كان المسجد ذات يوم منطلقا لقيم السماء التي جاء بها محمد إلى الأرض بعد ان خُلطت بلحمه ودمه وفكره وروحه تمثلت هذه القيم بالخير والتسامح والصدق والشهامة والكرامة والنُبل أو كما قال عنها محمد نفسه (إنما بُعثتُ لأتُمم مكارم الأخلاق) وكان المسجدُ منبراً إعلاميا وتعبويا للمسلمين لكل ما يهمهم وينفعهم في دنياهم وآخرتهم وكان دائما غاصاً بهم يتسابقون نحو الصلاة جماعة فيه ويستمعون لنبيهم العظيم ليأمرهم بطاعة أو ينهاهم عن معصية وينظم لهم أمرهم ويحثهم على البذل والإيثار والعطاء ,,رحل النبي عن هذه الدنيا وبقي المسجد يؤدي دوره كنقطة بداية أو انطلاقة تهز ذاكرة المسلم نحو مبادئه التي يؤمن بها وتجعله ملتصقا بها اكثر فأكثر, ونتيجةً للانحراف الذي حصل بعد رحيل النبي تأثر المسجد هو الاخر بهذا الانحراف أيضا ولكنه انحراف جزئي وبسيط تمثل في صراع الخلافة في واقعة السقيفة ,,وبعدما انتهت الخلافة الراشدية وتحولت الى مُلكاً يورثه الآباء للأبناء من معاوية إلى يزيد إلى بني أمية الى بني العباس حينها أصبح المسجد ناطقا رسميا بالانحراف ومؤسس لتشكيل وعي جمهور الأمة الإسلامية في ممارسة السب والشتيمة والقتل والتنكيل بكل من يعارض سلطان السياسة الذي ارتدى لباس الدين بمباركة فقهاء العصر آنذاك الذين قالوا يجب طاعة الحاكم وان كان ظالما ومن مات وليس في عنقه بيعه للحاكم مات ميتةً جاهلية هذا ما نطق به علماء المسجد في فكر وأدبيات أبناء السنة أو العامة إما الحديث عن المسجد كما يراه الشيعة فهو بحث آخر طويل لأنه طالما كان مذبحا لقادتهم ومنبرا رافضا للظلم بكل أشكاله وصوره وبالأمس القريب كان مسجد الكوفة الذي اعتلاه الشهيد محمد صادق الصدر منارا للأمة أيقظ غفلتها وهزّ ذاكرتها وأعادها لوعيها وربطها بخالقها,, أما الحديث عن المسجد اليوم فلا يعدوا كونه مكانا للأحزاب والتوجهات وحسب التقليد كل شيء يذكر فيه إلاّ الله ! وفي بلد تشكلت دولته وحكومته على أساس طائفي وفئوي ومناطقي فلم يكن المسجد في معزل من ذلك فهو أيضا أصبح ضمن تشكيلات الأوقاف الشيعية والسنية وأصبحت مساجدهم عامرة من البنى خالية عن الهدى كما يقول الإمام علي , نلاحظ اليوم بناء مساجد كثيرة وبكلف عالية جدا تصل إلى عشرات المليارات في أماكن تتكدس فيها العوائل داخل عشرات الأمتار تتنفس الهموم والأحزان وهي ترى الله يُبنى له بيوتا هو في غنى عنها لا يذكر فيها اسمه ولا يسبح لها فيها لا في الغدو ولا في الآصال ! متقاربة مع بعضها متباعدة في الدعوة الى خالقها ,أصبحت المساجد اليوم أرباحاً لسماسرة المقاولات والمتعاونين معهم من الذين ينادون يوميا ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ! ولسان حالهم يصيح ومن يعظم الكلف الخيالية لبناء المساجد باسم الله فإنها من حيل السياسيين وسماسرتهم فمن غير المعقول بناء هكذا مساجد بهذا الحجم وبهذه الكلف في بلد يقع 20__30% من أبناءه تحت خط الفقر يفترشون الأرض ويلتحفون السماء يئنون تحت سياط الفقر والضياع التي تسبب لهم أمراضا نفسية وجسدية واجتماعية ,,لقد غاب التخطيط في بلادنا غيابا تاما فاليوم العالم كله يعمل بنظام الأولويات التي تستند إلى محورية الإنسان وحاجاته الأساسية وبعدها الانتقال إلى الأشياء الأخرى فمثلا بلد مثل ماليزيا بعد الاستقلال رصد اغلب موازنته للمجال التربوي لتنهض بعدها ماليزيا كما نراها اليوم فيما بقي العراق يتخبط تخبط العشواء في ضياع سلم الأولويات ورصد المبالغ الهائلة لبناء بيوتا لله بالمليارات وبقاء الإنسان العراقي مُهدَم ينتظر من يقوم بإعادة بناءه او ترميمه .