23 ديسمبر، 2024 10:18 ص

المركز والاقليم والدستور

المركز والاقليم والدستور

يعرف الدستور في المبادئ العامة للقانون الدستوري بأنه مجموعة المبادئ الأساسية المنظمة لسلطات الدولة والمبينة لحقوق كل من الحكام والمحكومين فيها والواضعة للأصول الرئيسية التي تنظم العلاقات بين مختلف سلطاتها العامة، وهو الاطار الشامل الذي تعمل الدولة بمقتضاه في مختلف الأمور المرتبطة بالشئون الداخلية والخارجية. وعندما نقول بان الدستور هو القانون الأعلى في الدولة لا يعلوه قانون آخر اي انه لايجوز ان يشرع اي قانون مخالف للاحكام الواردة في الدستور. فالدستور هو الجهة الوحيدة التي تنشئ السلطات الحاكمة وتحدد اختصاصاتها، وعلى هذه السلطات احترام الدستور لانه هو السند الشرعي لوجودها. ويؤدي إلى تأكيد مبدأ المشروعية ومبدأ تدرج القواعد القانونية وخضوع القاعدة الأدنى درجة للقاعدة الأعلى درجة. كما أن الاختصاصات التي تمارسها السلطات التشريعية والتنفيذي والقضائية مفوضة لهم بواسطة الدستور, فلا يحق لها تفويض اختصاصاتها لجهة أخرى إلا بنص صريح من الدستور.
ومن هذا المنطلق فقد اورد الدستور العراقي لسنة 2005 نصوصا صريحة في طبيعة العلاقة التي تربط الحكومية الاتحادية بحكومات الاقاليم وبالمحافظات غير المرتبطة باقليم الااننا نلاحظ ان الجدل يعود سنويا حول صلاحيات المركز وصلاحيات الاقليم وخصوصا فيما يتعلق بحصة الاقليم من الموازنة العامة والتصرف في عائدات النفط ويظهر علينا المحللون والخبراء بالحجج والبراهين التي تبرهن وجهة النظر التي يتبناها كل طرف وهي جميعها وجهات نظر محترمة ولكن تكرار هذا الموضوع سنويا اصبح يثير نعرات اعتقدنا انها قد ماتت مع سقوط النظام السابق وبدأت الفتنه تذر بقرنها البغيض وللاسف فان بعض السياسيين اعتبروا انها لعبة جيده للاغراض الانتخابية متناسين الحقيقة المعروفة بان مايتجذر في الضمير الشعبي من الصعب تغييره بسهولة وانه يتحول الى تراث من جيل الى جيل لذلك فان افضل حل لهذه المعضلة هو عرضها على الدستور لمعرفة اي وجهات النظر هي الاقرب الى النص الدستوري .
وصف الدستور، وفي اكثر من مادة شكل العلاقة ما بين المركز والاطراف مؤكدا على ان العراق دولة اتحادية وحسب ماجاء في نص المادة الاولى من الدستور (  جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم  فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق) . وقد حددت المادة 110 الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية وحددتها بمايلي :
اولاً :ـ رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي، والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها، ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية.
ثانياً :ـ وضع سياسة الامن الوطني وتنفيذها، بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وادارتها، لتأمين حماية وضمان امن حدود العراق، والدفاع عنه.
ثالثاً :ـ رسم السياسة المالية، والكمركية، واصدار العملة، وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق، ووضع الميزانية العامة للدولة، ورسم السياسة النقدية وانشاء البنك المركزي، وادارته.
رابعاً :ـ تنظيم أمور المقاييس والمكاييل والاوزان.
خامساً :ـ تنظيم امور الجنسية والتجنس والاقامة وحق اللجوء السياسي.
سادساً :ـ تنظيم سياسة الترددات البثية والبريد.
سابعاً :ـ وضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية.
ثامناً :ـ تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق، وضمان مناسيب تدفق المياه اليه وتوزيعها العادل داخل العراق ، وفقاً للقوانين والاعراف الدولية.
تاسعاً :ـ الاحصاء والتعداد العام للسكان.
واضافت المادة 113 الى الصلاحيات اعلاه صلاحية ادارة الاماكن الاثارية بالتعاون مع سلطات الاقاليم. وخصص الدستور المادة 114 للحديث عن الصلاحيات المشتركة بين المركز والاقليم وحددها بمايلي :
