الوظيفة الاستشارية، أيا كان نوعها وكذلك الشخص الذي يشغلها، هي في العادة من ارقى الوظائف وافضلها. لكن كثيراً ما يتردد على اسماعنا مقولة مفادها، ان المستشار هو الذي لا يستشار، وهذه العبارة في العادة تعكس بعض الظلال السلبية على الوظيفة الاستشارية، مما يحق لنا ان نتساءل ازاء هذا الفهم عن الاسباب والدواعي التي تجعلنا ننظر اليها والى شاغليها من الافراد بهذه النظرة الدونية. وقد نتساءل ايضا فيما اذا كانت تلك النظرة السلبية الى وظيفة المستشار، هي نظرة عالمية ام انها محصورة في بعض البيئات الاجتماعية دون غيرها.
في البداية، اود ان اؤكد بان العمل في الوظائف الاستشارية لا يقدر عليه الا القلة التي تتمتع بالقدرات العلمية والمهنية العالية، ولديها خبرات ثرية، ودراية واسعة، في مجال اختصاصها. فالمستشار تقع عليه مسؤولية اعطاء الاراء القويمة، والاقتراحات الحكيمة، والنصائح السديدة.. فهل يستطيع اي فرد القيام باعباء هذه المسؤولية ما لم يكن متميزاً في عمله وخبرته، وقادراً على ان يستشف من الحاضر قراءات المستقبل وتوقعاته، وان باستطاعته ان ينفذ ببصيرته الى بواطن المور ليحسن تحليلها واستخلاص المؤشرات النافعة منها. واذا كان هذا هو حال المستشار وكانت هذه هي الادوار المتوقعة له، فهل يجوز لأحد عندها ان ينتقص من دوره وان يستهين بطبيعة عمله.
من المعروف ان وظيفة المستشار في مختلف دول العالم المتقدم، تحظى بكل الاحترام والتقدير ولا يقع الاختيار الا على من عرف بسعة علمه وعميق خبرته وحسن ادراكه وقدرته على اسداء المشورة والرأي السديد والنصيحة الحقة. ولذا فان كل انسان يتربع على كرسي القيادة العليا في اي مؤسسة سواء أكانت تلك الكرسي تمثل ادارة شركة ام منصباً وزارياً ام حتى منصباً رئاسياً، فلا مناص من ان يحيط نفسه بعدد متميز من هؤلاء المستشارين، يستفيد من خبرتهم او يهتدي بمشورتهم عند اتخاذه القرارات الهامة التي تصدر عنه والتي من شأنها ان تعمل على تطوير المؤسسة التي يقودها وتدفع مسيرتها الى الامام.
وبما اني لا اريد ان اجزم برأي ما في هذا المجال، الا انني اميل الى الاعتقاد بان النظرة الدونية التي نعطيها لوظيفة المستشار تعود الى عدم فهمنا لطبيعة تلك الوظيفة من ناحية والى عدم شعورنا بالحاجة الى اراء الآخرين عندما نقوم باتخاذ القرارات الحاسمة، من ناحية ثانية، والى نوعية من نعنيهم في تلك الوظائف من ناحية ثالثة.
اننا كثيراً ما نسمع بان الاشخاص الذين لا نجد لهم عملاً محدداً في الوظائف المتاحة او الذين تم تخطيهم في الوظائف التي يشغلونها كثيراً ما يتم تعيينهم في وظائف مستشارين على اعتبارهم ان هذه الوظائف لا قيمة لها ولا يوجد هنالك دور محدد لشاغلها ولا يخفى ان هذه الاجراءات ان صحت فهي خاطئة وتسيء الى الوظيفة وشاغلها في آن واحد.
وهل لي في ضوء ما سبق، ان اتساءل ما اذا كان كل مسؤول يحتل مركزاً قيادياً هو بحاجة الى من يشير عليه في الكثير من جوانب العمل الذي يتولى مسؤوليته، وما دام لا يوجد بيننا من يعرف كل شيء لدرجة يستطيع معها الاستغناء عن اراء الآخرين ومشورتهم، فان المسؤول منا بحاجة الى ان يستعين بذوي الرأي والخبرة والدراية الحسنة عند قيامه باتخاذ القرارات المصيرية التي تخص دائرته والعاملين فيها.
انني اؤكد، انه من يحقق له ان يعين في الوظائف الاستشارية هو شخص مؤهل وواع وذو خبرة وتجربة غنية، وانه لا يجوز بأي حال من الاحوال ان يوضع في هذه الوظائف أناس غير مؤهلين لها بقصد ارضائهم او تعويضهم عن اشياء فقدوها او حرموا منها بقصد او بدون قصد.
انني ومن خلال تجربتي المهنية التي ما زالت قريبة من الخبرة الاستشارية، ادعو الى ايجاد الهيئات الاستشارية عند قمة الهرم في اي موقع من مواقع السلطة واتخاذ القرار، وادعو في الوقت نفسه الى اعطاء اهمية للرأي الاستشاري، وان لا يختار له الا من هو اهل له وصاحب كفاية فيه يشهد له فيها القاصي والداني، وعندها سنتغير نظرتنا الى المستشارين ونصبح نردد عن قناعة وطواعية بان المستشار انما وجد ليستشار وليحترم رأيه ويؤخذ به.
[email protected]