ذكريات الماضي الجميل مع الطفولة وكل مارافقها من حرمان وفقر شديد ولكنها تبقى الاجمل في حياة الإنسان مهما تطورت حياته وعاش ملذات الحياة وتوفير كل وسائل الراحة والتسلية…
كان حلم بالنسبة لجيلي من يملك جهاز مذياع يشبه الراديو ولكنه مختلف فمن خلاله تستطيع محاكاة نفسك وتسجيل كل الأصوات من حولك أنه (( المسجل )) ..عندما تم عرضه في الأسواق وفي بداية الامر كان يباع لدى وكلاء المواد الكهربائية اوفي شركة توزيع المواد الكهربائية والإلكترونية وكانت أسعاره تتراوح مابين الثلاثة دينار الى العشرة أو العشرين دينار وبعدها وصلت الاسعار الى الخمسين ديناروحسب النوعية أما المنشأ فهو ثابت (( made in Japan)) صنع في اليابان وكانت ارقى الشركات العالمية اليابانية تجهز العراق بكل الأجهزة الإلكترونية والكهربائية ولهذا حافظ البلد في تلك الفترة على النوعية من ناحية الجودة العالية فمن لايعرف شركة ناشينال أو سانيو أو جنرال اليكتريك. كانت علامات مميزة في حياتنا ولها بصمة جميلة ..فعند حصولك على هذا الجهاز يبدأ التفكير في كيفية الحصول على الكاسيت أو الشريط أو البكرة كما نسميها في اللهجة العامية .
كنا نحن أبناء القرى ننتظر الأشخاص الذين لديهم وظيفة في المدينة او من يذهب إلى التسوق لعائلته حتى نوصيهم اي يجلبو لنا هذا الكاسيت معهم وكان سعره يتراوح بين الثلاثة ارباع وتعني 750 فلسا الى الدينار أو الدينار وربع وازدهرت في تلك الفترة محلات التسجيلات التي تبيع هذه الكاسيتات وأتذكر منها تسجيلات الصباح وتسجيلات الخياط ومحلات كثيرة وكان مقرها الرئيسي في منطقة باب الطوب وسط مدينة الموصل في سوق الهرج وفي كل محافظة تقريباً تنتشر هذه المحلات في أسواق الهرج لكثرة المارة فيها ولتوسطها مراكز المدن العراقية..
كان الشباب في القرى أو المدن كلاً يشتري الكاسيت حسب رغبته فأبناء المدينة يعجبهم الطرب الذي انتشر في الإذاعة والتلفزيون لمطربين عرب اوعراقيين مثل السيدة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الاطرش وحضيري ابوعزيز وداخل حسن ومحمد عبده وياس خضر وكثيرين من المطربين في ذلك الزمان أما نحن أبناء القرى والأرياف فطابعنا في الطرب ريفي فتجد الربابة والمطبگ تلازم كل مطربينا فمن العتابة والسويحلي والنايل على ربابة ملاضيف الجبوري وسلطان احمد ومهدي غايب وياسين السبعاوي وطلب السبعاوي ومحمود الحامد وجبار عگار الى اغاني الدبچة والسويحلي على مطبگ احمد الانضباط واغاني السويحلي وتشكيلة الهچع بصوت بنات الريف وهاشمية حامد وساجدة عبيد ..والكثير الكثير من الأصوات الريفية التي لاقت انتشاراً واسعاً لدى أسماع أبناء القرى والأرياف في تلك الفترة …
كنا نسمع اي شيء يحرك مشاعرنا بصوته العذب أو معنى الكلمات .كان كل شيء جميل أن تجلس في الربيع وحدك وصوت المسجل بالقرب منك تسمع مايطيب لك من الأصوات الريفية وغيرها …
كان قسم من جيلنا يميل إلى سماع المديح والموشحات الدينية وسماع القرآن الكريم فنجد كاسيت وليد الاعظمي وهو يرتل سورة يوسف في كل بيت ونجد كاسيت المداح سلمان البري والمداح غازي البدراني وغيرهم موجودة لدى الكثيرين ..
وكان التنوع العراقي الجميل كازهار الحديقة الجميلة فتجدنا نسمع كل المطربين الريفيين من اخوتنا في جنوب العراق فالجميع يتذكر عبادي العماري وأغنية فصلية وفاهم الجميلي وأغنية جيران نزلوا بالطرف وسعدي الحلي وأغنية يمدلولة وغيرهم ممن ابدعو في عصرهم وأخذ غناءهم الطابع الحزين مثل سلمان المنكوب وحسين سعيدة مطربي الريف الحزين . لقد وصل بنا التنوع العراقي من شماله الى جنوبه وأصبح الوطن خيمة يسكن فيها كل العراقيين وأتذكر اغنية لطفلة كردية مازالت راسخة بعقول اجيال الخمسينات والستينات وهي أغنية نرگس نرگس ..ورغم أننا لم نفهم معناها لانها باللغة الكردية الا اننا كنا نسمعها لاحساسها المرهف…
نعم هكذا عشنا مع المسجل الجميل في الوقت الجميل مع الجيل الجميل ..
ذكريات كثيرة لا استطيع كتابتها في هذه السطور ولكنني اوجزتها لك عزيزي واخي وصديقي القارىء الكريم ..للتذكير بماضي قريب وكيف كان جميلاً مع جهاز بسيط جداً قياساً للأجهزة الإلكترونية والكهربائية الموجودة في يومنا هذا من حاسبات وموبايلات وآي بادات والكثير ولكنها بدون طعم معدومة التذوق والحس السمعي.. مجرد أجهزة نحتاجها لاستمرارية الحياة الحديثة مع العصرنة التكنولوجية فقط …..
…