الامة والشعب” فى المدارس والكليات والمستشفيات!! لماذا لا ناخذ بمسيرة هؤلاء العظام ونحتذى بهم وينيروا لنا الطريق, ان الافكار الغريبة الدخلية كانت سبب تخلفنا!! ان عدد من المقولات المتداولة التى تستخدمها النخب ليس لها علاقة بديناميكية الزمن المتجدد دائما, ولذلك يجب اعادة صياغتها: ان القناعة ليس كنزا ولاوجود لها , ولذلك لاتفنى !!