لم يتوقف نظام التحاصص , الذي فرض على العراق احتلالاًعند تقسيم السياسيين الى حاكم ومعارض بعد ان تم هرسهم داخل قدر الشراكة الوطنية !!! ,بل امتد هرسه الى الثقافة العراقية وخلط اوراق المثقفين واعادة فرزهم استقطاباً بين ظفتي طائفية احزاب وكتل العملية السياسية الجديدة .
ليس هناك سياسي حاكم وآخر معارض بالمفهوم الوطني للكلمة , فكلاهما يمارس دوراً مرسوماً دولياً واقليمياً من داخل اطار قوانين لعبة التقسيم , مستثقفي السلطة وكذلك مستثقفي المعارضة , يشكلان وجهان لأفرازات عملة نظام التحاصص الطائفي العرقي , الذي فرض وضعاً مزرياً على الواقع العراقي .
مستثقفي السلطة والمعارضة . كلاهما يستوحيان ادوارهما من اشارة تتكرم بها اصابع تدفع المكرمات لسد جوع المنافع الشخصية , فاقدي الخيار والمواقف فيما يكتبون ويحللون وينشرون , مقالات تحت الطلب اذا ما اصبحت الضرورة ملحة لصب الزيت على حرائق الفتنة , ومثلما هو سياسي السلطة مجنداً طائفياً عرقياً لا يملك من شخصيته الا لسان يرطن الأكاذيب, فمستثقفها اصبح بهلواناً يجتر انتهازية اكتسبها عبر جيلين ونظامين , اما معارضها المشارك والملطخ معها بقذارات اللعبة فهو مشغولاً بفبركة الأشاعات والتشويهات , انه نسخته على صعيد الأستثقاف لا تخلو بسطيته من معروضات بقايا جنرالات الأيديولوجيات المحنطة .
لو قسمنا مقالة لمستثقف انتهازي منتفع , سلطوي كان ام معارض على عدد مفردات ( شيعي وسني ) لكان الناتج عشرة مفردات لكل عشرة اسطر , قد يختلفا في شطارة الفبركة وخبرة التسويف , لكنهما وفي جميع الحالات , زيتاً يصب في عمق الأشتعال المبرمج للفتنة الطائفية , لا نتجنى هنا ولا نبالغ , فمن يتوخى الحقيقة عليه ان يتابع اية مقالة لكلا الفريقين , فرغم الأسهاب والتكرار واللاجدوى ( انتاج القطعة ) , تتكرر مفردتي ( الشيعة والسنة ) وبنوايا مقرفة , انه تسريب لئيم لثقافة التطرف الطائفي العرقي , احقاداً وكراهية وعداوات تاريخية الى قلب المجتمع العراقي .
احدهم يتحدث عن المظلومية التاريخية للشيعية , والآخر عن المظلومية الراهنة للسنة , يضغطوا على ملايين الأبرياء نفسياً ومعنوياً بعد تسفيه الحياة المادية لهم , ثم يدفعونهم للتمترس كل الى جانب احزاب طائفته , بينما لا هذا ولا ذاك يمثلا علاقات التآخي والمحبة والمشتركات الوطنية والقومية التاريخية لبنات وابناء المكونات العراقية , انها الأستسلام المشروط للتبعية والعمالة التي جندت تلك الكيانات التي خرجت من رحم الأرادة الأمريكية والأقليمية لتسهيل مهمة تمزيق المتبقي من النسيج التاريخي الحضاري للمجتمع العراقي وخنق آخر نفس وردة فعل للوطنية العراقية .
بالأمكان وبأبرة واحدة , تفتيت صخرة صلدة مهما كان حجمها , اذا ما توفرت القناعة والضرورة والصبر والأرادة , لكن ليس بالمستطاع اقناع سياسياً او مستثقفاً انتهازياً واعياً لدوافع انتهازيته ووصوليته مرغماً على ايداء وظيفته , هذا ما نلاحظه في حالات التزمت الحاد والمواجهات الغبية والأساليب الرخيصة التي تخلق بينهما جداراً عازلاً مهما طال امـد المواجهات , كلاهما لا يؤمنان وغير مسموح لهما بمنهج الحوار للثقافة الوطنية, بقدر تمسكهما بنزعة الأحقاد وصناعة العداوات منتوفي ريش القيم والأخلاق الحميدة , عراة الا من سادية التنكيل ببعضهم تشهيراً وتشويهاً وتسقيطاً مبتذلاً , كلاهما لا يهمه ان كان اعوجاً والآخر اقل منه اعوجاجاً , ما يهمهما المحافظة على روح المواجهة الرعناء وعبثية القطيعة حتى ولو كان كل منهما منتصراً على ذاتـه لا غير , على وجهيهما سيماء الأنتقام , مشدودا الى وتـد من يملك كومـة العظام , منتظرا تأدية المهام على قدر حجم المكرمات , لا يهمهما ان كانت انياب الكتابة , قد تفرز فيروسات الخداع والتجهيل والتضليل والأستغفال في جسد الرأي العام العراقي , بقدر ما يهمهما ان يكونا منتصرين على بعضها ليحصد المالك الداعم ثمن حصرم المواجهات نهاية ادبية اخلاقية .
لقد مر ذاك الزمان الذي كان فيه السياسي المخلص الكفؤ والمثقف الوطني الغيور , اقماراً معرفية على طريق مستقبل الناس والوطن , مروا اصحاب قيم ومباديء وطنية انسانية , شهداء ابرار وضحايا للمطاردة والحرمان والسجون والمعتقلات والتصفيات الفكرية والسياسية والجسدية , لكنهم تركوا ارثـاً خالداً وحفروا بصماتهم على المشروع الوطني العراقي , الذي استورثوه وساروا على دربه الكثيرون من الخيرين سياسيين ومثقفين , ورغم بؤس المرحلة الملبدة بسواد الأحباط وخيبات الأمل , لكن ليس بالمستطاع القول على انها خليت .
الأنتهازيين النفعيين من مستثقفي السلطة ومعارضيها , قد يعبون حياتهم بالمنافع المادية , لكن معاناتهم النفسية والروحية وفقرهم المعنوي سيعجن نهاياتهم باوحال اوجاع الندم .