لم تعد مسالة تعيين مستشار لهذا المسؤول او ذاك الوزير بالشئ العادي او المقبول بعد ان تحول الموضوع برمته الى ظاهرة ، بل وظاهرة خطيرة قد تحول العمل الحكومي من عمل يجري وفق القواعد القانونية، والضوابط الادارية المتمدة في الدولة العراقية ، الى عمل حكومي يعتمد على الاجتهاد والتفسير وذلك بسبب كثرة المستشارين للمسؤول الواحد وايضا بسبب اختلاف ارائهم ، وللوهلة الاولى ومن حقنا ان نتساءل لماذا المستشار اذا كان المسؤول يتمتع بالقدرة والكفاءة المطلوبة لهذا المنصب او تلك الدرجة كما ان الدولة العراقية ومنذ تاسيسها عام 1921 لم تعهد هذا التوجه نحو تعيين المستشارين بل نادرا ما تجد مستشارا في هذه الدوائر ، او شركات القطاع العام ، لان العمل اليومي في كافة الدوائر يقوم ويجري وفق الضوابط والتعليمات ، وان المدير العام اضافة لكونه مختارا من اكفا العناصر في الدائرة او الوزارة لديه معاونين ، فهذا معاون للشؤون الادارية والملاك وذاك معاون للشؤون الفنية وثالث معاون لشؤون المخازن في الشركات العامة وهكذا وصولا الى مدير الحسابات الاقدم وهو المسؤول عن الشؤون المالية والميزانية ، وهؤلاء مختارون من افضل كوادر هذه الدوائر وهم يحيطون بالمدير العام وهم الاكثر خبرة حتى من رئيسهم وهم بمثابة المستشارين له وهم الاقدر على تصويب القرار ، وكذا نزولا في السلم الاداري ،فللمعاون مدراء شعب مدربين واصحاب كفاءة تسلقوا هذا السلم عبر اعوام طويلة، وكان الموظف يتشرف بالدرجة قبل الراتب ، لانها بالنسبة اليه مرتبة اجتماعية ،وهو شخص محترم لانه مدير ، او انه شخص مقدر لانه موظف حكومي ، واذا تقدم للزواج فانه مفضل قبل غيره حتى ولو كانوا من الاغنياء ،
اما الوزراء فلم يك لهم على الاغلب مستشارين ، وكان الوكيل الاقدم ينوب عن الوزير في تصريف اعمال الوزارة ، وهو والوكيل الثاني يقدمان الاستشارة للوزير ، وهما في العادة وصلا الى هذا المنصب بالتدرج الوظيفي وهما يحملان الخبرة والمعرفة الحقيقية بكل دوائر وامور الوزارة ، لذا لا يجد المتابع درجة مستشار في ملاك اغلب الوزارات ودوائر الدولة الاخرى ، واليوم يجد المشاهد هذا الكم من الهائل من المستشارين ، ابتداءا من الوزارات مرورا بدوائرها وصولا الى مجالس المحافظات ، ويتقدم كل هذا الكم من الدوائر التي تعتمد على المستشارين دوائر ديوان رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ، ولو اردنا معرفة الاسباب لوجدناها اسباب متعددة منها عدم وجود كادر كفوء لانجاز العمل الموكول اليه او ان المسؤول غير ملم بعمله او ان دائرته تمارس عملا غير عملها الموكول اليها مما يستعدي تعيين مستشار ، او ان المسؤول وبسبب الصلاحيات الممنوحة اليه يقوم بتعيين من هو من اهله ومن اقاربه بهذا المنصب وهنا مدخل جديد للفساد الاداري بل والمالي ، ونود الاشارة بهذا الصدد ان المستشار غير الكفوء سيسبب مشاكل للعمل اليومي ويعقدها بدلا من ان يحلها ،المستشارون سادتي هم كالحمايات حلقة زائدة ولا ادل على ذلك (القرار الاخير الذي اتخذه السييد رئيس مجلس النواب بالاستغناء عن عدد من المستشارين)وان كثرتهم يكثر من الاراء ويحجم الحلول الناجعة ، اضافة الى كونهم ، عبئا ماليا على الموازنة العامة التي هي اصبحت عبئا على هذا الشعب الفقير..