لم يسجل بلد في العالم انتقائية اعلامية في التغطية والنشر مثل العراق الذي لايمكن ان تسلط الضوء فيه على مأساة ام مذبحة من تفاصيله اليومية الا بمصلحة معينة او غاية في نفس هذه الوسيلة الاعلامية او تلك وكانت احداث احتلال الموصل وما تلاها ابرز مثال على هذه الازدواجية المفضوحة .
واذا كان موضوع تهجر المسيح من مدن وقرى نينوى قد اخذ حيزاً كبيراً من التغطية والتعاطف وكذلك الحال مع تهجير الايزيدين من منطقة سنجار ومحاصرتهم في الجبل حتى وصل الامر الى تدخل امريكي مباشر في ايصال المواد الغذائية والماء اللذان اسقطا على النازحين من الطيارات العسكرية وهي المرة التي تقوم بها الولايات المتحدة بهذه العملية في العراق.
واذا كانت فرنسا ترسل موفديها الى كردستان من اجل متابعة اوضاع المسيحين عن كثب وكذلك الحال بالنسبة للفاتيكان في حين يصطف عدد كبير من الكتاب بمختلف الانتماءات (وان كانت اليسارية هي الغالبة) في الدفاع عن كل الاقليات وابداء التعاطف معها وهي حالة تشير الى سمو ورقي على الاعتبارات الضيقة الموجودة في العراق .
وفي ظل زوبعة التعاطف والتحركات فأن الجانب المعتم من العراق لا يمكن لاحد ان يتفوه بكلمة عن ماساته او حتى يتجرأ على التعاطف ولو بالاشارة مع عوائل كاملة تتعرض لابادة ممنهجة وتقتصر الحياة اليومية لافرادها بين دفن الموتى واحصاء الجرحى وانتظار نحبهم في اي لحظة بواسطة قذيفة مدفع او برميل متفجر او صاروخ يقال انه ذكي ولكن طوابير الاطفال الشهداء تشهد على غبائه وحقده الدفين.
ان اي تعاطف مع مدن الانبار او مناطق جنوب وحزام بغداد صار من وجهة نظر الحكومة العراقية هي جريمة لاتغتفر وتستحق اشد بيانات الشجب والاستنكار من برلمانيين تخصصوا بهذا النوع وثارت الدنيا لديهم حين تلى نائب معرض بياناً في الاسبوع الماضي طالب فقط بالتوقف عن اسقاط براميل الموت والكف عن ابادة الاطفال والنساء في الفلوجة .
ان منظومة الاخلاق والمعاني التي شوهت بمجملها في العراق لم تستثني اي مفردة او تفصيل وفي مقدمتها مفهوم الانسانية الذي يجعل السياسي او رجل الدين ينحاز مع تلك الفئة لانها من جنسة اويتفاعل ويدافع عن اناس وقضية لانهم فقط يتماشون مع مخططه وطموحاته التي يريد ان يدوس كل شيء بقدمية في سبيل الوصول الى تحقيقها.
لم نسمع ن المرجعيات تعاطفها من قبل مع المكونات التي تباد منذ 2003 والى الان ولكن في غفلة من الزمان صارت الاقليات شغلها الشاغل وقضيتها الاولى لان المتهم بها هو مكون اخر وهي فرصة ذهبية لاتعوض في تصفية الحساب مع ذلك المكون الذي لايجد من يعطف على اطفالة او يرحم نسائه لانهم جميعاً وطبقاً لماكنة الاعلام الغربية والايرانية ارهابيون ولايستحقون الشفقة .
ان مفهوم الانسانية والرحمة والتعاطف ثابت ومؤلف من منظومة واحدة لايمكن تجزئتها الا عند الكذابين او المنافقين لان العين التي تدمع على المسيحي لابد لها ان تفعل المثل على الايزيدي والسني والشيعي لان المفروض ان دافع الحزن والبكاء هو الانسانية التي يتمتع بها الانسان المتعاطف مع العراق بكل تفاصيلة والا كيف تبرر دمعه تسيل حزناً على منظر مهجرمن الحمدانية او نازح من تلعفر او فقير من تلكيف في حين ان مناظر طفل ينتشل من تحت الانقاض في الفلوجة او امراة قضت نحبها بقذيفة مدفع في جرف الصخر لا تجد اي تجاوب من المتلقي ولاتثير فيه اي احساس عدا احساس الفرح والتشمت لدى البعض.
ان القاعدة التي تحصد اكبر اتفاق شعبي عليها في العراق هي ان الحديث بمظلومية فئة هو المدخل الاول لمعرفة انحياز الشخص من موضوعيته وحقيقتة من زيفه فلا مجال للتعامل الاحادي مع جزء واحد من هذا الشعب الذي ابتلي بمجمله بانواع المحن من ارهاب وظلم حكومي وتنفيذ الاجنداتوالخواطر الاقليمية وجميعها كانت على حساب دمه واليوم يأتون ليكملوا مسلسل ذبح العراق بسكين مظلومية هذه الفئة وحقها في الحياة واجرام تلك الفئة واستحقاقها الموت .