18 ديسمبر، 2024 7:38 م

المسرح وذهْـنية التحْـــريم (03)

المسرح وذهْـنية التحْـــريم (03)

فــرقـــاء التـحْـريم:
من عجائب الأمور في مجتمعنا الإسلامي؛ أن قضية تحريم الفن عموما والتمثيل/ المسرح ( خاصة) أنتج فرقاء و جماعات توهج الجـدل بين الإباحة / التحـريم ؛ بحيث كل فريق يدلي بحججه وإثباتات الإباحة ( أو) التحْـريم بمقتضى نصوص الشريعة ، واستنادا لرأي أهل الإسلام وذلك من خلال التأويل والقياس، حتى أن البعْض كـفَّر البعْض أواتهمه بالجهل وممارسة الضلالة مثل صاحب [ إقامة الدليل على حرمة التمثيل] الذي جاء نتيجة جَدل مع زميل له في التدريس والذي أفتى بإباحة التمثيل؛ بحيث ينعَـته تارة بالجاهل: والمقصود تنبيه هذا الجاهل المفتي إلى بعض أدلة تحريم التمثيل دون التوسع في ذلك والله المستعان(31) وتارة ينعَته بالكافر والجاهل معا:… فتكون المصيبة بهذا التمثيل أعظم لأنه كُـفرلا يشك فيه إلا كافر أو جاهل بالدين كهذا المفتي… (32) فهـذا الاختلاف أو بالأحرى الصراع ؛ أساسا مرتبط بما يتملكه الفرد من رؤيته للحقيقة المطلقة : والتي يلزم منها أن من ينكرها يُـتهم بالكفر والهرطقة . وهكذا كان حال الإسلام…من هذه الزاوية كفر المعتزلة الفلاسفة ومفارقة التكفير هنا أن المعتزلة قـد كفـر بعضهم بعضا (33) وهاته الصفة / التهمة ؛ كانت صَكا يوظف عند الحاجة حسب الدرجات والمقامات. لتحقيق المنع / التكفير بعْد الهجوم . من لدن مَن يدعون الوصاية من المتدينين والمؤثرين في دواليب السلطة . أو أحدهما شعَر بانفلاتها منه .
وهـذا لم يكن واردا بشكل مباشر ومستفحل في ذهنية التحريم المسيحي. كغطاء يخفي ما يخفي من الدسائس والضغائن بين الأساقفة أو الكهنة أو الأبرشية بحكم أن الكنيسة كمؤسسة دينية / لاهوتية . وهي التي كانت تملك الحقيقة المطلقة وتسعى لتوظيفها لتتسع رقعة النصرانية ؛ وخاصة أصحاب المذهب الكاثوليكي؛ الذين كانوا يهدفون لتوحيد العقيدة؛ مما كانت لهم مبررات تجاه تحريم – المسرح- بعْـد اتهامهم للعروض الرومانية بالهرطقة / بـِدَع /لأنها تقـدم عروضا تهريجية ساقطة . مما دفعها إلى توظيف الشعائر والقيم الدينية وتفسير لبعض الطقوس والتعاليم النصرانية في الكنيسة . من خلال تقديم عروض مسرحية ( كانت) تخدم قيمها وأهدافها اللاهوتية. مثل الراهبة” روزفينا” في القرن العاشر الميلادي قامت بكتابة مسرحيات دينية من داخل الهيكل. وبالتالي: لم يكن الكثير من المصريين غير المسيحيين ، يعرفون حتى سنوات مضت أن هناك مسرحا داخل الكنيسة. حتى ثارت مشكلة مسرحية الإسكندرية التي تسبب انتشار سى دى لها فى إثارة غضبة البعض من سريعي الاشتعال فى الجانبين. وبالطبع لم يكن وقتها أهم ما يشغل البال هو سؤال المسرح داخل المؤسسة الدينية ، بل كان كالعادة يسيطر سؤال الفتنة/التصالح بين كل ما هو إسلامي وبعض ما هو مسيحي. ثم