23 مايو، 2024 1:13 ص
Search
Close this search box.

المسؤول والحصانة

Facebook
Twitter
LinkedIn

-1-
الحصانة اليوم تحمي صاحبها من الملاحقة القضائية – ما لم يُكبس متلبسا بالجرم المشهود – ولكنها لاتحميه من الملاحقة الإلهية ،وحاشا لميزان العدل الالهي ان يُسقِط من الحساب ذرةً من سوء …

-2-

وسلاطين الجور قد صدرت لهم الفتاوى المزيفة من شيوخ السوء أنهم فوق الحساب والمساءلة بمعنى أنهم غير محاسبين عند الله على ما يُصدر منهم من أعمالٍ وأفعال مهما كانت طبيعتها وهذا ما يخالف صريح القرآن الذي يقول :

(وقفوهم انهم مسؤولون)

-3-

لقد شهد شيوخ السوء عند يزيد بن عبد الملك ت 105 هجرية (ان الخلفاء ليس عليهم حساب عند الله ولا عقاب عليهم )

وسرعان ما سارع الى تصديقهم ، فانطلق غير مبالٍ ولا هيّاب للولوج في المزالق والمطبات وممارسة شتى ألوان العصيان والمنكرات …

والسؤال الآن :

هل كان تصديقهم ناشئاً عن قناعة بصحة أقوالهم أم كان ناشئاً لموافقة كلامهم لهواه النفسي ورغائبه في الانفعلات والتبذل ….

الأرجح هو الثاني إلاّ ان يكون من المغفلين الذين لايستطيعون التمييز بين الخيط الأبيض والخيط الأسود …

-4-

ويحدثنا التاريخ ان أخاه (الوليد بن عبد الملك ) سأل (أبا زرعة) حينما دخل عليه وقال له :

” أخبرني يا أبا زرعة :

أَيُحاسب الخليفة ؟ “

وَطَرْحُ السؤال على أبي زرعة ينبئ عن أنَّ (الوليد) لم يكن قد صدّق قول شيوخ السوء ، كما صدّقهم أخوه من قبل، حيث من الصعب على اي ذي مِسْكَةٍ من عقل وقد أنتهز فرصة دخول (ابي زرعة) ليتوجه اليه بالسؤال الذي كان قد أشغل باله كثيراً .

كما يوحي به السياق …

وبرّر توجيه السؤال الى أبي زرعة بالقول :

(فانّك قد قرأت القرآن وفقهتَ الدين )

والشق الأول من التبرير غريب للغاية، ذلك ان مجرد قراءة القرآن لم يكن (الوليد) محروماً منها، لو أراد ولكن سلاطين بني أميّة كانوا في واد ، والقرآن واحكامه ومفاهيمه في واد اخر ….

أما الشق الثاني من التبرير (وفقهتَ الدين) ففيه الاشارة الى أن (ابا زرعة) ممن يصّح ان يُسأل في القضايا الدينية ،ولذلك سأله (الوليد) جرياً على عادة (العوام) في الرجوع الى (العلماء) في المسائل الدينية .

ولكن هذا الشق الثاني مما يُثبتُ ان (السلطان) الذي يعتبر نفسه (خليفة) للمسلمين جاهلٌ بأحكام الدين، بعيدٌ عن (الفقه) تمام البعد، ومع ذلك يُصّر على ان يكون أمر المسلمين بيده دون سواه …

إنّ من الهوان على المسلمين حقا ان يؤول أمر المسلمين الى أمثال (الوليد بن عبد الملك) ممن لايفقه شيئاً من الدين …!!!

وهذه هي احدى نتائج جعل الخلافة وراثية تنتقِلُ من الأب الى بنيه ، أيّا كان مستوى الأبناء الروحي والعملي والديني ، فضلاً عن سائر الجوانب الاخرى ، من ادارية وسياسية واخلاقية ….

-5-

ان (أبا زرعة) لم يكن كاولئك الشيوخ حلّلوا ل (يزيد بن عبد الملك ) الحرام..

انه كان من طراز آخر ، ولكنه لم يكن يملك الجرأة العالية للبوح بالحقّ ، وايضاح الموقف بشكل لالبس فيه ولا غموض فماذا صنع ؟

انه توجّه بالسؤال الى (الوليد) بن عبد الملك قائلا :

” أقول وأنا آمن ؟

قال :

قل وأنت آمِن “

كان هذا السؤال احترازياً أراد (أبو زرعة) من خلاله الاطمئنان على سلامته فيما لو تصدّى للجواب الصريح عن السؤال المطروح عليه من الوليد .

وحين أعطي الأمان ، وضمن سلامته قال :

( أنت أكرمُ على الله أم داود (ع)

ان الله تعالى له الخلافة والنبوة ومع ذلك خاطبه متوعداً :

{ ياداود إنّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله انّ الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نَسُوا يوم الحساب }

ص /26

وهكذا ترك (ابو زرعة) الوليد بن عبد الملك في مواجهة الحقيقة ولم يكن قادراً على ان ينبس ببنت شفة ..!!

ان مسالة الحكّام في الواقع ليست مرتبطة بمجرد فهم الأحكام ، وانما هي مرتبطة بما تحدثه السلطة في نفوسهم من غرور ، وما تقودهم اليه قدراتهم من مظالم وجرائم واعتداءات وتجاوزات لكل القيم والموازين .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب