ترقرق الدمع في المآقي,وانتابته الحيرة,وداهمته تساؤلات مابرحت عالقة في العقل ايضا,مشهد اختلطت فيه صور شتى تبحث عن رسم لوحة انسانية,تجسد مشاعر ومفاهيم لاتفسر بالعبارات الجاهزة والكلمات الموجزة. لا يتحدث فيها العقل فحسب بل الفؤاد وماتتدفق منه المشاعر والآلام.
هي صورة مدهشة تتلمس شغاف القلب, ويلتقي فيها ظلم التأريخ وصراع الانسان وتحديات الاديان والروح المقدسة.
هي روح الله وجماله وسمو تعاليمه تقفز من بين هذا الطوفان البشري الذي استحضر الآلام والعشق مذ صلب المسيح وذبح الحسين من اجل الله والعدالة والحرية والتقوى والاصلاح والثورة.
ذلك الدم الذي كشف زيف المزيفين والدجالين والمشعوذين واللاهثين خلف عروش السلاطين.
انه مشهد مجموعة من المسيحيين الراجلين الى كربلاء مشيأ على الاقدام يجمعهم الحب الى احياء تعاليم وتضحيات رمز المحبة والحرية والحلم والشجاعة والسماحة الامام الحسين(ع).
هذا المشهد تجسد هذا العام دون الاعوام الماضية التي تلغى فيها الاحتفالات بمناسبة راس السنة الميلادية,ليتحول الى مشاركة رمزية فعلية ضمن طقوس وشعائر تتجلى في فعاليات ينفذها عشاق سيد الشهداء تعبيرا عن ألم انساني وصدى لثورة لم يزل يتردد في العقل والجنان منذ أكثر من الف عام لتلتقي اليوم ذات المعاني التي صلب المسيح من أجلها قبل ألف عام من ذبح الحسين(ع),انه لقاء المبادئ العظيمة والتعاليم السامية والثورة السلمية على كل مظاهر الانحراف والرذيلة.
فقد جمعت دماء سيد الشهداء.. الاجناس والمذاهب والأديان والقوميات كلها في مناسبة غدت آية لكل المصلحين والمظلومين والمقموعين والمسلوبة ذواتهم.
لتستذكر وتستنهض المعاني العظيمة وتحرث الارض المضرجة بالمبادئ في كل حين,مع الثائر الكبير في التأريخ الاسلامي.
هذه المجموعة برمزيتها الباذخة لوحدة الشعب العراقي الذي سعى لتمزيقها كل المحتلين خلال أكثر من مئة عام ومازالوا يدبرون خطط تشظيته وتقسيمه تحت اشكال وعناوين وبرامج مختلفة. تلاشت عند الطرق والدروب المؤدية الى كربلاء..حيث الرمز ما برح شاخصا لتتردد عند مثواه وجسده المضرج بالدماء الزاكية,معاني الحرية والتطلع الى الاصلاح الذي نادى به ودفع حياته التي ظلت نورا ومنارا للثائرين والعاشقين صوب المعاني والمثل العليا.
فقد تنوعت وتعددت الاتجاهات الفكرية والدينية,غير انها اتفقت على جوهر وسمو ما نادى به سيدنا الحسين(ع).
فهل ثمة ما هو أرقى وأعمق وأبلغ من رسالته في مواجهة الطغاة والمستبدين والدكتاتوريين في الأزمان كلها؟.
وهل ثمة رمز ارتبطت تضحياته من أجل الانسان والمحبة كان ولم يزل محركا للثورة والاصلاح على مدى قرونا من الزمن,ليغدو بعد كل ذلك قطب الرحى للمجتمع العراقي والاسلامي نحو الوحدة والتماسك والايمان بالقيم التي ثار من اجلها؟.
ان تلك المجموعة وربما مجاميع اخرى لم يتسن لي مشاهدتها وهي تحث الخطى صوب كربلاء,تحدت ما كان يفكر فيه الاخرون من المتطرفين اللذين يسعون الى تخريب الدين الاسلامي والخير والرحمة التي جاء بها الرسول الأعظم.
ان المسيحيين القادمين الى كربلاء سيرا على الاقدام وهم يرفعون الصليب,انما بعثوا رسالة تجسد وحدة الثوار بأختلاف اديانهم وجنسياتهم للسير خلف نهجهم المبارك لانقاذ الانسانية من شرور المستبدين اللذين يتوالدون في بقاع الارض والازمان كلها مهما اختلفت التواريخ,ومادام في الارض مقموعين وفقراء ورغيف خبز يسلبه طاغية يرضي نزواته.او حاكم صغير تلفع بغطاء الديمقراطية ليهدم فسيفساء المجتمع بمعول الطائفية والمذهبية.