عاد النسيان يغطى هذه المعلومة غير العادية . لتجد الكثيرين لا يعرفون شيئا عن وجود مسرحا فى الكنيسة المصرية. بل إن كثيرا من المتخصصين لم يشاهدوا فى حياتهم عرضا مسرحيا واحدا فى كنيسة . بالرغم من أن عدد العروض المسرحية داخل الكنائس… يصل للآلاف التي تتجاوز إنتاج كل الفرق المسرحية بأنواعها وقطاعاتها (34) ففي هذا السياق؛ نجد بعض فقهاء الاسلام يتحاشون مواجهة منظور المسرح الكينسي . ربما بناء على مفهوم التسامح الديني أو تهَـربا من السقوط في التناقضات بأن المسرح بدعة غربية (كفار) ولكنه مفصول عن الكنسية؛ مما يشيرون بنوع من التشبيه للموضوع : فإن مما شاع في هَـذا العصر الذي قل خيره. وكثر شره بدعة التمثيل التي جاءتنا من الغرب وطغت علينا من عاداته وتقاليده…. فأنشئ في كل جماعي ما أسموه( فرقى التمثيل الديني) وهذا غاية العجب ! فمتى كان التمثيل دينيا؟ ومن ذا الذي جعله من الدين؟ ولكن غلبة الجهل والهوى تصير المنكر معروفا، وتجعل البدعة سنة ، والقبيح حسنا (35) فبنوع من التأمل الرصين؛ نلاحظ ضربة مزدوجة للكنيسة التي تبنت المسرح الديني لأهدافها؛ وللفرق الإسلامية الذي تبنته للاستقطاب كبدعة مستقات من الكنيسة بطريقة غير مباشرة .
ولهذا فـذهنية التحريم الكنسي تجاه المسرح كان لموضوعه ؛ فلو كان لذاته لما أعادته للواجهة يمارس أنشطته أوهرطقته ؛ خارج الكنائس بغض النظر على استراتيجية فصل الدين عن الدولة فلا زالت بعض الكنائس تتخذ من المسرح منبرا لها: … نحن نرعى كل أشكال المسرح الهادفة سواء الدينية أو الدنيوية… أنا أؤمن بالدور الفعال الذى يقوم به المسرح نظرا لقدرته الفريدة فى التأثير على اﻟﻤﺠتمع بالكامل.فالوعظ يخاطب فئة معينة والترنيمة تخاطب فئة أخرى. أما المسرح فيخاطب كل الفئات فهو له تأثير قوى على كل المشاهدين الذين يتلقونه .وهذا ليس غريبًا علينا فالكتاب المقدس ذاته نجـده يـعـتـمـد عـلى الـكـثـيـر من الحـكـايـات الـتى بـها الـكـثـيـر من تـقـالـيـد الـدرامـا المـسـرحـيـة لـيـكـون لـهـا تأثـير قوى وفـعال . وأنا أقـول لو أنه وجد مـسرحا فى عهد السيد المـسيح لكان تم استخدامه للتأثير في الناس وتوعيتهم لصلاح أحوالهم (36) بخلاف العديد من فقهاء الإسلام الذين حرموه لذاته وموضوعه ؛ علما أنه لا يوجد دليل شرعي صريح يحرم التمثيل؛ وبالتالي فالإباحة هي الأصل ما لم يرد دليل المنع. ورغم ذلك ففريق الإباحة قليل جدا، بخلاف أصحاب ذهنية التحريم ودعاته فهم كثر(جـدا ) وتساندهم المجاميع الفقهية ودار الإفتاء واللجن الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ولجنة الفتوى والأحزاب السياسية المتأسلمة والجمعيات المتفرعة عنها وعن بعض التيارات الدينية ؛ وهناك أفراد هنا وهناك يمتلكون ذهنية التحريم وليسوا فقهاء ولامنتمين للجماعات وغيرها ، بحيث لانراهم ولا نعرفهم ؛ لكنهم يعتبرون أنفسهم أوصياء على الدين ومشغولين بمحاربة الفن ؛ فحرّموه على أبنائهم وعشيرتهم… وكل هذا فأغلبهم يتمركز على قضية التحريم من خلال:… وأن الغثاء والخونة الذين توافدوا علي الغرب هم الذين جلبوا هذا الداء العضال ، من جملة الأدواء التي نكبوا بها الإسلام والمسلمين (37)

