23 ديسمبر، 2024 5:45 ص

المساس بمجانية التعليم جريمة لا تغتفر 

المساس بمجانية التعليم جريمة لا تغتفر 

في افصاح عن نيات يعمل عليها في الخفاء اوضح النائب علي الاديب ما يخطط له ائتلاف دولة القانون، وربما تحديداً حزب الدعوة الاسلامية لالغاء مجانية التعليم في العراق او على الاقل حسرها في ادنى حد لا يتجاوز محو امية المواطنين ليس الا ، فهو دعا من خلال مداخلة له في مجلس النواب نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بان يكون التعليم مقابل ثمن والغاء هذه المجانية التي تعد هدراً لموارد الدولة وثرواتها! التعليم في العراق منذ تأسيس الدولة اوائل العشرينيات هو مجاني وسعت الحكومات على اختلاف مشاربها ونظمها الى تعضيده وان كان بدرجات متفاوته ولكنها هدفت من الاستراتيجية التي وضعت له الى ان يكون بمتناول ابناء شعبنا في مختلف انحاء البلاد ولم تجعل منه سلعة ، برغم انه في بعض الاحيان انتعش التعليم الاهلي وتوسع الى مديات بحسب سياسة الحكومات التي كانت في اوجها بعد الاطاحة بدكتاتورية صدام حسين، فأنتشرت المدارس في مختلف المراحل والجامعات مثل الفطر في الارض بتشجيع من الدولة وكان قادة من الاحزاب والمسؤولين في مقدمة المستثمرين في هذا القطاع الذي يدر ارباحاً عالية ويحصل على تسهيلات جمة بما في ذلك مخالفات للقانون بغض النظر عنها، لانتماء بعض هذه المشاريع الى الاحزاب والقوى المهيمنة على السلطة والحكومة. ليس لنا اعتراض على ان يعمل القطاع الخاص ويستثمر في هذا الحقل، ولو اننا نفضل ان يبقى حكومياً حفاظاً على المستوى العلمي والمساواة والعدالة بين الطلبة والاسر العراقية، ولكننا نعترض وبشدة على انتهاك الدستور الذي نص على مجانية التعليم وتوفيره لكل راغب فيه وليس الالتفاف عليه لاهداف ضيقة ومحاولة تحقيق ارباحاً عالية والاستمرار في تجهيل شعبنا .لاشك ان الحكام يجدون في سوس وقيادة شعب جاهل وذا تعليم متدني مراميهم وييسر تمرير مشاريعهم، وسهولة انقياد العامة لما يطرحون، ويتخوفون من النهضة في الوعي حتى وان كانت بدرجات لا تلبي الطموح في اتخاذ قرار ازاحتهم من المشهد السياسي كله، انهم يتخوفون من هذا النحو في الوعي الذي احد عناصر توفيره هو التعليم والانفتاح على التجارب العالمية ومجافاة الخرفات والسير التي لا اساس لها من الناحية العلمية. 

في كل البلدان وعلى اختلاف انظمتها تبذل الجهود للرقي بمستوى التعليم ولا تضع حدوداً له، ويكون مفتوحاً طوال العمر، بل انها تشجيع عليه وتمنح الاجازات وتقدم الاغراءات لمن يرغب في تطوير نفسه بالدراسة والارتقاء بشهادته العلمية، حتى شركات القطاع الخاص تمنح القروض لبعض مستحقيها لاكمال مشاريعهم في التعلم والبحث ، اين نحن من ذلك؟ للاسف الشديد نحن نتراجع بعد ان كنا في مقدمة الدول في المنطقة وعلى مستوى كل المراحل التعليمية من ادناها الى اعلاها، وتضييق فرص اكمال الدراسة.. كان الناس يتمنون ان يستنكر احدهم ممن سمعوا طروحاته وشجبها فوراً وابلاغ الآخرين عما يدبر لهم في الخفاء قبل ان تقع الفأس بالرأس ويدفعون الثمن غالياً.المواطنون كانوا وهم يستمعون الى مناقشات قانون الكليات الاهلية يمنون انفسهم بتصدي بعض النواب الذين يحرصون على شعبهم ووطنهم والملتزمين بوعودهم ان يحسنوا القانون ويثيرون كيف ان بعض هذه الكليات قد بينت او حورت من بيوت لا تصلح ان تكون جامعات وذلك خلافا للقانون، بل ان بعضها تجاوز حتى على رصيف الشارع، وهي بذلك تشيع انتهاك القانون امام انظار الطلبة وفي درس عملي، فكيف سيكون المتخرج منها .. ويمكن للنواب الذين يمثلون الشعب ان يقوموا بمعاينة لبعضها في بغداد كي يتأكدوا مما نقول .على اية حال صحيح ما صرح به النائب مجرد رأي له ولحزبه ولكن نحذر من المساس بمجانية التعليم بل نطالب مرة اخرى بالتوسع الافقي والعمودي وتطبيق قانون التعليم الالزامي والتغذية في المدارس وتزويدها باحتياجاتها التي تخلت عنها وزارة التربية لتشجيع التلاميذ للتسجيل في المدارس .ان المساس بمجانية التعليم جريمة لا تغتفر بحق ابناء شعبنا وتمييز صارخ بين فئاتهم لمجرد انتفاخ حفنة من القطط السمان الذين لا يتركون مجالاً الا وانشبوا مخالبهم فيه .وحسب مراكز الابحاث ودراساتها الرصينة ، ان البلد الذي يستوعب الاطفال في سن التعليم واجتياز مراحله الالزامية و المختلفة يحقق نمو في تنميته الاقتصادية تتناسب طرديا مع العملية التعليمية الجيدة واعداد المتعلمين فيه ، ويحضرهم للانتقال الى التعليم الجامعي ، فالواضح من طرح الاديب انه لا يريد حتى تنمية العراق اقتصاديا ولا يريد تحديدا اعداد الكوادر والملاكات من الفئات الفقيرة والمتوسطة ، وانما اقتصارها على الطبقة الغنية من حديثي النعمة ، حتى النظام الصدامي لم يفعلها في اشد ازماته وحافظ على مجانية التعليم ..الغاء مجانية التعليم جريمة ، انها مشتقة ومكيفة بشكل مشوه من فكرة مالتوس والعولمة المتوحشة القائلة الحياة للاقلية الضئيلة والحرمان والبؤس للاغلبية ، انها من بنات افكار مريضة .. لايفهم منها الا انه ليس للاكثرية الحق في تحسين احوالها ومواقعها الاجتماعية ، ليس لهم الا البقاء في خدمة هذه النخبة الحاكمة .