اولاً :ـ ادارة الكمارك بالتنسيق مع حكومات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم، وينظم ذلك بقانون.
ثانياً :ـ تنظيم مصادر الطاقة الكهربائية الرئيسة وتوزيعها.
ثالثاً :ـ رسم السياسة البيئية لضمان حماية البيئة من التلوث، والمحافظة على نظافتها، بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم.
رابعاً :ـ رسم سياسات التنمية والتخطيط العام.
خامساً :ـ رسم السياسة الصحية العامة، بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم.
سادساً :ـ رسم السياسة التعليمية والتربوية العامة بالتشاور مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم.
سابعاً :ـ رسم سياسة الموارد المائية الداخلية، وتنظيمها بما يضمن توزيعٍ عادلٍ لها، وينظم ذلك بقانون.
جائت المادة (115) من الدستور لتمنح الاقاليم كل الصلاحيات سوى الحصرية منها فنصت على ان (( كل مالم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحيةالاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم ) ، بل ان هذه المادة قد ذهبت الى ابعد من ذلك بالقول (والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم ، تكون الاولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم ، في حالة الخلاف بينهما ). لتأتي المادة (121) في فقرتها الثانية لتنص على (ثانياً :ـ يحق لسلطة الاقليم، تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الاقليم، في حالة وجود تناقض او تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الاقليم، بخصوص مسألةٍ لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية).
بعد استعراضنا للنصوص نأتي الان الى النقطة موضوع الخلاف وهو النفط وقد تحدث الدستور عن هذا الموضوع في المادة 112 بالقول (اولاً :ـ تقوم الحكومة الاتحادية بادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة، على ان توزع وارداتها بشكلٍ منصفٍ يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد، مع تحديد حصة لمدةٍ محددة للاقاليم المتضررة، والتي حرمت منها بصورةٍ مجحفة من قبل النظام السابق، والتي تضررت بعد ذلك، بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد، وينظم ذلك بقانون . ثانياً :ـ تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، بما يحقق أعلى منفعةٍ للشعب العراقي، معتمدةً احدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار).
    من نص المادة السابقه نرى ان ادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية ادارة مشتركة بين المركز والاقليم وان رسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز هو من الصلاحيات المشتركة بين المركز والاقليم وحيث ان النص القانوني تتم قرأته بصورة كاملة وغير مجزئة فان الدستور في هذه الحال وحيث ان هذه الصلاحية من الصلاحيات المشتركة فيتم في هذا الحالة اعمال نص المادة 121/ثانيا في حالة التعارض كونها ليست من الصلاحيات الحصرية للمركز .
    والسؤال الذي قد يطرح هو هل يحق للاقليم توقيع اتفاقيات نفطية ؟ والاجابة هنا ترتبط بطبيعة تلك الاتفاقيات فالدستور قد حصر صلاحية التفاوض على الاتفاقيات الدولية بالمركز وليس من حق الاقليم الدخول باتفاقيات دولية ولكن الاتفاقيات الدولية لها تعريف قانوني محدد سواء في نطاق القانون العراقي او القانون الدولي فليس كل الاتفاقيات النفطية هي اتفاقيات دولية فقد يتم توقيع اتفاقيات مع شركات عالمية وفي هذه الحالة تخضع الاتفاقيات الى القوانين الداخلية .
    وفي النهاية يجب ان نؤكد على ان النص الدستوري سواء اعجبنا او لم يعجبنا يبقى هو القانون الاسمى للدولة واحترام نصوص الدستور وسموها هو اولى مظاهر احترام الدولة لنفسها ولمكانتها بين شعوب الارض .