23 ديسمبر، 2024 9:34 ص

المريض أولاً وأخيراً يا وزارة الصحة

المريض أولاً وأخيراً يا وزارة الصحة

مما يؤسف له أن الدستور العراقي لم يشر بأي شكل من الأشكال لحقوق المواطن بتوفير رعاية صحية جيدة له خالية من الإبتزاز المادي والمعنوي من قبل الجهات والمؤسسات الصحية وكل العاملين في المجال الصحي والطبي في عموم العراق. إذ أن كل ما ذكره الدستور بشأن الصحة بشكل عام هو المادة (31) التي جاء فيها أن ” لكل عراقي الحق في الرعاية الصحية، وتعنى الدولة بالصحة العامة، وتكفل وسائل الوقاية والعلاج بإنشاء مختلف أنواع المستشفيات والمؤسسات الصحية. وأن للأفراد والهيئات إنشاء مستشفياتٍ أو مستوصفاتٍ أو دور علاجٍ خاصة، وبإشرافٍ من الدولة، وينظم ذلك بقانون.”

ويعني هنا بإشراف الدولة هو إشراف من وزارة الصحة التي هي الجهة الحكومية الوحيدة المعنية بالصحة في البلد.

ويؤسفنا أن نذكر أنه حتى وزارة الصحة نفسها تحتاج للمحاسبة وللإشراف عليها وعلى عملها لأن الوزارة المعنية بالصحة برأينا لا تتقيد بأبسط القوانين والتشريعات الحكومية والبرلمانية ومنها على سبيل المثال منع التدخين داخل أروقة الوزارة نفسها رغم أن هناك قرار من ديوان رئاسة مجلس الوزراء يمنع التدخين داخل الأبنية المسقفة، حيث يرى الزائر لوزارة الصحة أن الكثيرين من منتسبيها يدخنون داخل الوزارة ومنهم مسؤولون كبار يبعدون خطوات عن مكتب الوزيرة.

وناهيك عن مبنى الوزارة نفسه، فالتدخين يحدث في الكثير إن لم يكن في جميع المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة لوزارة الصحة، لا بل والطامة الكبرى أن جراحين يدخنون حتى في صالات العمليات كما أخبرني به طبيب أختصاصي يعمل في مدينة الحسين الطبية في كربلاء المقدسة.

تخيلوا معي…وزارة تعني بصحة المواطن، والتدخين يعد واحدا من أخطر مسببات الأمراض للمواطن، نجد أن تلك الوزارة لا تلتزم هي نفسها بأبسط معايير صحة المواطن فكيف يتوقع هذا المواطن أن يتلقى رعاية صحية جيدة في مؤسسات وزارة الصحة، وأية رعاية طبية جيدة نتمنى أن يتمتع بها المواطن أو يتوقع المواطن أن يتمتع بها في ظل هكذا نظام صحي تقوده هكذا وزارة صحة؟

ومن جانب آخر، فنحن نعلم أن هناك في جميع دول العالم نقابات أو هيئات للكثير من المهن ومنها نقابات للأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة والمهن الصحية الأخرى حيث تعني هذه النقابات بالدفاع عن حقوق منتسبيها ودعمهم وتحسين ظروف عملهم قانونياً ومادياً إضافة إلى الحفاظ على شرف المهنة والإرتقاء بمستواها والحفاظ على مصالح أعضائها. كما هناك إتحادات عربية تمثل جميع تلك النقابات المتخصصة في جميع الدول العربية، كإتحاد الأطباء العرب وإتحاد الصيادلة العرب، إلخ… إلا أنه من المؤسف ومن المعيب أيضاً أننا لا نجد هيئة حكومية مركزية تعني بحقوق المواطن المريض كما هو الحال في معظم دول العالم المتقدم، بل وحتى في العديد من دول العالم الثالث. هذه الهيئة تسمى هيئة تنظيمية Regulatory Body أو مفتشية الرعاية الصحية Healthcare Inspectorateأو مفوضية عليا للصحة العامة Public Health High Commission. والهيئة أو المفتشية أو المفوضية هي منظمة مهنية ولكنها ليست ذات عضوية ونشاطها الأساسي هو حماية المواطن وهي على عكس الهيئات المهنية/النقابات والإتحادات المهنية التي أنشئت على أساس تفويض قانوني.