سـرطانـية التحـريــم :

مثل هاته الأحكام ؛ يلعب عليها أغلب فقهاء التحريم ؛ لتأجيج الفتنة من الزاوية السياسية ؛ بعيدا عما هو تراثي / ديني. خاصة إبان عودة الدين بشكل قوي إلى الواجهة، وذلك في إطار [الربيع العربي]الذي فرض بحتمية التاريخ ظهور وصعود التيارات الإسلامية في عدة دول عربية . مما أججت ذهنية التحريم خطاب التكفير وسعت لتجذير الطائفية وانتشار التطرف والعنف؛ فحينما نجد مثل هذا العنوان[ التنكيل أو التقتيل لمن أباح التمثيل] أو[زجر السفهاء عن إباحة تمثيل الصحابة والأنبياء] أليس هـذا تحريض للعنف والإرهاب ضد الفن والمسرحيين ؟ وأبعدها جعل قطيعة بين الشرق والغرب؛ متناسين المثاقفة والتثقاف وتداخل الحضارات؛ وأبعـد من هذا يتم تغييب (من) أين جاءت الحضارة الإسلامية ؟ فهذا التغييب القصدي له منطلقاته ؛ ابتدأت معالمه أثناء ظهور الصوفية والمتصوفة ثم: ازدياد لهيب الصراع الفكري والعقائدي في العقود الأخيرة ؛ لدواعي سياسية تتقاطع والفكر السلفي الوهابي. بحيث: تبلورت الحَميَّـة الدينية لرشيد رضا رائد الحركة الوهابية السلفية الجديدة ورئيس تحرير” المنار” الفكرة المحورية في هذه الكتابات، تسييس الإسلام .إذ كانت عقيدته أن الإسلام يتوقف عن الحياة إذا لم تؤسس الدولة الإسلامية العالمية (…) من هذه الزاوية يعتبر الممهد للإخوان المسلمين، بل الممهد لحركة سلفية تدين البدع وتمجد السلف الصالح(…) وسرعان ما تأثرت الحركة السلفية الوهابية التي ظهرت في المملكة العربية السعودية بزعامة محمد بن عبد الوهاب ومهدت للسلفية في مصر والهند وأندونيسيا، ولكنها في النهاية ترتد إلى ابن تيمية وابن قيم الجوزية؛ وشعارها لا سلطان إلا سلطان القرآن والسنة؛ ولا عقيدة سوى التوحيد(…) وبظهور الإخـوان المسلمين تسيس الإسلام…( 38) مما نتج فيما بعد عن تمظهر جماعات وفئات دينية سياسية، تختلف درجاتها بين التطرف والتزمت والوسطية …وإلى ما ذلك. من خلالها مارس أغلب رجال الدين دورًا مباشرًا في إنماء وتغذية ظاهرة الفكر الأحادي والتطرف ومحاربة الإبداع بشتى تلويناته وأنماطه وغيره من مفردات هوية المجتمعات المتمدنة .