23 ديسمبر، 2024 10:36 م

المسايرة ام الموقف الحاسم ؟

المسايرة ام الموقف الحاسم ؟

كنت لاكثر من عقدين منتميا لحركة يسارية او سميت نفسها بالحزب و لم تتصف بذلك لانها كانت تنقصها مميزات و سمات و اركان الحزب من جميع النواحي،و اعلنت عن ذلك مرارا امام الجميع، و بقيت كل تلك المدة الطويلة فيها املا ان نتمكن من التغيير فيها نحو التنظيم المعتمد المناضل من اجل الطبقة الكادحة، و اجلنا كل موقف لحين وصلنا نحن مجموعة متفقة الى الاعتقاد على ان البقاء على هذه الحال هو خداع الذات قبل اي شيء اخر . فلم يكن المسؤل الاول محنكا و لا قائدا بمعنى الكلمة يتمكن من دفع الحركة و ما ينتمي اليها مجموعة من الشباب المخلصين البريئين من اية خدش في كيانهم، و لكنه لم يتمكن، بل جل ما كان يسير عليه هو مصلحته الشخصية و ما استفاد منه ماديا و معنويا . و من سوء الحظ ان من كان حوله من الحلقة الضيقة لم يكونوا من المقدرة ان يضغطوا او تكون لهم اراءا و مواقفا تضع حدا للرجل الاول من التطاول و السير في توجهه المستند على دائرة ضيقة من الاقرباء معتمدا على النظريات و من التفكير السطحي .

فانشقت مجموعات عديدة في كل مرحلة نمر بها، و لم يتعض او يعتبر الرفيق من تلك العمليات و يضع اللوم دائما على من ينشق ومتهما اياهم بالاعتماد على المصلحة الذاتية و شرائهم من قبل الاخرين و نصدقه، و لكن تتكرر العملية و لم يبق الا اقرباءه من حوله فهذا يجب ان يكون فيه سبب مؤثر و لا يمكن ان يكون الخلل دائما في المنشقين، و كان الانشقاق الاخير فيه اكثر الناس المخلصين و القريبين منه، و كان هو من المزكين لهم دوما، فهذا غريب فلابد من الكلام عليه. لقد انزاحت في افكار المجموعة البريئة العقيدية المؤمنة النزيهة احتمالية التغيير و النقلة النوعية طالما بقى الشخص الاول على موقعه، فاما ان تعمل على ازاحته او تسايسه بشكل تقطع عليه ما هو مستمر فيه، فاما ان تتخذ موقفا حاسما و تعمل ما يمكن ان يسمى بالانقلاب السياسي او تلين في الموقف لتحين فرصة و تنقض على الحركة لتحررها من قبضة المصلحي .

فكان لابد من اتخاذ الموقف من ما يجري، و لابد من الجمع للتاثير على الشخص بجبروته و المكانة التي كونها اعتمادا على الحركة ذاتها من كافة النواحي المادية المعنوية . و عليه لابد من تخطيط و درس الموقف و السرية في العمل، لان حدث من قبل مثل هذه التوجهات و استئصلت من بكرة ابيها لانها اكتشفت قبل حتى الخطوة الاولى، لوجود المنتمين غير العقيديين و المنتهزين للفرصة لايصال ما يجري لمصلحة بسيطة او التقرب من الشخص الاول . لم تكن التدخلات الخارجية و الايدي التي حاولت ان تفعل ما لصالحها بريئة من الذي يحصل داخليا، فالتجاوزات ازدادت و التكتلات كبرت و لم نعلم من وراء ذلك و ما يحصل الا الشكوك كانت دائما من الحزبين الكبيرين في كوردستان و ما عملاه من صنع تكتلين تابعين لهما، فالسكرتير مع جهة و الكتلة المقابلة مع الاخرى، فكثرت و ازدادات التجاوزات و لم تتحمل الحركة المزيد من الجمود و التخلف . فكان لابد من اتخاذ موقف، و هل من المعقول ان تتخذ موقفا من حركة صرفت ربع قرن من عمرك فيها من اجل المباديء الفكرية العقيدية و تخرج اخيرا منها خالي الوفاض . و هكذا طفح الكيل و بلغ السيل الزبى، فالبقاء دون موقف و التريث و المسايرة و كل ذلك الصبر لم يفد، فاما الموقف الحاسم او الخروج من الباب و تعلن الفشل النهائي او تعمل ما بوسعك لجمع الخيرين في تنظيم اخر او جديد، و ما ذهبت الحركة الا ضحية للمصالح الضيقة . و بعد التريث و الصبر الاكثر، فحدث ما لا يمكن ان تشك في ما وراءه من الاهداف فتجمعت و اتفقت كتلة كبيرة و لم يبق مع الشخص الاول الا نسبة قليلة جدا من الاقرباء من الدرجة الاولى والثانية فقط، و هذا دليل على احقية الاكثرية و خصوصا بعد كل تلك الانشقاقات المتتالية و تصل الحال لهذه المرحلة، فلابد ان تختار .

و حتما انك بعد كل العصامية و النزاهة و الصبر و الايمان بالمباديء و العقيدة التي تؤمن بها، لابد ان تدرس و تختار بين التكتلين، او تخرج من العملية سالما و لكن فاشلا بعد كل تلك التضحيات و النضال الطويل المرير ، فلم يكن امامي الا ان اختار الاكثرية وعلى اعتقاد بان الاحقية معهم و ما كان عليه الشخص الاول من التشبث بالموقع بعد كل تلك الاخطاء و الانزلاقات و الانحرافات .

بعد مدة قصيرة جدا عقد التكتل الجديد المنشق مؤتمره و كان هو الاكثرية و فاز في المحكمة بعد تسيس القضاء باسم الحزب و لم يكن امام السكرتير الا ان يعقد مؤتمرا و يختار اسما جديدا لحزبه الذي انفكت منه الاكثرية الساحقة . و لكن بعد ان اُختِرت في المؤتمر عضوا للجنة المركزية، و بعد اجتماعين او ثلاثة اُكتشف لي امور في غاية الاستغراب، ان القرارات الصعبة و الحساسة لم تبت الا بعد فسحة من الزمن يطلبها الشخص المعني و نعود الى الاجتماع و نرى الراي الضاغط هو معه لامرار القرار و الموقف، و يتكرر هذا في الاجتماعات . و لكن رغم الشكوك في الامر، لم اعتقد بان الامور تصل لحال ان يستاذن الاخ من الحزب الفلاني حتى لقرار و موقف بسيط معين، و قد وصلت الخسة لهذه المرحلة .

و رب صدفة خير من الف ميعاد، كنت جالسا في المقعد الخلفي لسيارة الشخص المسؤل المعني وكان الى جانبه رفيق اخر و الذي كنت شاكا به منذ البداية، و هو نسي باني معهما هو و صديقه الحميمي دخلا نقاشا و انا جلست انصت لما يجري، فبعد النقاش بينهما،خابر في لحظة و تكلم بكل صراحة مع احدهم و لم يعلم اني اسمع كل شيء، و قال بالحرف الواحد عملنا مثلما اردت اخي، و بعد انتهاء المكالمة فسالته من كان هذا رفيقي، فتعجب ، و قال أانت معنا و انا نسيت، و اراد ان يغطي عن السؤال، فقلت له، قل يا رفيقي من هو الذي لم تفعل شيئا الا

باذنه . لم يجب الا بعد اصرار و بطريقة ما و كشف جزئيا على انه من الحزب الفلاني و له فضل علينا و يجب ان نسايس الحال و الا فان الشخص الاول الذي انشقينا منه سيفعل بنا ما لا يحمد عقباه . و هكذا بعد دقيقة واحدة فقط دون ان اتعمق في اية شيء او مصلحة او دراسة قررت الاستقالة في مكانه . و هكذا انهيت نضالي في لحظة حاسمة بعد ان انكشف لي الكثير عن الشخص الاول و المنشقين ايضا، و كان ما يجري خلفنا يهز المباديء و الضمير المؤمن بالفكر و العقدية الصالحة و العصامي .

و عليه لم نجد حزبا صغيرا واحدا في كوردستان الا و يكون تابعا لاحد الحزبين و لم يتجرئوا من اتخاذ اي موقف دون استئذان من عرابيهم . هكذا هي السياسة و التحزب في كوردستان و لم يبق امام المخلصين الا ان ينتظر الوقت المناسب ان يخدم فيه ما يؤمن به من الفكر وا لعقيدة في تشكيل مناسب، و لا يوجد حتى الان من التشكيلات التي يمكن ان يؤدي دوره المناسب من اجل المصلحة العامة، و عليه يجب ان يتخذ الانسان المبدئي موقفا حاسما لا يمكن ان يساير او كما يسمى اليوم المساومة بالسياسة، و هو ما ادى بالحياة العامة للناس الى هذا المنحى و الحضيص، اي اما الحسم او المسايرة و المساومة فيجب ان تختار، و اخترنا حسما قاطعا في وقت قياسي، و للننتظر ما نصل اليه و نحن مرتاحو الضمير و مؤمنون بما سرنا عليه طوال اكثر من ربع قرن من شبابنا .