بُعث الرسول الكريم الى الجزيرة العربية، لينتشل العالم من حضيضه، ولم تقتصر رسالته على عرب او عجم او غيرهم، وانما كان يريد ان يخرج الانسانية جميعها من الظلمات الى النور، الجاهلية لم تكن كما يذهب البعض الى غياب المعرفة، اذ لو كان العرب جهلة بهذا المعنى لما خاطبهم الاسلام بلغة القرآن الكريم، التي كانت تعتمد في حوارها الاستدلالات المنطقية والفلسفية والاستشهادات العلمية الكبيرة، ولو لم يكن العرب في ذلك الوقت يملكون قدراً معرفياً لفهم هذا الخطاب لكان من العبث مخاطبة أناس لا يفقهون من خطابك شيئاً، لانهم لن يفهموا وبالتالي لن يعتنقوا اي فكر او عقيدة لا يعرفون عنها شيئاً .
رحل الرسول الى بارئه وحبيبه، ليترك فراغاً لا يملئه الا من حمل رسالته، الطمع في الخلافة أنتج بيئة مختلفة خلال ساعات تختلف عما وضعه رسول الله، ليذهب العباس عم النبي ويعرض الخلافة على الامام علي بعدما شاهد القوم يتقاتلون عليها، ليقال عم النبي بايع ابن عمه، لتكون بيعة نافذة، ليجيبه الامام علي أجاهلية بعد اسلام؟!، فالمنظومة الفكرية الهشة لم تصمد امام القبلية والعصبية التي لم تبارح العقل الباطن، لتعود لأوجها عند اول نداء للجاهلية، فيتم نبذ بيت رسول الله ومحاربتهم حتى لا تبقى لهم باقية، لان وجودهم يهدد هذه المنظومة الفكرية المستندة على أسس غير اسلامية، لا من ناحية العدالة او السلام او الموضوعية او الحلال والحرام ولا اي من المبادئ التي جاء بها الرسول، ليصبح المسلمين غير مسلمين! .
تغيير هذه المنظومة الفكرية المتصلبة اصبح شبه مستحيل وفق الطرق التقليدية للتغيير، فأنها تحتاج الى صعقة او صدمة تعيد ترتيب أولوياتها ومبادئها وفق المنهج الاسلامي، لتذكر القوم برسول الله وببيعة الغدير وبخطاب السماء، ليكون خطاب الحسين معهم من العمق والتركيز ما يختزل الرسالة بهذه الايام القليلة، التي رحل بها من المدينة الى كربلاء، ليتحمل آل بيت النبوة على عاتقهم اعادة القوم الى رشدهم وان كان ذلك على حساب قتل رجالهم وسبي نسائهم، ليكون الحسين وال بيته تلك الصدمة التي هزت المنظومة غير الاسلامية للمسلمين، لانها لم تحاكي عروبتهم، وانما حاكت اسلاميتهم الدفينة تحت أنقاض الضياع وعودة الجاهلية، ليكون مقتل الحسين وإخوته صرخة بوجه المنظومة الفكرية الاموية لا شخوصها التي تجسدت بهم، فمثل الحسين لا يبايع مثلهم، لم تُختزل بيزيد او شمر او ابن سعد، رغم كونهم أدوات هذه المنظومة، ولكن الحسين ضرب عمق هذا الاختلال الفكري والمنهجي ليعيد ترتيبه، ولينبض الاسلام في عروق القوم وان تغاضوا عن هذه النبضات الضعيفة، لتكون بداية احياء الاسلام الذي حاول الطلقاء إخفائه بكل أدواتهم، ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون !.