ربما الاستعارة الأقرب لبداية مقالنا عن منجز جواد الحطاب الشعري 0اكليل موسيقا على جثة بيانو
ذلك المقطع من إحدى قصائد الشاعر الفرنسي جان كوكتو (1889- 1963 ) ( تستحيل ألعوده إلى الخلف – اسكن الموت –انه يبحث عن الآخرين في بيوتهم – سياخذني من بيتي ) لا عوده للخلف سوى إحصاء الندوب التي لانمحى للحرب والتي خلفت أثارها على الناس والأرض
فليس مصادفة أن يضع الشاعر جواد الحطاب في استهلال مجموعته الشاعر العظيم أبو الطيب المتنبي وهو إعلان احتجاجي واضح حين يكون الشاعر ضمن المحيط الأثيم الجاحد محيط الأمراء والسلاطين ففي صياغة درامية عاليه يؤشر فيها إلى مقتل المتنبي ومعها التساؤلات عن سر ذلك الموت الذي غيبه !!
المتنبي المادح القادح الذام الذي لولاه لما عرف كافور أو سيف ألدوله منقذ ثغور ألامه من هجمات البيزنطيين يراه الحطاب شاعرا في بلاط الأمراء يستجدى عطف حاكمها
( وهل سيف الدولة إلا – كافور بوجه أخر — ماذا لو قدت الكلمات إلى الأحزاب— وصرخت بباب الدولة — ياسيف الدولة— حاميت ثغور ألامه — وأضعت فروج الناس – لكن— تطلق عشرين قذيفة مدفع – إذ يرضى سيف الدولة –عن مقطع )
والحطاب المسكون في شكل قصائده وانسيابيتها يوزن مفردات قصائده بعناية ودقه دون إسراف او مغالاة ينشر نص رثائه على ألجواهري كأنه يعيد إلى الأذهان تلك ألقصيدة الخالدة للجواهري حييت سفحك إلا ان تحية الحطاب لأتقل تراجيديه عنها
( دجلة — والفرات – محفوران – ألان –على قبرك – كأضلاع حصان ميت ) !!؟
ففي المقبرة التي تحتض رفات الشاعر يتساوى الجميع ألا ألجواهري الذي عيّنه الحطاب محافظا لمقبرة الغرباء !!
في الإكليل ركز الحطاب على الحدث الذي يخلّف في أرواح وطبائع الناس أثرا لايمحى أنها الحرب نقرأ ذلك
( أمي – اتكأت على كتف الوطن – وتساءلت – مالذي تفعله – القنابل—الفائضة عن حاجتنا ) ولأنها الحرب فقد عبثت بكل شيء وظفه الشاعر في إكليله بتلك المجموعة من الصور في تركيب واحد عن الوجه القاسي للحياة حين يقف متسائلا عن قدرية إنساننا الذي أنهكته الحروب ووجهه قبالة الطريق فيتدفق شعره صيحة احتجاج ضد تخريبات الزمان الوحشية (مع تدفق سنوات الحرب علي- قلت- ادفن نفسي في اقرب موضع — وأنام كالقتيل –ولكن- لم يتح لي ذلك- فقد أمطرت السماء قنابل – وأورقت أصابع الشهداء- بتربة قلبي-علامة استفهام)
ويتدرج بنا الشاعر الحطاب تدريجيا على مساحات الوجع المزمن فينا نقرا في قصيدة الحيزبون وهي عن إحدى عاهرات الحرب التي رقصت على أشلاء شهدائنا والى (موسيقى ) لكن أي موسيقى أنها مارشات الحرب (أيها الأصدقاء- ألم ننس في جزمه الحرب— أقدام أعمارنا )
واذ يستجيب الحطاب لنداء داخلي جارف للحزن الذي يتلبس البشر والمواقف والأشياء فان قصائده لم تبنَ من فراغ مفتوح على فراغ اخرلاينتهي وإنما لكل مفرده دلالة تتفجر وتتشظى ووضع فيها قدراعاليا من التجانس في الرؤى فهو المتغني بأمجاد الفلوجة قبل ان توصم بالإرهاب الذي يدينه الحطاب بقوة ولم ينس بطولات مقاتلي النجف الاشرف (حين يفصل الساسة من العلم الأمريكي – ثيابا داخلية – نفصله جواريب – لاطفال الرمادي) ومستمرا في احتجاجه وغيظه من الحرب واغتيال الإنسان تأتي قصيدة الشهيدة أطوار بهجت مؤشرا على ذلك المنحى التصاعدي لفجائعنا فاختيار العنوان ( استغاثة الأعزل ) له دلالاته الرمزية في وطن يفخخ نفسه كل يوم ( القادمون من العتمة – الهواة بسمكرة الأجساد – نصبوا الكمائن للغزالة— وتراهنوا : خارطة العراق على صدرها –ذهب –أم شبه –السمكريون الهواة –اشتغلوا بغطرسة—على جسد الغزالة -واكتشفوا— ان الخرائط – من – بهجة وأطوار ) تكاد تكون هذه المرثية إحدى ؛ اهم قصائد الديوان
فقد حمل فيها الحطاب عروش العصافير ومشى فوق شريان المدينة المستباحة رغم أن الصبر فيها فقد عرينه
وبلغه ثرة تثير ألاف علامات الاستفهام تبدو الحيرة على براءة تلك الاسئلة الموجعة من فم الطفولة في تلك الحوارية ( أمي الملائكة أكثر أم الطائرات –الملائكة طبعا”—- الم تقولي ملاكان على كتفيك – هذا صحيح — لكني أرى فوق راسي –عشرات الطائرات فكيف ؟ )
ديوان اكليل موسيقى على جثة بيانو وعاء”للإحساس المشترك وتاريخ لمجريات حرب مستعرة للان وانعطافة كبيرة في المسار الشعري ولأن الشاعر جواد الحطاب ابن البيئة الملتاعة من الحرب والمسكونة بالحزن؛ جاءت قصائد الإكليل صادقة وأمينة ومتخيلة في أوضح صور التعبير الشعري الأخاذ .