ليست بالمدة الطويلة و لا بالقطعة الزمنية الشاسعة تلك التي تفصلنا عن أشرس حكم دموي شهده تاريخ العراق على الاطلاق ، تعامل مع العراقيين بالحديد و النار و أحواض التيزاب و تحول الحزب الحاكم فيه الى منظمة أستخبارية مهمتها ان تراقب الشعب في كل تحركاته و تقولاته وهمساته حتى بات الناس يؤمنون بنظرية أن للحائط أذان فيخشون الهمس في بيوتهم في نقد السلطة و لا يثقون حتى بأهلهم و يتقبلون السير الى الحروب و الموت في محرقة الجبهات على أن يثوروا و يموتوا في سجون الشعبة الخامسة أو قصر النهاية أو معتقلات دوائر الامن ، فعاشوا في جمهورية الخوف و حكم المنظمة السرية ، ومازلنا نعيش تلك الاحداث و أرهاصاتها لما تزل موجودة و مخلفاتها تلقي بظلالها على ما يحصل اليوم من صفحات حمراء و سوداء على أرض العراق و مجزرة سبايكر الدامية هي حلقة تابعة لهذه السياسة التي لن تنتهي أبداً لأنها تنتمي لثقافة و أيدلوجية لا تؤمن بالتعايش السلمي بين أبناء هذا الشعب و لا تقبل الا بالتسلط على الاغلبية حتى لو كان الثمن قلب الموازين بسفك دماء الابرياء ، فمسيرة هذا الحزب و أتباعه هو الاجرام بلا أدنى وخز من ضمير أو شعور أنساني ، و اليوم ألاحظ بعد هذه السنوات التي أعقبت التغيير و ظهور أجيال جديدة من الشباب ( الذي تتوزع مجسات معلوماته بين فضائيات طائفية مؤدلجة و بين مواقع التواصل الاجتماعي التي تبث كم هائل من المعلومات غير المقيدة بأي دليل ) لا يملك معلومات كافية عن التاريخ القريب الذي عاشه العراقيون تحت نير منظمة البعث و حكم الطاغية و الدكتاتورية الدموية لأسرة صدام التكريتي و هذا الجهل يرافقه التشويه الاعلامي العربي المنحاز للحقائق والمساير للنفس الطائفي الذي زُرع و نمى و ترعرع بشكل كبير في الفترة الاخيرة مع ماكنة أعلامية و أقلام مأجورة مغمسة بمشاعر الثأر و الانتقام لفقد السلطة و الثروة ناهيك عن الطابور الخامس كل هذه المؤثرات ساعدت في خلق جيل لديه فراغٌ تاريخي يمس مقطعاً حساساً من ذاكرة العراقيين ، ففي حوارات عديدة في مواقع التواصل الاجتماعي او في مجالس ثقافية مع الشباب العراقي ممن لم يعيشوا تلك الاحداث في ظل الحكم الصدامي لمست عند البعض تعاطفاً غريباً و جهلاً بالوقائع و غسلاً تاماً للأدمغة و لهذا كانت الحاجة الى أفضل الوسائل لانعاش الذاكرة العراقية و ردم الفراغ في هذا المقطع الزمني و لا يوجد افضل من الدراما التلفزيونية للعب هذا الدور فالدراما التلفزيونية تدخل الى كل بيت و كل أسرة و خاصة اذا كانت واقعية و تحكي حكايات عاش بعض تفاصيلها أحد أفراد الاسرة فستفتح أفاق الحديث و تناول الاحداث بالتأييد أو الرفض و خير فعلت شبكة الاعلام العراقي و قناة العراقية بأنتاج و عرض مجموعة من المسلسلات التي تصب في هذا الاطار مثل مسلسل المدينة بجزئيه و مسلسل البنفسج الاحمر و مسلسل وادي السلام و سامكو و غيرها و هي مسلسلات تحكي تفاصيل و تسلط الضوء على تلك الحقبة الزمنية التي لا يمكن ان ينساها العراقيين و لكن هناك محاولات لطمس الذاكرة العراقية و لكنها لن تنجح لان الجروح مازالت نازفة لم تندمل و الالم مازال حاضراً والوجع يزداد يوماً بعد يوم , فعلى الدراما أن تكثر من أنتاج هذه الحكايا التي لا تنتهي فلكل عراقي رصيد من حكايات تصلح أن تكون مسلسلاً بعدة أجزاء ، و دمتم سالمين .