كما أن الهيئة أو المفتشية أو المفوضية عادة ما تكون مرتبطة بهيئة المعايير المهنية العامة التي تشرف على عمل الهيئات التنظيمية لجميع المهن في البلاد، إن توفرت مثل هذه الهيئة العامة.

وأهم ما تركز عليه الهيئة أو المفتشية أو المفوضية هو:

* الإسهام الكبير في تحسين سلامة وجودة خدمات الرعاية الصحية في العراق.

* تحسين تجربة المواطنين من الرعاية الصحية سواء كمريض، أو مستخدم للخدمة، أو قريب لمريض أو موظف في مؤسسة صحية.

* تعزيز رأي المرضى والمواطنين في الطريقة التي تقدمها المؤسسات الصحية سواء كانت حكومية أو أهلية أو عيادات خاصة.

* إتاحة المعلومات التي لدى الهيئة أو المفتشية أو المفوضية لجميع المواطنين عن المؤسسات الصحية سواء كانت حكومية أو أهلية أو عيادات خاصة فيما يخص جودة الرعاية الصحية المقدمة من قبل تلك المؤسسات/العيادات وإلتزامها بمعايير الجودة المحددة من قبل الهيئة أو المفتشية أو المفوضية.

تنظم تلك الهيئة أو المفتشية أو المفوضية الرعاية الصحية سواء تلك المقدمة من قبل المؤسسات الصحية وسواء كانت حكومية أو أهلية وتلك التي تقدم من قبل العيادات الخاصة والمختبرات والصيدليات وكل مؤسسة يتعلق عملها بصحة المواطن، ومنها على وجه الخصوص الرعاية الطبية الطارئة وأن تفي وتلتزم تلك المؤسسات بالمعايير الأساسية للجودة والسلامة التي تحددها الهيئة أو المفتشية أو المفوضية.

كما ترصد وتراقب الهيئة أو المفتشية أو المفوضية مقدمي الرعاية الصحية للتأكد من إمتثالها لتلك المعايير.

ولهذا فأنا أدعو رئاسة مجلس الوزراء إلى إنشاء مثل هذه المنظمة لتمارس وظيفة رقابية، هي فرض شروط وقيود العمل ووضع المعايير فيما يتعلق بأي نشاط طبي وصحي وضمان الإمتثال لتلك الشروط وقيود العمل من قبل جميع المؤسسات الصحية الحكومية والأهلية، وكذلك الأطباء الأهليين، ذلك لأن للمواطن الحق بتلقي رعاية صحية جيدة خالية من الإبتزاز المادي والمعنوي من قبل الجهات والمؤسسات الصحية وكل العاملين في المجال الصحي والطبي في عموم العراق، وسواء كان في مؤسسات القطاع العام أو مؤسسات القطاع الخاص.

يجب أن تكون هذه المنظمة ذات رقابة شديدة الفعالية في تنفيذ برنامجها الرقابي الصحي وبحيث لا تتدخل وزارة الصحة بشؤونها. كل ذلك من أجل أن يحظى المواطن برعاية صحية متميزة من قبل المؤسسات/المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية والأهلية إضافة للأطباء الأهليين. كما يكون لتلك الهيئة صلاحية إصدار تعليمات وتوجيهات لصالح المواطن إضافة لصلاحية غلق مؤسسات صحية وعيادات خاصة إن لم تفي بالشروط الصحية الإنسانية العادلة المتعارف عليها دولياً. وبعبارة أخرى تقوم بعلاج عدم الامتثال لمعايير مقبولة من الرعاية الصحية.

فالمريض أولاً وأخيراً……

وبهذا يكون المواطن هو الأساس من أجل أن يتلقى خدمات صحية وطبية جيدة ووفق المعايير العالمية المعروفة وبدعم مؤسساتي من قبل الحكومة العراقية.

وتمارس الهيئة أو المفتشية أو المفوضية وظيفة تنظيمية هي الرقابة والإشراف والتدقيق وفرض شروط وقيود العمل ووضع المعايير فيما يتعلق بأي نشاط طبي وصحي وضمان الإمتثال لتلك الشروط وقيود العمل من أجل حماية مستخدمي الرعاية الصحية والطبية من المواطنين.

[email protected]