وارتباطا بهذا الوضع الذي أمسى معاشا في عدة محطات؛ فمن المغالطات أن نعتقد بأن المجتمع العربي/ الإسلامي يتكون من جماعات وفئات وطوائف دينية عقائدية. ولنا في تصريح الرئيس الجزائري الأسبق علي كافي شهادة تدعم طرحنا: «بأن انتشار التطرف في الجزائر الذي ولّد العنف والإرهاب بداية التسعينيات يرجع إلى الشيخ محمد الغزالي»، الذي أمضى سنوات يُدرس ويدير الجامعة الإسلامية، في قسنطينة، ويخاطب الجزائريين، من التلفزيون الوحيد ـ وقتذاك ـ كل يوم اثنين. وهي حظوة لم يحصل عليها ولا واحد من رجال الدين الآخرين(39) وبالتالي فكل المظاهر الحضارية كالمسرح بكل مكوناته من ممثل/ حكاية/ ديكور/ معهد التكوين/…./ تم تحريمه وأمست الكتابات والمؤلفات التحريمية تستنسخ بعضها البعض؛ من خلال أول مؤلف مدون ومطبوع مصنف دعا علانية بتحريم التمثيل سنة (1928) [ إقامة الدليل على حرمة التمثيل] حتى أمسى مصدرا ينهل منه الفقهاء والشيوخ بطرق ملتوية ، مما تشكل ((التحريم)) كنوع من السرطان يتحرك هنا وهناك في صمت ، وبإضافات متنوعة . مرفقة بالشتائم والنعوت القدحية لممارسيه وحتى لعشاقه أو لجمهوره . ولكن له تأثيره القوي على ذهنية ( المواطن) بحكم طبيعة التخلف وكـذا من زاوية الإعتقاد الإيماني بسلطة الفقيه .وبالتالي: وقد تعلق بضلالهم وأصول فسادهم بعض الطائشين في هـذا العصر فقاموا بإحياء كتبهم وذكرهم يرتزقون بذلك ارتزاقا ويحسبون أنهم يحسنون صنعـا وهم في الحقيقة يفسدون الآمـة وعقيدتها(40) وبناء على ذلك وكما أشرنا سلفا؛ ليست هنالك دراسات سوسيولوجية في المجال ، ليفهم المرء ويستوعب عَمليا /عِـلميا. لماذا هنالك تراجعا خطيرا في عـدد المهتمين والممارسين والجمهور؟ ولماذا كل المشاريع الفنية/ المسرحية في العالم العربي تبوء بالفشل والانهيار؟ إذ الأغلبية ترجع الأمر لسياسة الدولة ؛ والموضوع لا صحة له من عِـدة جوانب ؛ وبالتالي فلماذا الآخرون لازال الإبداع ينمو ويزدهر؛ والمسارح تزداد ازدحاما عندهم ؛ وبدورهم عاشوا فترات التحريم والتكفير ؟ ولا نحاول هاهنا أن نقفز التعصب الديني في المجتمع الأوروبي؛ الذي تمثله الأصولية المسيحية ؛ التي تبرز ويتمظهر غضبها وسخطها على بعض الأعمال المسرحية؛ وخاصة التي تشوه في نظرها – المسيح أو مريم العذراء؛ فمثلا: أثار عرض مسرحية الإيطالي روميو كاستيلوتشي في باريس التي يتحدث فيها المخرج عن تفاصيل وجه المسيح سخطا لدى “الأصوليين” المسيحيين الذين يتوافدون على قاعة العرض كل يوم للتشويش على عرض المسرحية، وتلقى الفريق العامل في المسرح بعض التهديدات والشتائم من المحتجين الذين استطاع بعضهم الدخول إلى المسرح بالتذاكر والصعود إلى الخشبة لتعطيل العرض(41) فمثل هاته التهجمات وإن كانت بسيطة وثانوية فهي وقعت في بعض الدول كروسيا؛ من هنا نستشف بأن العلاقة بين الفن والدين هي علاقة شائكة؛ وإن تجاوزها العالم الأوروبي ؛ ولكن الأصولية تعيد إشكالية السؤال الشائك؛ رغم أن المسرح ليس دخيلا كما هو الشأن عندنا ؟ وفي تقديري ؛ فـقضية ( الدخيل) أمر مردود أمام كينونة المسرح كتجلي إنساني ؛ كوني؛ ولابد أن يكون ، انطلاقا من كينونة الإنسان وديمومته ووجوده. لكن الإشكالية انغمس العرب في النقاشات التافهة هل عرفنا المسرح أم لا ؟ تلك النقاشات والدراسات التي أغرقتنا في السراديب والمتاهات ؛ لتحقيق الأصل والتأصيل لهويته وانوجاده العربي ؛ وذلك بشكل تعسفي وبأسلوب الاجترار والتكرار السخيف . وانضافت إليها أصوات ذات ذهنية تحريمية و التي تمارس عنفها لنفيه وكسرانوجاده وفعاليته وإخراس نغمته وتلويناته . وهذا لم تعـشه أوروبا أو الشرق الأدنى أو الأقصى وحتى إفريقيا إلا( نحن) العـرب ؟ علما أن المسرح فعل إنساني/ مدني/ حضاري/ لا يحتاج في الأصل إلى بطاقة انتماء سواء دينية أو جغرافية أو قومية. وبالتالي فالإبداع إبداع ؛ إيمانا بتلاقح الحضارات؛ لأنه كائن بكينونة الإنسان أيما انوجد؛ ولا يمكن أن يظل الفرد على حالة واحدة ، فمن خلالها يتمظهر التزمت والتَّحجُرالفكري ؛ الذي يتطور لمشروع إرهاب ( ! ) بل لامناص من خلق وتفعيل موازنة بين تغذية الروح ،كما يتغذى الجسد ؛ ولاسيما أن المسرح وتنويعاته مجال إنساني يمارسه الفرد ويشاهده الجمهور؛ لتحقيق متعـة ولذة جمالية وفكرية ؛ وفي حد ذاته يـعَـدّ متنفسا ليس بالمفهوم [الكاتتريسي] للهموم والكراهية والحقد وويلات الحروب؛ لكن حينما تصبح المتعة واللذة حراما ب[فتاوى ومجاميع] فالخاسرالأكبرهو المجتمع؛ باعتبار أن الفن أساسا مرآته . فأي تفسيريمكن أن يعطى ؟ : وقد سبق لبعض العلماء أن منعـوا إنتاج فيلم “الرسالة” للمخرج والمنتج الراحل مصطفى العقاد، وعندما ظهرللنور حَـرَّموا عَـرضه ! والواقع أننا نعتمد الآن على فيلم )الرسالة( اعتماداً كبيراً في التعليم والترفيه الملتزم (42) وفي إطاره هنالك تعليق جميل في الهامش( يشير) في المناسبات الدينية الإسلامية لا تجد الفضائيات شيئاً ترفيهياً تعرضه سوى فيلم: (الرسالة) أو (عمر المختار)!! إذ نحن أمام مفارقات رهيبة بين التطور الحضاري والتكنولوجي؛ وذهنية متحجرة ومتكلسة. وتأكيدا لذلك؛ تلك الضجة والجـدل العنيف والهجوم المضاد على مسلسل [عمر بن الخطاب] قبل إنجازه وقبل عرضه ورؤيته؛ حتى أن الأمر تطورلدعاوى قضائية كالتي رفعها محام كويتي يدعى “حامد سالم” ضد مجموعة “MBC” مطالبا بمنع مسلسل ((عمر بن الخطاب)) ووقف نشاط أي قناة فضائية تبثه مستندا إلي الفتاوي التي لا تجيز تمثيل أو تجسيد الصحابة . أو الحكم الذي قضت به محكمة القضاء الإداري في مصر، بوقف عرض المسلسل.وفي نفس السياق ؛ دعت رابطة علماء المسلمين إلى عدم مشاهدة المسلسل ومقاطعته وقد أصدرت عـدة فتاوى بتحريم مشاهدته. بحيث أن: قصة إظهار شخصية عمر على الشاشة والتي أقـَرھا علماء المسلمین الستة وعلى رأسھم الشیخ یوسف القرضاوي فـأنا واثق أن أي من العلماء الستة لم یقرأوا سيناريو المسلسل وإنما عرض علیھم ملخص وأجازوه….. وھذه جریمة كبرى ارتكبھا حاتم علي وولید سیف وام بي سي وتلفزیون قطر والعلماء الستة الذین أجازوا مسلسل عمر بن الخطاب (43) وبشكل أو آخر نستشف أن المتحكم في العملية التحريمية ، البعد المذهبي/ السياسي. صراع (الشيعة مع الشيعة) و(السنة مع السنة ) و(السنة مع الشيعة) و(الشيعة مع السلطة ) و(السلطة مع السنة ) فمن خلال الفنان- عبدالعزيز مخيون – الذي بعدما كشف أنه لم يشارك في مسلسل عمر إلا بعَـد موافقة القرضاوي مضيفا: استغرق تصوير دوري 12 يوما.. قضيت هذه الفترة في مراكش، حيث تم بناء مدينة مكة كاملة هناك.. والمثير بالنسبة لي هو المستوى الرفيع الذي لمسته بالإضاءة والتصوير والملابس والمكياج، أدركت أن الإيرانيين سبقونا بحوالي 50 عاما.. وبعْـد تفكير أدركت أنه أمر طبيعي أن يحدث ذلك لأننا توقفنا تماما عن تطوير أنفسنا… وأعتبر وجودي في مسلسل عمر بن الخطاب شرفا كبيرا لأنها تجربة غنية من حيث الإنتاج وغنية أيضا في مستوى التكنيك (44) فبناء على هَـذا التصريح نستشف الحضور[ الإيراني] وبدون أن نمارس التأويل أو التخريجات السياسية؛ فأبعاد التحريم منذ القرن ( 19م ) وهي تتراوح بين الديني/ السياسي . لأن واقعنا العربي/ إسلامي متشابك ومركب ومهجن حتى:أن السياسي أثرت على شريعة الإسلام تأثيرا سلبيا بعيد المدى ,,, فإنه ما تدخل السياسة إلى العقيدة فتحولها إلى ايديولوجيا. وفارق كبير بين الإسلام دينا وبين الإيديولوجيا الإسلامية : فالدين رحابة وسماحة وإنسانية عادلة ورحمة وسلام أما الإيديولوجيا فهي شمولية ديكتاتورية وتحزب وجنوح وعنف وقتل وإرهاب (45) وهنا لو قمنا بتدوين ما يروج من أحداث ومواجهات وتعنيف للمبدعين باسم الدين ؛في أكثر من محطة عربية. لما اتسع المقام في المقال؛ فعلى سبيل المثال: نشر المذيع والإعلامي السوري “فيصل القاسم” الأربعاء 6 فبراير 2019 تغريدة على حسابه في موقع “تويتر” حول فيديو لجمهور عراقي يهاجم ممثلا في عرض مسرحي بمدينة كربلاء ذات الغالبية الشيعـية.ويظهر الفيديو الذي نقله “القاسم” عن موقع “سوشال” تحفز الجمهور لضرب الممثل الذي يؤدي دور أمير المؤمنين “عمر بن الخطاب” (رضي الله عنه) بينما يؤدي مشهدا مزعوما باقتحام البيت على السيدة “فاطمة الزهراء” رضي الله عنها. فهذه الجرأة هل مردها الجهل أم الأحقاد المذهبية ؟ هنا فالآمر متداخل ومتشابك بحكم البنية المركبة على التحريم الذي يمارس قوته الخفية ؛ في الذهنية العربية بشكل عام . وإن كان باطن الفعل سياسي محض، والذي كانت تتحرك في إطاره التيارات السلفية منذ عقدين ونيف من الزمن؛ محدثة تفاعلات مريبة فرضت خوفا مضاعفا في المجتمع العربي وغيره . بحيث ثمة مبدعون / فنانون ابتعـدوا كليا عن المشهد الفني والمسرحي. فإذا تأمّلنا سرّ اعتزالهم أوعُـزلتهم أو هروبهم . لا محيد بأن هناك مؤثرات دينية / سلفية لامحالة في الموضوع ؛ بدعوى مخافة الله ورغبة منهم في التوبة والتفرغ للعبادة، بعد أن شعروا بالندم على ما أضاعوه من عمرهم في