اشار عبد الله بن العباس على الامام علي ان يولي الزبير بن العوام على المدينة المنورة وان يعطي امارة مكة لطلحة بن عبيد الله، رفض الامام علي هذه المشورة قائلا: انا اعرف من اولّى ومن اخلع.. وعليك ان تشير وان تطيع.
لقد شعر الامام بأن رفضه لمشورة عبد الله بن العباس ترك اثرا محبطا في نفسه وشعورا بعدم الرضا من رفض الامام ولذلك وضح له واجبات المستشار الناصح وتسليمه بالطاعة سواء قبلت المشورة او رفضت اذ ليس بالضرورة ان تكون صائبة.
فمثلما للناصح تصوراته ورؤاه فأن للمسؤول افكاره وبعد نظره وتقليبه للامر ومن ثم الحكم عليه بتصويبه او تخطئته والاخذ به او رفضه حتى وان كانت المشورة مطلوبة… (وامرهم شورى بينهم) … ( وشاورهم في الامر)، فمن المعيب ان يأخذ بالنصائح اخذ المسلمات فيتحول بمرور الزمن الى اداة لتنفيذ املاءات الحاشية. وعلى ذكر الحاشية وإتماماً للفائدة هناك عدة استعمالات لهذه المفردة.
الحاشية من كل شيء: جانبه .
حاشا: كلمة استثناء.
الحشو ما يحشى به الشيء.
حاشية الثوب: طرفهُ.
الحشوية : طائفة تمسكوا بالظواهر وذهبوا الى التجسيم.
عيش رقيق الحواشي: ناعم في دعة.
رجل رقيق الحواشي: لطيف الصحبة.
الحواشي من الابل صغارها، ومن الرجل دائرته القريبة قد تسمى: حاشية، وحوشية بلهجة الجنوب: جماعة الشيخ وادواته التنفيذية ايام الاقطاع.
ذكرني بالحاشية او الحواشي رجل مصلح احب فيه بساطته وتواضعه واحترم اعتداله وقبوله الرأي الاخر . هذا الرجل العرفاني المتحضر له صديق حميم يناقضه التوجه ويتقاطع معه في الرأي ومع ذلك يلازمه كظله!.
قال له ذات يوم: اتدري ان اخفاقكم وتراجعكم وكل مشاكلكم سببها الاول والاخير “الحواشي”. اجابه ربما واسرها في نفسه ولم يزد على ذلك. وذات يوم توجه الرجل لزيارة احد المسؤولين غير المريحين بسبب عجرفته الفارغة وابتعاده عن الناس وعدم تقديم اية خدمة من خلال مسؤوليته الامر الذي نفّر الناس منه وجعلهم يذكرونه بسوء. فوجده محاطا بحاشية “مضبوطين “وصاحبه الحميم احدهم!.
الرجل الطيب لم يطلب حاجة من المسؤول وذكره بخدمة الناس وبعظم الامانة التي يحملها وخوفه من فتنة الكرسي ومصير من سبقوه، وحين غادر مكتب المسؤول رافقه صديقه الحميم الذي حذره من “الحواشي”.
وحين ودعه قال له الرجل الطيب: لقد تأكدت لي رؤيتك حول “الحواشي” ميدانيا هذه الساعة ،وساحرص على تطبيقها. مع ان حاشيته مجرد رفاق طريق وصحبة مجالس. ومن يومها بدأ الرجل ينسحب من “الحاشية” متذرعا بشتى الوسائل والحجج والاعذار حتى ابتعدوا واحدا تلو الاخر حتى اذا اطمأن من ذلك شرع بالظهور منفردا مرة وبصحبة مرافق او قريب مرة اخرى مستبدلا اياهم بين حين واخر مخافة ان يقع في المحذور كون الحاشية الثابتة توحي لمن تحيط به زخرف القول وتزين له القبيح وتقبح الجميل لتحافظ على رضا المسؤول وتستدر المزيد من الامتيازات والمكاسب وليسقط المسؤول في عيون الناس وليسقط الناس اجمعين. مع ان هذا الرجل الخير ليس بمسؤول ولا متنفذ .دائرته لاتتجاوز المسجد والمنبر وساحته بيوت الفقراء واعمال الخير واصلاح ذات البين.
درس يجدر استيعابه من قبل كل ذي شأن: مرجعيات دينية، وجهاء ، شيوخ عشائر، علية القوم، وقبلهم وفي مقدمتهم المسؤولون الحكوميون كبارا ومتوسطين وصغارا.
وليضعوا نصب اعينهم ما فعلته الحواشي والدوائر المقربة من مراكز القرار في السلطة السابقة وما خلفته من كواراث وسببته من ويلات حين اوهمت رؤسائها وجعلتهم يصدقون ان باستطاعتهم تدمير جيوش ثلاثين دولة واسقاط جبروتها بدخان “التايرات المحروقة”وحفنة تراب!.
دفعني العجب والاستغراب وشجعتني الصداقة لتوجيه هذا السؤال الى مقرب من مسؤول كبير: قلت له : صاحبك يرى “الارضه” تنخر في مكتبه فيرفعها ويضعها على كرسي اخر!.
قال: الكرسي ابسط وارخص من المكتب!.
قلت: لااستبعد احد امرين:
اما ان يكون مغشوشا واما ان تفرض عليه.
قال: بل مغشوش!.
قلت: ومن غير الحواشي؟!.
ومن غير البطانة؟!.
وسوى الروم خلف ظهرك روم
فعلى اي جانبيك تميل