كثيراً ما نسمع بالمسائل المستحدثة!
ولكن الشئ المؤسف هو الفهم الخاطئ لها عند الكثير!
وقد ينتشر الفهم الخاطئ ويستفحل! وبالتالي ينضم الى مجموعة كبيرة من الأخطاء الشائعة!
وفي الوقت نفسه تصبح هذه الأخطاء الشائعة من المسلّمات, والمسلّمات هي نوع من القضايا التي تسالم عليها الناس…
وهذا التسالم له أسباب كثيرة وقد تكون الأخطاء الشائعة أحد هذه الأسباب أحياناً!
فالمسلّمات ليس بالضرورة أن تكون قضايا قطعية (يقينية) أو صحيحة!
ويستفاد من المسلّمات في صناعة الجدل للإحتجاج بها على الخصم , وليس الغرض من كتابة هذا المقال الحديث عن المسلّمات من القضايا وإنما السبب الرئيسي هو تسليط الضوء على الفهم الخاطئ لمفهوم المسائل المستحدثة!
وقد أكون في غنى عن أستعراض الفهم الخاطئ لمفهوم المسائل المستحدثة وذلك بعد الإعتماد على هذين الأمرين:-
الأمر الأول:- الحليم تكفيه الإشارة.
الأمر الثاني:- بيان المفهوم الصحيح لمستحدثات المسائل.
وبعد أن يتضح المفهوم الصحيح لمستحدثات المسائل يصبح من السهل المقارنة بينه وبين ذلك الفهم الخاطئ الذي مازال معشعشاً في أذهان الكثير!
إن المراد من مستحدثات المسائل هو تلك الحوادث والوقائع التي لم يستنبط المجتهدون حكمها الشرعي.
وقد يكون بعضها محلاً للإبتلاء الشخصي أو النوعي وقد يكون البعض الآخر خارج محل الإبتلاء الشخصي أو النوعي في الوقت الحاضر!
وعلى أي حال فأنها تبقى مستحدثة مادام حكمها لم يستنبط بعد من قبل الفقيه المجتهد.
ومن خلال هذا الكلام يتضح أن مستحدثات المسائل ليس لها علاقة بالفتاوى التي تمَّ استنباطها من قبل الفقهاء سواء كانت خلافية أم إجماعية! فضلاً عن الأحكام الشرعية الضرورية فإنها لا تحتاج الى عملية استنباط…
وعلى هذا الأساس قد يختلف الفقهاء فى مقدار أستنباط المسائل المستحدثة كماً ونوعاً, لأن الأعم الأغلب من الفقهاء المعاصرين لا تتجاوز المسائل المستحدثة عندهم عدة صفحات وهذا ما صرّح به السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) في مقدمة رسالته العملية الفريدة من نوعها (فقه الفضاء) حيث جاء فيها ما نصه:
((ثامناً: أن الفقهاء حينما تعرضوا الى ما أسموه بالمسائل المستحدثة والتي تشمل أموراً إجتماعية وإقتصادية عديدة, لم يزيدوا على عدة صفحات قد لا تزيد على العشرين صفحة في مجموع كلامهم ذلك أو ضمن مطبوع صغير لا يتجاوز ذلك)) إنتهى
وهذا كلام واضح وصريح ويمثل حقيقة وليست وجهة نظر!
فالمسائل المستحدثة عند أغلب الفقهاء لا تتجاوز عشرين صفحة ولكن الأمر مختلف عند السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) لأنه قد تفرّد بالعديد من الرسائل العملية في فقه المستحدثات وهذا ما تشهد به مؤلفاته المطبوعة والمخطوطة…
وخير شاهد على ذلك ما ذكره في مقدمة رسالته العملية فقه الفضاء التي طبعت سنة 1990 م حيث جاء فيها ما نصه:
((في حين يمكن لهذا الكتاب أن يبرهن على أن كل حقل من حقول (المسائل المستحدثة) يحتاج ذكر تفريعاتها ومسائله الى كتاب مستقل,وليس الى صفحات بسيطة.
فكيف الأمر بكل أنواع وحقول (المسائل المستحدثة) ولا يخفانا ما في (فقه المصارف) أو (التلقيح الصناعي) أو غيرهما من الموضوعات الحديثة من فروع وتطبيقات, لم يتعرض لها الفقهاء إلا بإختصار شديد. هذا فضلاً عن (فقه الفضاء) الذي يتكفله هذا الكتاب.)) إنتهى
ولم يقتصر السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) على تأليف كتاب (فقه الفضاء) بل تعداه الى رسائل عملية عديدة كفقه الطب وفقه الفن وفقه الموضوعات الحديثة وفقه المجتمع وغيرها كثير من الرسائل العملية المطبوعة والمخطوطة….
إن مقلدي السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) لم تواجههم لحد هذه اللحظة أي مشكلة أو صعوبة ترتبط بالمسائل المستحدثة والسبب واضح من خلال ما تقدم. وبالرغم من أن هذه الحقيقة أوضح من الشمس وأبين من الأمس إلا أننا لم نسلم من أصحاب الفهم الخاطئ حينما نسمع اعتراضاتهم التي لا تمت الى العلم بصلة فالناس أعداء ما جهلوا.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وأكرر هذه العبارة مرة أخرى ” الحليم تكفيه الأشارة”