معصية الله حسب تصريحات العديد منهم ( ! ) وهنا من الصعب حصرهم في لائحة واحدة . وعلى سبيل المثال: اعتزل فضل شاكر في أواخر 2012 كي يتفضى للعبادة متأثراً بالشيخ اللبناني السلفي أحمد الأسير وشارك معه في اشتباكات عبرا في مدينة صيدا الجنوبية، والتي راح ضحيّتها 18 عسكرياً و11 مسلّحاً (46) فهاته صورة غنية عن حضور الديني في الاعتزال؛ طبعا لا يمكن أن نلغي من حساباتنا قضية التهميش والإقصاء والإستغلال وقـساوة العيش والمخاوف المتداخلة مع الديني وأبعد من هذا: فأنا أعلم أن الموهبة جريمة فى بلدنا يعاقب من يرتكبها وكذلك الاجتهاد والنجاح لهما أعداء ولا أحد ممن يتكلمون يبحث عن سبل للاجتهاد لكى يحصل على ما يريد. فقط يتفرغون للحديث فى الفاضي فقط لهذا لا يحققون شيئا (47) هاته صورة تعكس هواجس المبدع العربي الصادق مع نفسه. الذي يدرك بخبرته أو إحساسه بأن هنالك دائما ضربات استباقية تصبح قرارات ومنهجية نافـذة ضد المبدع قبل الإبداع .

يــتبـــع

الإحـــالات :

31) إقامة الدليل على حرمة التمثيل – ص – 10
32) نــــفـــســـها – ص- 18
33) الأصولية والعلمانية لمراد وهبة سلسلة قضايا العصر(1) ص 17 دار الثقافة / ط 1 /1995
34) روزفيتا مازالت تكتب مسرحها سرا في الكنيسة المصرية : لأحمد عامر- ص31- مجلة
مسرحنا ع/223 – بتاريخ/24/10/2011 /
35) إزالة الالتباس عما أخطأ فيه كثير من الناس لأبي الفضل عبدالله الصديق الغماري ص 31 ط 3
/2004 مكتبة القاهرة – علي يوسف سليمان
36) حوار مع الأنبا مرقس راعي الفنون في الكنيسة المصرية حاوره خالد رسلان – ص23 – في
مجلة مسرحنا ع 223 / بتاريخ 24/10/2011
37) تقريظ فضيلة الشيخ العالمة:ربيع بن هادي المدخلي 18/3/1413 هـ
38) الأصولية والعـلمانية لمراد وهبة سلسلة قضايا العصر (1) ص73/74 دار الثقافة / ط 1 /1995

39) كرونولوجيا «تكفير الأدب» في الجزائربقلم سعيد خطيبي – القدس العربي بتاريخ17/11/2017
40) تنبيه القاري إلى فضائح أحمد بن الصديق الغماري لمصطفى اليوسفي ص4 مراكش/1996
41) مسرحية عن المسيح في فرنسا تثير سخط “الأصوليين” المسيحيين: المصدر فرنس 24
الإخبارية بتاريخ : 02/11/2011
42) فن التمثيل أحكامه وضوابطه الشرعية- لحذيفة أحمد عكاش– ص 7 / 2014 فقه الإعلام ج1
43) مسلسل فاشل بامتیاز ومغالطات تاریخیة بقلم عبدالله عيسى دنيا الوطن- بتاريخ 10-08-2012
44) تصريح للفنان مخيون: شاركت في «عمر» بعد موافقة القرضاوي المصدر: صحيفة الأنباء
الكويتية بتاريخ- 2012/7/26
45) الاسلام السياسي لمحمد سعيد العشماوي – ص 3- ط/4 مكتبة مدبولي الصغير 1995
46) اعتزلوا في قمة عطائهم… مجلة – ياوافيد- لآية أبي حيدر- بيروت في04/03/2016
47 ) الموهبة في بلادنا جريمة حوار مع المخرج: أحمد عبد الجليل حاوره محمود الحلواني ص7
في مجلة مسرحنا ع 223 / بتاريخ 24/10/2011